بعيداً عن السوس والتلف.. كيف حفظ سيدنا يوسف قمح مصر لأكثر من 7 سنوات؟
الجمعة، 21 سبتمبر 2018 06:00 م
عرفت مصر الزراعة منذ القدم، وكان للفلاح المصري القديم صولات وجولات في الإنتاج الزراعي، لتوفير الغذاء للإنسان والحيوان والطيور أيضا، وقد بلغ من سخاء المزارع المصري، منذ آلاف السنين أن خير زراعاته وحصاده لم يكن قاصراً عليه، ولا على وطنه مصر وأهلها فقط، بل تجاوزه إلى البلاد والأوطان والأمم المجاورة، التي كانت تأتي وفودها إلى مصر، من الشرق والغرب والشمال والجنوب، لتغترف من سلة غلال العالم.
من المعروف أن الزراعة كانت أساس حضارة مصر القديمة، وقد تميزت هذه الحضارة بطابعها الزراعي، وقامت حينما استقر الإنسان المصرى القديم وزرع الأرض،وكانت الزراعة أساس الرخاء فى البلاد والمورد الهام من موارد ثرواتها،وقد أحسن المصرى القديم استغلال الأرض وكذلك موارد مصر الطبيعية لسد احتياجاته،كما يُعد نهر النيل من أهم العوامل الطبيعية،التى ساعدت على قيام الحضارة المصرية،وقد راقب المصريون القدماء النهر، وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق،وضع المقاييس لتسجيل أيام الفيضان،ودرجة ارتفاع المياه وانخفاضها،وإقامة السدود وحفر الترع والقنوات، واستخدموا الشادوف والمنجل والمحاريث،التى تجرها الثيران لتمهيد الأرض ثم دراس المحاصيل.
حرث الأرض بالمحراث البلدى القديم
مرّت الزراعة فى مصر القديمة بعدة مراحل،وكانت زراعة المحاصيل،تبدأ بعد أن تنحسر مياه الفيضان عن الأرض إلى نهر النيل،وكانت الزراعة وقتها شديدة البساطة، ويمكن إيجازها في عدد من المعاملات الحقلية ــ كما تشير إلى ذلك دراسات وبحوث،المتحف الزراعى التابع لوزارة الزراعة بالدقى ــ مثل العزق،وكان يقوم به الفلاح لتقليب الأرض بالفأس تقليباً بسيطاً،وحرثها بمحاريث تجرها الثيران،إمعاناً فى زيادة عمق تقليب الأرض،ثم بذر البذور وإطلاق الأغنام عليها لتغرسها بأرجلها فى التربة،ثم بعد نضج المحصول يأتى الحصاد،فيقوم الفلاح بعملية الحصاد ،وجمع المحصول فى شباك أو وضعه فى شكل حزم لنقله إلى الأجران لتدرسه الدواب والماشية ،وأخيراً تأتى مرحلة التخزين،وعندها يكون الفلاح قد قام بعملية تذرية الحبوب وغربلتها ،وتسجيل مقدار المحصول وتخزينه فى صوامع لحفظه،وكانت مصر منذ آلاف السنين،تشتهر بزراعة أصناف كثيرة من الحبوب والنباتات والخضروات،ومنها الفول والعدس و الذرة العويجة "الصيفى" والحلبة والخيار والبصل والخس،ومن الفواكة التين والعنب والنبق والجميز والبلح ،وهناك أيضا المحاصيل الزيتية،مثل السمسم والخروع،كما بدأت زراعة الزيتون منذ الأسرة الثامنة عشر،ولكنه كان نادراً فى الغالب.
صوامع التخزين
دراس القمح بمرور الدواب والماشية عليه
بعد عمليات حصاد القمح،ودراسه وتذرية الحبوب وغربلتها،تأتى مرحلة تخزين الغلال في صوامع مخصصة لها،تتميز بشكلها المخروطى،وكان يزيد ارتفاعها قليلًا عن طول الشخص الواقف،وذلك لسهولة رفع الغلال إليها،وكانت لها فتحة صغيرة في أعلاها،بينما كانت أرضية الصوامع تغطى بطبقة سميكة من فتات الحجر منعاً لتسرب الفئران إليها، وكان يصاحب عملية تخزين القمح فى الصوامع ،عملية تسجيل الكُتّاب المختصين فى تدوين وإحصاء الكميات المخزنة ، تحت بند مرتبات غلال،وكان القمح ضمن المرتبات التى تُصرف للموظفين،وقد كانت هذه هى الطريقة والوسيلة المعروفة ،والمُعتمدة فى مصر لتخزين الحبوب.
التخزين 15 عاماً
صوامع حفظ الغلال القديمة
بوجود سيدنا يوسف عليه السلام،على خزائن الأرض وتوليه المسئولية،عن توفير الغذاء والمؤن والحبوب ــ كما قال الدكتور على إبراهيم الأستاذ بجامعة الأزهر ــ اقترح على عزيز مصر وقتها،وخاصة بعد رؤيته أن البلد سيمر بسنوات مجاعة وقحط،وسوف يستمر لمدة 7 سنوات،طلب زراعة القمح بكثافة وفى مساحات كبيرة،أكثر من التى كان يتم زراعتها كل عام،مع تخصيص جزء من المحصول للاستهلاك اليومى والشهرى،بينما يتم تجنيب جزء آخر من المحصول وتركه فى سنابله دون دراسه وتذريته،بل أوصاهم أن يظل القمح فى السنابل كطريقة جديدة للتخزين وحفظ القمح من التلف وعدم التسوس،وبالفعل تمت هذه الطريقة،وظل القمح لحوالى 15 عاماً سليماً من التلف والضرر وعدم التسوس.
صوامع قمح قديمة
وهذه القصة خلّد ذكرها القرآن الكريم،فى سورة يوسف،فى قوله تعالى (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) "سورة يوسف آية 47-48"،وقد اتفق وأكد عدد كبير من العلماء،فى العالم العربى والإسلامى،على أن هذه الآيات ،جاءت إلهاماً من الله سبحانه وتعالى ،لنبيه يوسف عليه السلام ،لكى ينصح بتخزين المحاصيل الزراعية،كالقمح والشعير والأرز فى سنابلها،وأكدت التجربة فعلاً أنه أفضل نظام لحفظ تلك المحاصيل، سواء طالت مدة ذلك الحفظ أم قصرت،وقد طبقها سيدنا يوسف عليه السلام ،لمدة بلغت 15 عاماً، دون أن تفسد ،وبقيت طوال هذه المدة محافظة على قيمتها الغذائية كاملة،وعلى حيويتها وقدرتها على الإنبات والنمو.