«صلى إنت مبتصليش ليييييييييه»؟!، دائما ما تكررت تلك العبارة في شرائط الكاسيت التي أنتجها الداعية السلفي وقتما كان يحرم شاشات التليفزيون، لكن ما أن حللها قرناءه وأطل هو بلحيته البيضاء تكررت تلك العبارة، فبات كل من يراه يخشاه لصوته المرتفع.
ظهر الشيخ، في فترات عدة -حينما تطلب الحاجة لذلك- ضاحكا بساما، لا يتكلم فى السياسة، لا يشتبك دينيا فى قضايا ذات علم وفقه، هو فقط مسلٍ، لذا كان ذلك مرحب به في كثير من البيوت السلفية، إن لم يكن أغلبها. فكانت شرائطه فى قائمة الأكثر مبيعا خلف محمد حسان بخطوات، كانت دعواته لإلقاء الخطب والدروس فى دول الخليج العربى كثيرة، ولكنه لم يكن مثل القرضاوى وعبد المقصود والحوينى مرحبا به فى الأوساط العليا.
عاش يعقوب عن خنوع في كنف محمد حسان والحوينى، ولكنه لم يرضَ، وحينما زاحمهم فى زمن الثورتين احترق أسرع مما احترقوا، لأن نكاته أغضبت منه كبائر رجال السلفية، بعد أن وضعتهم فى مواجهة مع باقى التيارات السياسية الأخرى التى تعاملت مع نكتة حسين يعقوب الخاصة بغزوة الصناديق بأنها جرس أنذار ينبه الجميع لعنصرية التيار الإسلامى وشيوخ السلف.
أزمة يعقوب أنه لم يكن محنكا ولا ذكيا، مهاراته كلها محصورة فى الأداء الذى يعتبره أبناء التيارات الإسلامية كوميديا، لذا سقط سريعا لأن تناقضاته مفضوحة، لم يدخل معركة إلا وخسرها، ولم يقرر تحييد نفسه والصمت هربًا من اتخاذ موقف مثلما حدث وقت الثورة ثم فض اعتصام رابعة إلا ونسوه كأنه لم يكن، بل وفضحوه بأفلام صنعها السلفيون والإخوان بأنفسهم ليصفوه بالشيخ الجبان والمنافق.
كان محمد حسين يعقوب أسرع الشيوخ سقوطا مثلما كان أسرعهم صعودا إلى الأضواء، كان مبالغا بالفطرة، بلغة هذا العصر، شديد ادعاء الزهد، بينما كل تفاصيل حياته وتصرفاته تكشف تمسكه بالدنيا وهرولته خلف زينتها، يحدث الناس عن الزهد الحياة وشهواتها ورغباتها وتكشف الصدف والتحقيقات أنه عبد شهواته يتزوج كما لو كان طفلا يبدل لعبه.
طالب الفقراء بالصبر ويعدهم بالجنة بينما كانت شهرته بين أقرانه أنه صاحب الفيلات والولائم، يخطب فى الناس واعظًا عن الحنان والمودة، بينما تفضحه واقعة شهيرة اعتدى فيها على أطفال صغار داخل المسجد أحدثوا بعضا من الضجة لم يستصيغها الرجل الذى يريد من مريدوه الخضوع أسفل قدمه، وهو يتلو عليهم قصصه.
ورد في بعض القصص عن مريديه: صديق لنا دائما ما كان يحدثنا عن النور الساطع من وجهه، وعن قدرته على جذب انتباه جميع الحضور بأدائه الساخر، حتى ذات مرة عاد صديقنا تائها صامتا لا يحكى ولا يتكلم، نسأله عما حدث فى درس اليوم وهل قال شيخك يعقوب نكتة جديدة، يرد بكلمات غير مفهومة، حتى عاد بعض دقائق غاضبا وهو يقول: «إزاى أصدق راجل بقاله شهرين بيخطب فينا عن الزهد وضرورة الإنفاق بسخاء عن الفقراء، وأنا أراه يدخل إلى منزله قبل الدرس فى موكب من السيارات الفارهة، حظى كان وحش إن روحت المرة دى بدرى قلت أصلى العصر، وأنتظر فى المسجد للمغرب حتى موعد حضور الدرس وشوفت بعينى الموكب، وشوفته وهو بينهر البواب وبيعامله وحش، الأبشع إنهم أجلوا إقامة الصلاة حتى نزول الشيخ ووصوله، وبدل ما يتعجل علشان إقامة الصلاة مد إيده للناس تبوسها، وبدل ما يخطف إيده ويقول أستغفر الله كان بيمد إيده للناس تبوسها»، ثم صمت صديقى تماما.
حالة حسين يعقوب تختلف عن كثير من شيوخ التيار السلفى، هو شيخ بالوراثة، لذا كان الناس يضحكون حينما تجرأ محمد حسين يعقوب وبدأ يخطب ويتكلم فى السياسة، ويعدد مساوئ الحكم فى عهد مبارك بالكلام عن توريث المناصب، «وابن الفنان يصبح فنانا وابن القاضى قاضيا، وكانوا عاوزين ابن الرئيس يبقى الرئيس»، كان الناس يضحكون لأن القائل هنا تطبيق حى لتلك الفكرة، فكرة التوريث.
حسين يعقوب الذى ولد فى ضواحى إمبابة، لأب من المؤسسين للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية فى المعتمدية، لم يدخل الأزهر، لم يدرس العلم الشرعى، حصل على دبلومة المعلمين، ولأنه ابن الشيخ فلان سافر إلى السعودية، وحضر مجالس بعض شيوخ المملكة، ثم عاد شيخا سلفيا، يخطب فى المساجد، ويشارك فى سباق تعبئة شرائط الكاسبت التى تمتلأ بالمؤثرات الصوتية الخاصة بالجنة والنار، وأصوات السيوف.
سلك يعقوب طريقه وأصبح هو النسخة الشعبية للخطاب الدينى السلفى، وكان طبيعى أن تسمع أن الخطبة الفلانية هى لؤلؤة الشيخ يعقوب وأسماء خطبه وشرائطه على النحو التالى «الإسعاف، الاعتكاف عقد احتراف، العناية المركزة، ساعة لقلبك وساعة لربك، أهوال يوم القيامة، وحكم الاستمناء وأسبابه وعلاجه»، وأن تأتى تعبيراته فى الخطب على نفس الوتيرة بشكل جعله نجما شعبيا تسبب فى ظهور جيل جديد من السائقين الملتحين، طمع يعقوب فى الشهرة أكثر فقرر دخول معارك مع الفنانين والمشاهير والسخرية منهم.
التناقض وتلوين الفتاوى وتزويرها حسب المصلحة كان سقطة يعقوب الكبرى، لم يكن يلعبها بحرفنة مثل باقى شيوخ التيار السلفى، هو مثلا كان يهاجم التليفزيون بضراوة ويحرمه حرمانية مطلقة، ثم فجأة وجده الناس يملأ شاشات الفضائيات الدينية، يخطب فى الناس قائلا بأن الدعوة إلى الله جهاد وواجب شرعى، ثم فجأة تخرج أنباء عن أموال بمئات الآلاف يتلقاها الشيخ نظير ظهوره الدعوى فى الفضائيات الدينية التى كان يدعو الناس للتبرع من أجل استمرارها.
احترق يعقوب بنار الثورتين وسقط من فوق منبره مثل باقى الشيوخ، كان صامتا فى زمن مبارك يحرم التظاهر والخروج على الحاكم، صامتا مع بداية الثورة لا ينصفها ولا حتى ينصح أهلها، حتى ضج منه شباب التيار السلفى، وطالبوه بالإعلان عن موقفه ولكنه لم يفعل، وحينما استقر الأمر وبات واضحا عن 25 يناير أسقطت نظام مبارك خرج محمد حسين يعقوب مهللا مهاجما مبارك ووصفه بالظالم والطاغية الذى عطل تنفيذ الشريعة الإسلامية، وحارب أبناء التيار الإسلامى لخدمة أعداء الدين، ولأن الله يمهل ولا يهمل، ظهرت على الساحة كل أحاديث وفيديوهات محمد حسين يعقوب التى مدح فيها مبارك ووصفه بالحكيم، بل وهاجم المقاومة الفلسطينية حينما هاجمت حماس مبارك، ليظهر حسين يعقوب متناقضا، وتاجر دين يمنح فتواه لصاحب المصلحة إن كان على وفاق مع السلطة أفتى بعدم جواز الخروج على الحاكم، وإن كان أحدهم يملأ جيبه من الخارج أفتى بأن الجهاد ضد الحاكم الظالم واجب شرعى.
أكاذيب حسين يعقوب لا تتوقف، واحتراق الرجل داخل أروقة التيار السلفى كان أسرع من احتراقه فى الخارج، لأن مريديه الذين سمعوه وهو يخطب فيهم قائلا: «إحنا مش سياسيين ولا عايزين منها حاجة، ووعد أقطعه أمام الله لن أنضم ولا أدعم، هم أنفسهم الذين سمعوه يتدخل فى السياسة بالتحريض على التصويت فى الاستفتاء ثم بالدعاية للمرشح حازم صلاح أبوإسماعيل، ثم بتأييده للرئيس الإخوانى محمد مرسى».
نفس الكذب والتلون أعاده محمد حسين يعقوب حينما سعى لمساندة الإخوان واعتصامهم الإرهابى فى النهضة ورابعة، وأجرى مداخلات لدعم الإخوان وإرهابهم فى قناة الجزيرة قائلا: إن ما يحدث فى مصر معركة ضد الإسلام والمسلمين، ولابد أن يكون للإسلام جنود تدافع عنه، ثم اختفى وتوارى الرجل بعد هزيمة الإخوان تماما، وعاد ليطل من جديد، متلاعبا بورقة التسامح ورفض العنف والتطرف، ولكن لعبته لم تفلح.