أناقة الدبلوماسية المصرية
الخميس، 30 أغسطس 2018 12:42 م
على الرغم من القلق الذى يشكله سد النهضة للأمن المائى فى مصر، وعلى الرغم من إزدواجية أفعالنا حيال تلك القضية؛ ففى الوقت الذى نتابع أخبار السد الألفى عن كثب وترقب لا نرشد استهلاكنا فى المياه بل نزداد اسرافًا !.
وعلى الرغم من كل الجًهد المبذول من قبل الجهات الدبلوماسية واللجان التُساعية ومخرجات كل اجتماع، لم يؤثر كل ذلك على الثبات الانفعالى للموقف المصرى الدبلوماسى ولم يصدر أى بيان غير حكيم، على العكس فتبنت الخارجية وجهاز المخابرات العامة سياسة احتواء الموقف حتى عقب تصريحات " أبى أحمد " رئيس وزراء إثيوبيا التى هزت اثيوبيا كلها.
إن موجات التهليل التى امتلأت بها التواصل الاجتماعى من قبل الشعب المصرى بعد تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبى كانت تلقائية وبشرية، لكن إن كان لمصر دورًا يُحمد فهو ذلك الدور الدبلوماسى المسالم الذى أمن بحق الغير فى العيش الكريم، وحق نمو اقتصاد الدول البسيطة مثل إثيوبيا، لكنه فى ذات الوقت أمن أن للمصرى وأجياله القادمة كل الحق فى عدم المساس بحصته فى المياه اليوم أو غدًا؛ لذا تحمل الرجال الشرفاء مشاق المفاوضات السلمية واختاروا الطريق الأصعب لحل المشكلة ولكنه الأصح.
أن تصريحات " أبى أحمد" ليست بعيدة عن الواقع ولم يكن الرجل ليجازف بمثل تلك التصريحات النارية واثرها على الشعب الأثيوبي أن لم تكن تلك التصريحات نتاج مشاكل مسبقة حقيقية فى مشروع سد النهضة، فجغرافيا المنطقة هى التى رسمت ذلك الواقع، فلنهر النيل فرعين أساسيين، الأول هو النيل الأبيض الذى ينبع من بحيرة فيكتوريا، والأخر هو النيل الأزرق الذى ينبع من بحيرة تانا فى اثيوبيا ويلتقى الأثنان فى الخرطوم، ولكن لسوء الحظ أن ثمانين بالمائة من المياه التى تأتى لنا مصدرها النيل الأزرق.
لذا ينبع من بحيرة تانا ذلك النهر الغزير العذب الذى يستطيع تدوير ستة عشر توربينة لسد بحجم سد النهضة، لكن لعلنا نحاول تصور كم العقبات التى تواجه الحكومة الاثيوبية فى مشروع بهذا الحجم ، الأول من نوعه كسد وربما الثانى أو الثالث كمشروع قومى.
ذلك البلد الذى يفتقر إلى أطباء لديهم القدرة على أداء العمليات الجراحية وينتظرون القوافل المصرية الطبية لأدائها – مع كل الاحترام لهم- ولكن هل لنا أن نتخيل كم الصعوبات التى تواجههم فى استكمال مشروعهم القومى العملاق ؟ ربما فقر الأيدى العاملة ؟ الافتقار للخبرة فى السدود؟ الافتقار لادارة المشروعات العملاقة ؟ الافتقار لخبرة الشراكة مع شركة أجنبية مثل "سالينى"؟ أزمة تمويل ؟
بالطبع كل تلك الأسباب هى أهم الصعوبات التى تواجه سد النهضة ومع ذلك يتبنى الوطن سياسة الحكمة والدبلوماسية لا يفرح بمصائب الجوار ويهلل ويجعل منها نقاط ضعف وثغرات وأوجه شجار وغضب عارم يستطيع الغرب التدخل فى أفريقيا من جديد من خلالها، ولا يقبل أبدًا الاضرار بمصلحة الوطن، فيالها من حكمة وحنكة سياسية ممزوجة بوطنية القيادة المصرية ، فهل لنا أن نحتذى حذوها؟.