طارق شوقي والعملية سبتمبر 2018
الثلاثاء، 28 أغسطس 2018 03:00 م
انفض موسم الإجازات والأعياد، ولا صوت يعلو الآن فوق صوت الموسم الدراسي الجديد، وصوته هذا العام أعلى، باعتباره ضربة البداية نحو تفعيل استراتيجية تطوير التعليم، والتي تمتد في مراحل متتالية لسنوات طويلة قادمة، وتؤتي ثمارها تباعاً حتى يحين موسم الحصاد عام 2030 بمشيئة الله، إذا توقفت الآن ساخراً أو مُستخفاً أو ضاحكاً، فأنصحك ألا تكمل قراءة المقال، فلن أكتب في الموضوع على هوى أولياء الأمور.
أنا منهم بالمناسبة، ولا على هوى المعارضين لأي وكل شيء قياساً على مشاعر مختلة في حب أو كراهية شخص أو أشخاص على حساب وطن بأكمله، ولا على هوى السوداويين المتشائمين على طول الخط، وبالقطع بعيداً عن أهواء رُباطية الفَسَدَة المنتفعين من تمكين منظومة التعليم النمطية التاريخية خَرِبَة على ما هي عليه، وهي الضاربة الشخصية المصرية في مقتل أجيالاً وراء أجيال.
الدولة لم ترتكب جريمة، هي فقط تحلم بحلول عام 2030 أن تُتاح فرص التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون تمييز، وفي إطار نظام مؤسسي كفء، عادل ومتواصل ومرن، يرتكز على الطالب أو المتدرب القادر على التفكير، والمتمكن فنياً وتقنياً وتكنولوجياً، وعلى أن يُسهم هذا النظام في بناء شخصية متكاملة، وإطلاق قدراتها بلا حدود، حتى نصبح أمام مواطن معتز بذاته، مستنير ومبدع ومسئول، قابل للتعددية ويحترم الاختلاف، يفخر بتاريخ بلاده وشغوف بالمشاركة في بناء مستقبلها، وقادر على التنافس مع أجواء الكيانات الإقليمية والعالمية، أراك تقف لتسخر أو تستخف أو تضحك مرة أخرى، بس مش مهم دلوقتي، طالما أنك لا تزال تقرأ.
الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، هو الآخر لم يرتكب جريمة، فهو مواطن مصري لم يفعل إلا مشاركة الدولة حلمها، وزاد بأن وافق على تحمل مسئولية الشروع في تحقيق الحلم، وهو المتخصص صاحب السيرة الذاتية العامرة بتنفيذ العديد من المشروعات المماثلة حول العالم، في مجال تطبيقات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في التعليم والعلوم والثقافة، حتى شغل منصب مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في الدول العربية ثلاثة عشر عاماً، وبخلاف نجاحه خلال هذه المدة في بناء شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات الدولية في مجالات تقنيات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في التدريس، وقبل أن يعود إلى عمله الأكاديمي من جديد ليصبح عميداً لكلية العلوم والهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وتتلخص رؤية الرجل في تطوير التعليم المصري في أن هدف استراتيجية الوزارة هو الأطفال، فثورة مصر الحقيقية في أطفالها، كثافة الفصول يجب القضاء عليها، المجتمعات تغيرت والمسافات تتباعد بيننا وبين العالم الخارجي، وظائف المستقبل هي الأخرى سوف تتغير، ويجب أن نُعِدَ أطفالنا لعالم قائم على الخيال، لن تكون هناك ثانوية عامة، وتغيير المرحلة الثانوية بالكامل، ومعها الخمس سنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، وبالتالي نحل 50% من المشكلة خلال ثلاث سنوات قادمة، الوزارة تبني نظاماً تعليمياً جديداً، وأجيالاً قادرة على التعلم وتلقي التعليم الراقي، وهو ما سوف نبدأ بالفعل في تحقيقه خلال أسابيع قليلة قادمة بمرحلة رياض الأطفال والسنة الأولى الابتدائية.
استراتيجية الدولة لتطوير منظومة التعليم المصري، والتي تبدأ بالموسم الدراسي القادم في سبتمبر 2018، أراها معركة مصيرية كبرى توازن في أهميتها العملية الشاملة سيناء 2018، معركة الدولة المصيرية في مكافحة الإرهاب في سيناء، فمحاربة الإرهاب لا تكتمل إلا بإعادة صياغة الشخصية المصرية، ولأول مرة نلمس إرادة حقيقية من الدولة تجاه تطوير منظومة التعليم المصري، المدخل لإعادة بناء الإنسان المصري، ولا أخشى عليها وعلى طارق شوقي قدر ما أخشى من الآباء والأمهات وأولياء الأمور، فهم حتى الآن في مجموعهم وبدون وعي، ليسوا إلا عرائس ماريونت في أيدي الفَسَدَة المنتفعين من استمرار منظومة التعليم المصرية الخَرِبَة، وعلى اختلاف نواياهم وأوجه فسادهم ومنافعهم.