فى بيتنا فأر
السبت، 25 أغسطس 2018 01:36 م
أسافر يومين وأرجع فأجد نفسى وأنا أفتح باب شقتى على موعد مع أكثر أفلام الرعب إثارة، التكييف يعمل، وأنا التى تعتاد أن تُحكم غلق كل النوافذ وفتحات البلاعات والأحواض وكل منفذ كبير أو صغير، وكل مفاتيح الكهرباء بما فيها مفتاح غرفة المعيشة الرئيسى من مفتاح التحكم الكبير بحيث تنغلق كل المفاتيح الرئيسية فى المنزل طوال فترة غيابى.
لكن مفتاح هذا التكييف لا يعمل بنفس المفتاح الرئيسى، هو له دائرته الكهربائية المنفصلة، فمن هذا إذن الذى دخل منزلى فى غيابى ونسى التكييف دون غلقه ؟.. لم تستمر الدهشة المُصاحبة بترقب الخوف طويلا، فها هى آثاره القذرة، ها هى فضلاته، ها هى حركاته، ها هى بذاءاته، هو هنا إذن.. لكن من أين دخل ؟ ..كيف تسلل داخل منزلى دون دراية منى وأنا التى تدعى البراعة فى غلق كل منافذه؟.
***
فى كليتى الصيدلانية كنت أكرهه، حتى فى هذا النوع المحسن منه فى لونه الابيض وجحمه الأصغر، أتذكر أنى فى سكشن (التوكسوكولجي) استغرقنى الأمر ما يقرب الخمس سكاشن، حتى أستطيع فقط الإمساك به، أحضرت "جوانتى" سميك جدا، استجمعت كل شجاعتى، دخلت عليه مثلما يدخل ظابط شرطة منفردا معزول السلاح على عصابة مافيا كاملة تمتلك كامل أسلحتها.. مسكته "عكشته" من رأسه، و"تبتْت" فيه بأطراف أعصابى، إرتعشت أصابعى وأنا أعطيه حقنة الموت، تلك التى منها سأكتشف ماهو الدواء،..أصبح الزمن بلا وجود، وبات الشلل وكأنه أصابه أو هكذا هيأ لى.. أنصرف الجميع من السكشن وصرت أنا وحدى وصديقتى المقربتين فقط، نظرت نظرة فوجدت الجميع قد تركوا أشلائه فى كل مكان، وفجأة وكأن كل الألم والوجع هذا الذى لا أدرى له زمن، قد أصاب دورتى الدموية فأنهارت قدماى أرضا تحت مسمى إنخفاض فى ضغطى، سندت كتفى زميلتيى، وأخذونى وساعدونى حتى وقتها أفقت.
فى الإمتحان النهائى كانت الحقنة التى سأعطيه بها "المادة الغير معروفة" مسدودة وفاسدة.. ضغطت عليها بكامل قوتى لأنجح فى الإمتحان ولكن دون جدوى حتى أنفجرت فى وجهى و تعرّفت على " المادة"، كانت حمض كبريتيك مركز "ماية نار" أصابت وجهى بحروق فى الجبهة وعناية الله وحده أنقدتنى وقتها .
***
يدخل "سوء الظن" بين الناس.. تظن به يحب غيرها، يظن بها لا تحبه.. تظن بها أنها تغار منها وتبغى أذيتها، يظن به يكرهه ويريد أن يوقعه فى المصائب، البعض يدخله بكامل إرادته.. البعض يدخل له رغما عن إرادته، وفى الحالتين هو يطيح بالحياة بالعلاقة الإنسانية، ويصيب الثقة فى مقتل.. وشيئا فشيئا يتسلل ويتوغل ثم يقتل، ونصحو فنجد أشد أصدقائنا قربا أكثرهم عداوة، أشد الناس لنا حبا، أكثرهم جفاءا وقسوة، وقتها ترتسم على وجوهنا أمارات الدهشة وكأننا لا ندرى كيف ومتى حدث ذلك؟.
***
قد يتكرر الأمر ..
حذرنى الجميع إننى إن لم أجد المكان الذى يتسلل منه الفأر، ربما أحضر شلة أصدقائه معه ليقيموا فى منزلى، صليت لله دعيت إبتهلت له.. توقف الزمن مرة أخرى.. بات الشلل وكأنه أصابه تماما مثلما أصابنى.
صارت خطة عملى واضحة، أولا يجب أن أجد جثة هذا الرائد الوقح الذى تجرأ ودخل منزلى خلسة، وثانيا يجب أن أجيب على سؤال من أين تسلل؟..وضعنا له السم وتركنا المنزل وأنتظرنا حتى جاءت اللحظة، ووجدنا الجثة ومن وقتها وأنا على رحلة طويلة لتنظيف المنزل من قاذوراته، لم تكن ابدا سهلة.
كان فأرا كبير الحجم، بدأت يدور فى ذهنى كيف تحرك داخل منزلى وكأننى أشاهد فى عقلى فيلمى للرعب، حتما قد قفز على ريموت التكييف، ثم تسلل لغرفة نومى ووضع بضع من قاذوراته وكأنه يخرج لى لسانه ويتحدانى بمنتهى الوقاحة أنه سيقدر على تلويث منزلى رغما عن كافة إجراءتى الإحترازية.
نظفت كل مكان، وغسلت كل السجاجيد والملاءات وكل شئ، وأخيرا درست وحللت وفكرت حتى عرفت مكان دخوله، هو وجدنى قد أغلقت كل شئ غلقا محكما إلا مكان صنعه عمال الغاز عندما دخلوا منزلى، مكان له شبكة أكلها ودخل منها، سددتها له والآن أتحداه وأنا ارتعد من قلبى داعية الله.
***
إخرجوا الفئران من بيوتكم بحسن الظن فى الله وفى أنفسكم وفى كل من تحبونهم، وإن باغتكم فالسم الذى يقتله هو الصراحة والإصرار على إصلاح ما افسده مهما كانت التكلفة والجهد المبذول من أجل تنظيف مكانه.. ولا تعتقدوا أن هناك من ناجِ فى زمننا هذا، فالفئران فى جحورهم ينتظرون لحظة ضعف تصيبكم، وليس للجميع من منقذ إلا بحول الله .