تهديد مباشر للخليج والمصالح الأمريكية.. لماذا حاولت طهران التعتيم على تدريباتها البحرية؟
الجمعة، 24 أغسطس 2018 07:00 مهشام السروجي
خلال تدريبات غير معلنة، بدأ «الحرس الثوري الايراني» تمارين عسكرية كبيرة في الخليج العربي ومضيق هرمز ذو الأهمية الاستراتيجي الكبيرة، بالتزامن مع تفاقم الأزمات الدبلوماسية والاقتصادية بين طهران وواشنطن، وتبادل لهجات التهديد والوعيد بينهما بعد انسحاب اللأخيرة من الاتفاقية النووية وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على دولة أبناء «حوزة قُمّ»، ثم جاء الخلاف حول حرية الملاحة في المضيق، بعد أن هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة تجارة النفط، وردت عليها واشنطن مُحذرة من تبعات الخطوة التي يلوح بها النظام الإيراني، خاصة مع نشر الحرس الثوري لأنظمة تسليح جديدة على نطاق جغرافي يزيد من التهديدات الموجهه لأهداف مدنية وعسكرية خليجية.
في هذا الصدد أصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني ورقة تحليلة عن التدريبات البحرية التي استمرت أربعة أيام ونشر الاسلحة الايرانية في الخليج العربي، قال فيها أنه باستثناء المراجعة التي أجرتها قوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» في أغسطس 2017 لنحو 110 زوارق سريعة، لم تجرِ إيران تدريبات بحرية واسعة النطاق في الخليج منذ مارس 2015، لكنها بشكل غير اعتيادي، أطلقت جولة التدريبات الأخيرة دون أي من الدعايات المحلية المعتادة. و لاحظت البحرية الأمريكية هذه التدريبات قبل فترة وجيزة من بدئها، ولكن المسؤولين العسكريين الإيرانيين لم يؤكّدوها إلا بعد انتهائها.
مخالب فاتح مبين تهدد أمن الخليج
يشير التقرير إلى أن التدريبات ليست دورية كما يراها البعض، أو كما حاولوا أن يظهرها الإيرانيين، حيث شهدت اختبارات للصاروخ الجديد «فتح مبين»، خاصة وأن إيران لم تؤكد رسميًا وجود الصاروخ سالف الذكر، كما كان تتباهي وتُعظّم في السابق خلال التدريبات، إلا بعد يومين من قيام وسائل الإعلام الأمريكية بنشر الأخبار حوله، الأمر الذي يطرح محاولة تستر إيران هذه المرة على قدرتها خلال التدريب، ويعزز من حقيقة التهديدات التي تحيط بها دول الخليج.
التقرير تطرق إلى خصوصية الصاروخ «فتح مبين» التكتيكية والهجومية التي تضع دول الخليج في مركز الخطورة، لما له من قدرات تتيح له اختراق منظومات الدفاعات الصاروخية معتمدًا على قدرته على التخفي والمناورة، ما يؤدي إلى ضرب الأهداف البرية والبحرية بدقة فائقة ليلاً ونهاراً. صاروخٌ يصيب هدفه بزاوية شبه عمودية، مستخدماً على ما بدا أنه رأساً موجهاً بالأشعة تحت الحمراء. وإذا تم صقل خصائص هذا الصاروخ ليصبح منظومةً عملية، فقد يعرّض السفن والبنى التحتية الساحلية في الخليج لتهديدات أكبر.
محاولة تعزيزالقدرة الجوية
لم يتوقف الأمر عند «فتح مبين» بل ذهب الحرس الثوري بحسب تقرير «معهد واشنطن» إلى تعزيز المتوازن بين قدرتي الردع الهجوم، حين أعلنت قواته الجوية في أواخر يوليو حصولها على عشر طائرات مقاتلة- قاذفة نفاثة من طراز «سوخوي سو-22» عائدة للعراق سابقًا، وادخالها إلى الخدمة بعد سنوات من أعمال الإصلاح، بمساعدة خبراء سوريين وبيلاروسيين وأوكرانيين، وذكرت مجلة «كومبات إيركرافت» خلال ديسمبر الماضي أن عدة طائرات نفاثة يتراوح عددها بين 16 و22 طائرة يمكن إعادتها إلى الخدمة خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يحقق لها تقدم ملحوظ في قدرتها الهجومية وتحقيق قدر طفيف من الردع الاستراتيجي، وبالتحديد بعد أن وضعت القوة الجوية الطائرات النفاثة الجديدة في قاعدة «سيّد الشهداء» في شيراز، مع إمكانية نشرها في الخطوط الأمامية في مدن بوشهر أو بندر عباس أو جاسك أو كنارك وفقاً للضرورة، وتستطيع المقاتلة من نوع «سو-22 أم-4» ضرب أهداف سطحية بشحنة متفجرة وزنها 2000 كلغ ومدى يصل ما بين 600 - 700 كلم في مهمة ذات ارتفاع منخفض، وما يصل إلى 1150 كلم، أصبح هذا المدى يشمل كافة مناطق الدوريات ومحطات الناقلات والقواعد التابعة للبحرية الأمريكية في الخليج.
وعلى الرغم من تعذر ايران في الاستحواذ على طائرات مقاتلة حديثة، إلا أن التقرير وصف منظومة صواريخ «سو-22» القديمة نسبيًا، بالهبة من السماء بالنسبة لدولة مثل إيران، حيث تعوضها المنظومة عن جزء من العجز المتبقي في القوة الجوية.
قلق من غضبة شعبية
الورقة التي كتبها المحلل «فرزين نديمي» زميل معهد واشنطن، والمتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، خلصت إلى أن المقاتلات الجديدة من طراز "سوخوي" تمنح إيران بعض الإمكانيات الإضافية، إلا أنها لن تغيّر قواعد اللعبة إلى أن ينتج «الحرس الثوري» صاروخاً جوالاً بعيد المدى تحمله تلك الطائرات، لكنه عاد ليؤكد على أن الأمر الأكثر إثارة للقلق في الوقت الحالي هو إمكانية انتشار الصواريخ الباليستية ذات التوجيه الدقيق مثل "فتح مبين"، التي يمكنها ضرب أهداف من البر أو البحر.
وأشار التقرير إلى أن الهدوء الذي تعاملت به إيران مع تدريباتها البحرية الأخيرة واختبارات «فتح مبين» جاء تخوفًا من ردة فعل شعبية عكسية، حيث يسيطر القلق على قادة النظام و «الحرس الثوري» من أن تتسبب التمارين العسكرية الواسعة النطاق بإثارة غضب الشعب، وخاصة وأن غالبية المواطنين مستاؤون من تأثير الاستفزازات الإيرانية في الخارج على معيشتهم في البلاد، وهذا يستدعي قيام الحكومة الأمريكية على لفت انتباه الشعب الإيراني، إلى أي مناورات عسكرية يبدو النظام حريصاً على التقليل من شأنها أمام جمهوره المحلي.
وأخيراً، تُظهر الإعلانات الأخيرة أن طهران قادرة على تطوير برنامجها الصاروخي تدريجياً حتى عندما تتجنب اختبار الصواريخ الباليستية الأبعد المدى التي تميل إلى إثارة الانتقادات والضغوط الدولية. فعلماء إيران يعملون على تقنيات جديدة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحديث كامل مخزونها الصاروخي. من هنا، يجب على أي مفاوضات مستقبلية مع إيران بشأن الصواريخ أن تركّز على الدقة وكذلك على المدى، وأن تأخذ في الحسبان الصواريخ التي تطلق من الجو عند احتساب المدى.