أموات ينقذون الأحياء من الموت.. حكايات تماسيح الشواطئ بين الفقر والتعيين و"السجن"

الخميس، 23 أغسطس 2018 11:00 ص
أموات ينقذون الأحياء من الموت.. حكايات تماسيح الشواطئ بين الفقر والتعيين و"السجن"
منقذو الشواطئ

ستراهم في المصايف وعلى الشواطئ، شباب جيّدو البنية وسريعو الحركة، متأهبون طوال الوقت للتدخل حال تعرض المصطافين ومن يسبحون على الشواطئ لمتاعب، يُنقذون الناس من الموت، لكنهم هم أنفسهم أموات.

ربما يتصور كثيرون من الناس أن هذه المهنة من المهن المرفهة التي تحقق دخلا طائلا، يمكن تصوّر هذا الأمر نظريا في ضوء أن حياتهم وعملهم على الشواطئ ووسط أجواء سياحية مُكلفة، لكن القطاع الأكبر من العاملين في مهنة الإنقاذ يعانون أحوالا اجتماعية إنسانية سيئة للأسف، بين رواتب متدنية، وتعيينات متوقفة، وتضحية بهم في المصائب.


الغلطة بفورة

يعملون وفوق رؤوسهم شعار «الغلطة بفورة»، يقفون لأكثر من 8 ساعات في الشمس فوق صخرة أو سلم يكشفون من خلاله المساحة المسئولون عن مراقبتها، لا يكلون ولا يملون من إطلاق صافرات التحذير والتنبيه من الاقتراب من منطقة الخطأ. 

هذا باختصار دور المنقذ على الشواطئ وداخل حمامات السباحة، وتكمن أزمة عمل المنقذين على الشواطئ وفى حمامات السباحة الرئيسية فى أن خطأهم لا يمكن إصلاحه  لأن روح إنسان ستضيع هباءً أمام هذا الخطأ، لذا فإن التركيز الشديد وسرعة البديهة والتمرس أمر لا مفر منه وإلا وقع ما لا يُحمد عقباه.

خلال الفترة الماضية فجع العديد من الأهالي على ذويهم الذين فقدوهم بعد غرقهم في الشواطئ، مما أثار ضجة واسعة عللى جميع المستويات الرسمية والشعبية ومواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذي دفع محافظ الإسكندرية لإغلاق شاطئ النخيل بعد حصد عشرات الأرواح على مدار السنوات الماضية.

وكان لمحافظة السويس نصيب كبير من هذه الكارثة، ففي فترة الشهرين الماضيين يونيو ويوليو، وقعت 22 حالة غرق  في مياه خليج السويس وحمامات السباحة بالقرى والمنتجعات بالعين السخنة والأدبية فى محافظة السويس . 

 

حكاية منقذ شاب
 "محمد .م" خريج كلية التربية الرياضية يعمل كمنقذ فى فترة الصيف بالسنوات الأخيرة بجانب عمل الأساسى فى التجارة، وذلك بعد اجتيازه اختبارات اتحاد الغوص والإنقإذ وحصوله على شهادة معتمدة، يقول إنه في الوقت الحالي لا يتعرض لمواقف خطر، ولكن الأزمة تكمن في أن المصيفين والمسئولين يرون عمله هامشياً أو ديكوراً يمكن الاستغناء عنه ببساطة، إلا أنه فى الوقت ذاته يرى عمله مهماً  وخطيرًا للغاية فالغفلة تعنى إزهاق روح انسان وسيحاسب عليه أمام الله قبل القانون، لذا فإنه يعاند كل الظروف التى تقابله من الجلوس تحت أشعة الشمس من شروقها حتى المغيب سواء من عدم انصات زوار الشاطئ للتعليمات، إضافة إلى قلة الأدوات المتوافرة له لأداء مهمته على أفضل وقت.

ويروى المنقذ الشاب أن الكثيرون لا ينتبهون لأحوال المنقذين ولا يبالون ما يعانون من أزمات على رأسها قلة الرواتب فهو على سبيل المثال يتقاضى 1500 جنيها فقط، إضافة إلى عدم التأمين على عدد كبير منهم، خاصة أن كثير من المنشآت السياحية تفضل التعاقدات قصيرة الأمد أو خلال فترات الصيف وأحيانًا بالأيام فى الأعياد إذا تصادف قدومها فى فترة الصيف، مطالبًا بمحأولة تقنين أوضاع المنقذين بشكل أفضل خلال ألفترة القادمة.

هانى محمد، رئيس مجلس إدارة إحدى الأكاديميات الرياضية وصاحب الخبرة الطويلة فى مجال الإنقإذ الممتدة لأكثر من 30 عامًا، يقول:"يوجد جهتان مسئولتان عن تخريج المنقذين وهما اتحاد السباحة واتحاد الغوص والإنقإذ، فالأول يتعلق بتعليم أساسية السباحة والثانى متخصص فى تعليم كيفية الآنقإذ وطرقه وتقديم الشهادات التى تؤكد تعلم الشخص لتلك الأساسيات".

ويضيف رئيس مجلس إدارة إحدى الأكاديميات الرياضية :"أيضًا الاتحاد المصرى للغوص يقدم دورات فى الاسعافات الأولية ويجب على المتقدمين للحصول على شهادة الإنقإذ إتقأنها قبل اجتياز الاختبارات"، مضيفًا :"المشكلة الكبرى أن هناك بعض الشواطىء وألفنادق والمنتجعات السياحية تقوم بتشغيل أشخاص ربما لا يكونوا مؤهلين لهذا العمل لكنهم يقومون بذلك الإجراء لعدم الوقوع تحت طائلة القانون".

 

مواصفات المنقذ

إسماعيل الكردي  مدرب ومنقذ محترف لديه خبرة طويلة فى هذا المجال، يتحدث خلال السطور المقبلة عن المواصفات التي يجب توافرها في المنقذ، فيأتي على رأسها التركيز والذكاء والشديد والشجاعة، حتى يتمكن المنقذ من لمح الشخص الذي يغرق سريعاً، وعدم الخوف من مواجهة المواقف الصعبة، والقدرة على التعامل مع الأمور المفاجئة.

وأضاف: «المنقذ المحترف لابد أن يكون لديه سرعة بديهة وعندما يرى شخص يغرق يعطى إنذار ويقوم بالتصفير للفت الانتباه إذا كان هناك منقذين آخرين متواجدين على الشاطئ أو حمام السباحة، ثم ينزل بأقصى سرعة ممكنة مستخدمًا الأدوات المتاحة له سواء جيت سكي أو حزام أمان وهو عبارة عن حبل طويل وكذلك يحمل شنطة الكتف ثم يبدأ فى العوم، في رأيي غطسة الطعن أفضل شيء، أو السباحة على الجنب أو الباك برست، وبعد تحديد الطريقة المناسبة للسباحة يجب على المنقذ الهدوء من أجل سحب الشخص الذى يغرق، ولابد التنبه للظروف المعاكسة مثل تواجد صخور أو غيره بمعنى النظر لرؤية الوضع المحيط بك حتى لا تتفاجىء بأى عوامل معاكسة تواجهك».

واوضح الكردي أنه هناك بعض السلوكيات الخاطئة يقوم بها  زوار الشواطئ وحمامات السباحة بالأندية والقرى السياحية وتتمثل فى عدم استماعهم للتعليمات والتوجه إلى المناطق الخطرة مما يؤدى إلى عواقب وخيمة.

البرلمان ينتفض

سمير البطيخي، وكيل لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، والنائب عن محافظة الإسكندرية لابد من تواجد منقذين خبرة على الشواطئ أو حتى حمامات السباحة بالأماكن المختلفة، إلا أن المشكلة هنا هى تعاقد تلك المنشآت معهم بشكل مؤقت وخلال فترة الصيف فقط"، ويجب توفير المعدات اللازمة للمنقذين من جت سكى وخلافه حتى يكون قادرين على أداء عملهم بأفضل صورة ممكنة، وهذا طبعا لا يمنع أنه هناك بعض السلوكيات الخاطئة يقوم بها زوار الشاطء قد تتسبب في غرق ذويهم.

وشدد النائب عن محافظة الإسكندرية على ضرورة الرقابة على الشواطئ من قبل الإدارات المعنية بالمحافظات الساحلية المختلفة وعدم الاستهانة بجزئية المنقذين لأنهم قادرين على الحد من كوارث تقع وتتسبب فى وفاة أطفال وشباب، مؤكدًا على أهمية تنظيم المحافظات الشاطئية لدورات تدريبية باستمرار للعاملين فى مجال الإنقإذ من أجل التأكد من تأهيلهم على أعلى مستوى ممكن.

تقنين الأوضاع

سامح الشإذلى، رئيس الاتحاد المصرى للغوص والإنقإذ قال إنه لابد أن نتحدث عن القصة بشكل متكامل من البداية للنهاية حتى نطالب بالحل الصحيح، فقبل أن نطالب بمضاعفة عدد المنقذين لابد أن نوجد أمور مهمة مثل أرصفة للحد من الأمواج، وهذا بالطبع غير متوفر دوما فى مصر، لافتًا إلى أنه أهمية وجود أدوات مع المنقذين مثل جت سكى، وتكمن أهميتها فى قدرتها على مساعدة المنقذ للتوجه للأماكن البعيدة.

ولفت رئيس اتحاد الغوص والإنقإذ إلى أنه يتمنى وجود هيئة أو مظلة قانونية للمنقذين أو إعطاء صلاحيات للاتحاد للقيام بدورها مع وجود سند قانونى، لافتًا إلى أن الاتحاد يعطى شهادات للقادرين على اجتياز الاختبارات سواء الإنقإذ أو الاسعافات الأولية للتعامل مع الحالات بعد إنقإذها.

وعن أوضاع المنقذين، يقول الشاذلي: «عمل شاب من شروق الشمس للغروب بدون أكل أو شراب فإن هذا شيء غير انسانى بالمرة رغم أنه من المفترض ألا يتجأوز عدد ساعات العمل 8 ويتخللهم ساعة راحة، لكن الواقع يقول إن القرى السياحية لن تفعل هذا ولا تتعاقد مع أعداد كبير من المنقذين لتوفير النفقات".

واختتم رئيس اتحاد الإنقإذ حديثه قائلاً: «الوضع يدب تغييره من خلال عمل إطار قانوني، يلزم فيها الشوطئ والقرى السياحية بمنح المنقذين دورات تدريبية لدى الاتحاد، والالتزام بتعليماته فيما يخص عدد المنقذين الواجب توافرهم بناء على المساحة المستهدف مراقبتها، في ظل أن الاتحاد لن يتقاضى أجراً مقابل تلك الخدمات».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة