لماذا لا يتدخل رئيس الحكومة؟.. أطماع الكنيسي تهدد نقابة الإعلاميين بالموت المبكر
الأحد، 19 أغسطس 2018 08:00 م
أصبح الحديث عن نقابة الإعلاميين (تحت التأسيس) وما تشهده من صراعات أمرا مملا، من طول ما تكررت المشكلات والتجاوزات نفسها، وأُعيدت الانتقادات والملاحظات نفسها، وظل الأمر على ما هو عليه.
بات شائعا في أوساط الإعلاميين والمهتمين بالعمل الإعلامي، أن "الإعلاميين" نقابة الأستاذ حمدي الكنيسي الملاكي. هذا الأمر تردد على ألسنة كثيرين من العاملين في القطاع، ربما يكون فيه قدر من التجاوز أو التضخيم، لكن الحقيقة أن الصورة التي وصلت لها النقابة تثير علامات استفهام لا حصر لها، خاصة في ظل هيمنة الكنيسي على كل شيء تقريبا، وضربه عرض الحائط بكل شيء.
في الفترة الأخيرة تصاعدت الخلافات والصراعات في أروقة مجلس إدارة النقابة (الذي اختاره الأستاذ حمدي الكنيسي نفسه) إلى حد خروج الاعتراضات والاتهامات للعلن، ربما للمرة الأولى، وانقطاع كثيرين من الأعضاء عن حضور اجتماعات المجلس، حسبما قال سكرتير النقابة في بيان صادر عنه، بينما يواصل الأستاذ حمدي الكنيسي إدارته للأمور بمنطق العزبة الخاصة، ويضع تصورا لمستقبل النقابة وقانونها يضمن له البقاء طويلا في موقعه، في وقت يراه فيه كثيرون سببا في وأد النقابة قبل ولادتها الفعلية.
صراع على جثة القانون
في سلسلة تقارير وتحقيقات صحفية نشرتها قبل شهور، عرضت الزميلة "اليوم السابع" قائمة من التجاوزات والمخالفات التي تورط فيها الأستاذ حمدي الكنيسي ومجلسه، من واقع قانون النقابة رقم 93 لسنة 2016 ونصوصه الواضحة. وصولا إلى تأجير الكنيسي فيلا بالقرب من منزله في مدينة الشيخ زايد، لتكون مقرا مؤقتا للنقابة لحين تجهيز مقرها في شارع قصر العيني، وهي سابقة لم تشهدها أي نقابة من قبل بأن يكون مقرها الرئيسي خارج القاهرة، وعلى بُعد أمتار من منزل رئيسها. هذا الأمر غذّى في نفوس كثيرين فكرة أن الأستاذ حمدي الكنيسي يتعامل مع "الإعلاميين" كعزبة شخصية أو نقابة ملاكي تخصه وحده.
كانت أبرز الخلافات في الفترات الماضية ما تحدثت عنه مصادر مقربة من النقابة، عن رغبة حمدي الكنيسي رئيس النقابة، والسكرتير العام محجوب سعدة، خوض أول انتخابات لمجلس الإدارة على مقعد النقيب، وهو ما نفاه الكنيسي في ردّ على "اليوم السابع"، رغم أنه لم ينف رغبته الشخصية في خوض الانتخابات، وهو الأمر الذي يمنعه منه القانون. الرجل نفى فقط أن يكون هناك صراع داخل أروقة المجلس رغم أن الصراع أمر قانوني وليس شرا، لكنه تجاهل حديثه عن الترشح رغم أنه غير قانوني ويمثّل انتهاكا صريحا لقانون النقابة ونصوصه الواضحة التي لا تقبل التأويل.
ربما يكون ضمن حلقات الصراع ما أعلنه سكرتير عام النقابة محجوب سعدة مؤخرا، في بيان صادر عنه، بشأن مخاطبة الكنيسي للسفارة السعودية بالقاهرة للحصول على تأشيرات حج لأعضاء النقابة، دون علم أعضاء المجلس. وهاجم "سعدة" النقيب المؤقت قائلا إن سفارة المملكة خصصت 10 تأشيرات للنقابة، لكن الكنيسي رفض إرسال أسماء الإعلاميين في ضوء عدم وجودها من الأساس، متابعا: "اكتشفت الأمر بعد مخاطبة السفارة لي، ويبدو أن الكنيسي اتخذ الأمر سبوبة وبيزنس". الجملة الأخيرة تشكيك مباشر من سكرتير النقابة في إدارة رئيس النقابة للأمور، وتحتمل الاتهام بتوظيف اسم النقابة للحصول على تأشيرات شخصية أو التعامل معها تجاريا، حسبما أشار البيان.
في البيان نفسه استنكر محجوب سعدة استمرار عقد حمدي الكنيسي اجتماعات مجلس إدارة النقابة بشكل غير قانوني واتخاذ قرارات عشوائية، مشيرا إلى تعيين أمين الصندوق حمدي متولي في لجنة القيد بدلا من نادية مبروك، واستبعاده هو شخصيا من أعمال لجنة القيد وضوابط عمل التقابة، قائلا إن "هذا الإجراء غير قانوني ومخالف لأحكام اللائحة الداخلية للنقابة".
الكنيسي ردّ على اتهامات سكرتير عام النقابة في تصريحات صحفية، قائلا إنه خاطب السفارة السعودية للحصول على 100 تأشيرة حج للأعضاء أسوة بنقابة الصحفيين، لكن نظرا لحداثة تعيين السفير السعودي فقد أفاد بأن عدد التأشيرات المتاحة 10 فقط، لهذا رفض الحصول عليها ووجه خطاب شكر للسفير، متابعا: "الحصول على 10 تأشيرات فقط يضطرني لمنح بعضها لأعضاء اللجنة التأسيسية، ما يفتح الباب للادعاءات بأنني أجاملهم". ورد على عدم قانونية اجتماعات مجلس النقابة بأن الاجتماع الأخير كان طارئا بدعوة الأغلبية، وضم بجانبه نادية مبروك، وحمدي متولي، وريهام إبراهيم، وخالد فتوح، وأيمن عدلي ورشا نبيل، واعتذر ممدوح يوسف لظرف خاص، مؤكدا أن هناك حالة استياء مما يكتبه محجوب سعدة ضد النقابة، بحسب تعبيره.
نقيب رغم أنف القانون
مسألة الترشح أكدها الكنيسي في تصريح لصحيفة «الدستور» بتاريخ 30 ديسمبر 2017، قال فيه إنه يعتزم «الترشح على منصب نقيب الإعلاميين خلال أول انتخابات للنقابة، بعد فتح لجان القيد وتشكيل الجمعية العمومية»، بينما تنص المادة الثانية من قرار الرئيس بإصدار قانون النقابة، فيما يخص أعضاء اللجنة التأسيسية المؤقتة، على أنه «لا يجوز لأعضاء هذه اللجنة المؤقتة الترشح لعضوية أول مجلس نقابة للإعلاميين». ولعلمه أن هذا الأمر يخالف القانون، قال مؤخرا في تصريحات صحفية إن هناك طلبًا مُقدّمًا لمجلس النواب لتعديل عدد من مواد قانون النقابة، أو حسبما أسماه الكنيسي في تصريحه (تصحيح 6 مواد) مشيرا إلى أن أبرز المواد المطروحة للتعديل أو التصحيح المادة الخاصة بعدم جواز ترشح أعضاء اللجنة التأسيسية في أول انتخابات لمجلس النقابة. متابعا: "قانون النقابة يحتاج إعادة نظر في بعض مواده".
إذا كانت مؤشرات المستقبل تشير إلى رغبة الأستاذ حمدي الكنيسي في أن يكون أول نقيب منتخب رغم أنف القانون، فالمشهد القائم يؤكد أنه رقيب مؤقت رغم أنف القانون أيضا. فبحسب المادة الثالثة من قانون النقابة رقم 93 لسنة 2016: «تُباشر لجنة التأسيس المشار إليها في المادة الثانية أعمالها بمجرد نشر قرار تشكيلها، وتضع لائحة تنظم طريقة عملها، وإجراءات اتخاذ قراراتها، وتتولى مؤقتا إدارة جميع أعمال النقابة المنصوص عليها في القانون المرافق، أو أي قانون آخر، وتنتهى مهمتها بانتخاب مجلس إدارة للنقابة، على أن يتم ذلك خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ أول اجتماع لها». اللجنة نفسها صدر بتأسيسها قرار رئيس الوزراء رقم 573 لسنة 2017 في مارس 2017، وبدأت اجتماعاتها في الشهر نفسه، وهكذا كان الواجب وفق نص القانون أن تنجز اللجنة كل أعمالها والمهام المنوطة بها في مدى زمني أقصاه سبتمبر 2017، أي أنها تقترب من إنهاء 11 شهرا من الوجود غير القانوني في موقعها.
هذه النقطة تثير سؤالا حول موقف الأستاذ حمدي الكنيسي وصمت مجلس الوزراء على الأمر، خاصة أن وجوده الحالي في موقعه ينتهك بجانب القانون قرار رئيس الوزراء السابق المهندس شريف إسماعيل، والأمر يوجب على الجهات التنفيذية التدخل لإنهاء الحالة المستمرة من استمراء الكنيسي لانتهاك القانون والضرب به عرض الحائط واختطاق النقابة ولجنتها التأسيسية، وتأخر إنجاز أعمالها الذي يرقى إلى درجة التعطيل المتعمّد، في ظل أن المُشرّع وهو يمهل اللجنة 6 شهور لهذه الأمور كان يعرف المدى الزمني اللازم لها، ومن ثمّ فإن تعطّل هذه الأمور قرابة سنة إضافية للمهلة القانونية ليس لعيب فيما أقره المُشرّع، وإنما لعيوب فيما يمارسه الكنيسي واللجنة التأسيسية للنقابة.
نقابة مع إيقاف التنفيذ
بشكل عملي ما زالت نقابة الإعلاميين كيانا تحت التأسيس، لا يمكن القول إنها أصبحت واقعا فعليا. يظل الأمر مرهونا باستكمال هياكلها الأساسية المتمثلة في عمومية التأسيس وانتخاب مجلس إدارة للنقابة، لكن المشكلة أن هذه الأمور تظل مُعطّلة بدون أسباب منطقية معلنة، وعلى ما يبدو فالهدف أن يُمرّر الأستاذ حمدي الكنيسي تعديلات القانون التي تسمح له بالترشح لمنصب النقيب، قبل إنجاز أعمال القيد والدعوة للجمعية العمومية.
هذا التصور يُعني أننا لسنا أمام مخالفة قانونية للنقيب المؤقت ولجنته فقط، وإنما أمام إدارة لشؤون النقابة بمنطق شخصي ووفق حسابات ومصالح ذاتية، قد لا تختلف عن دفع عشرات الآلاف من الجنيهات في مقر مؤقت خارج القاهرة لمجرد أنها بجوار منزل حمدي الكنيسي. هنا يحق السؤال عن تأخر أعمال القيد حتى الآن رقم تأسيس اللجنة قبل سنة ونصف السنة تقريبا، حتى مع قول النقيب المؤقت إن اللجنة خاطبت القنوات الفضائية والإذاعات لإرسال قوائم بأسماء ممارسي النشاط تمهيدا لقيد من يستوفون الشروط منهم. لكن حتى الآن ما زالت أعمال القيد مجمّدة، بينما لا يُعقل ألا يكون هناك عشرات أو مئات استوفوا أوراقهم طوال هذه المدة.
السر وراء هذا التعطيل، بحسب مصادر مقربة من مجلس النقابة المؤقت، أن استكمال أعمال القيد والوصول إلى رقم 1000 عضو يستتبعه الدعوة لجمعية عمومية لانتخاب أول مجلس إدارة للنقابة، وهذا الأمر لا يريده الأستاذ حمدي الكنيسي حاليا، لأن الوصول لهذا الأمر الآن يُعني أنه لن يكون بمقدوره الترشح في الانتخابات، لهذا تظل أعمال القيد مُجمّدة لحين النجاح في تعديل القانون. هذا الأمر يُعني باختصار أن الأوضاع الحالية لن تتغير حتى الشهور الأولى من العام المقبل، إذ سيعود مجلس النواب في أكتوبر ليجد عددا من القوانين والملفات المهمة بانتظاره، ولن يكون بمقدوره مناقشة تعديلات قانون النقابة باللجان النوعية ورفعها للجلسة العامة قبل 2019، أي أن اللجنة التأسيسية ستكون قضت قرابة سنتين في موقعها بينما لا يسمح لها القانون إلا بستة شهور فقط.
هل نضحي بالكنيسي أم نضحي بالنقابة؟
المشهد الراهن يشير إلى أزمة حقيقية. نقابة وليدة لا تستطيع استكمال إجراءات القيد والتأسيس وانتخاب مجلس إدارة، وصراعات شخصية حادة داخل اللجنة التأسيسية، ومخالفات مباشرة وصريحة للقانون، ومحاولات لتفصيل قانون على مقاس طموحات وتطلعات بعض الأفراد، الذين يقترحون هذا التفصيل بينما في الحقيقة كان عليهم مغادرة مواقعهم منذ شهور. ليس منطقيا بالمرة أن تُطالب اللجنة بتعديل قانون لم تحترمه، أو أن تقول إنه يحتاج للتصحيح بينما الخطأ الحقيقي في وجودها هي وليس في القانون. هنا يحق للجميع الشك في نوايا اللجنة وأمانتها على النقابة والقانون والقيد والإعلاميين.
وفق كل هذه التفاصيل، يقطع الرأي القانوني في ضوء النص القائم حتى اللحظة بأن تأسيسية الإعلاميين استنفدت المهلة التي نص عليها القانون بشكل توقيفي لا استرشادي، وتصريحات حمدي الكنيسي نفسه التي تتحدث عن "تصحيح مواد القانون" تشير إلى أن اللجنة ترى أن هناك خطأ ما، ربما تحاول تحميله للقانون، لكن الحقيقة أن القانون أسبق من اللجنة، والخطأ بالتأكيد يخص اللجنة نفسها لا القانون. والواجب على الحكومة والسلطة التشريعية التدخل لإنهاء هذه الحالة من العبث بالقانون.
إذا وضعنا هذه التعقيدات القانونية بجانب تأجير فيلا بجانب منزل حمدي الكنيسي في الشيخ زايد، ومخاطبة السفارة السعودية للحصول على تأشيرات للحج، ومطالبة الحكومة منذ فترة بصرف بدل نقدي لأعضاء النقابة، بشكل يُحمّل الدولة مزيدا من الأعباء غير المبررة. يتضح أن الأستاذ حمدي الكنيسي ولجنته أصبحوا عبئا ضاغطا على نقابة كانت وليدة وتلفظ الآن أنفاسها، وبجانب هذا قرروا أن يكونوا عبئا ضاغطا على القانون، وعلى الدولة والمنظومة الإعلامية بشكل عام.
قبل شهور انتقدنا التجاوزات التي تشهدها نقابة الإعلاميين. وقبل أسابيع فعلنا الأمر نفسه، والآن نتحدث مجددا، والخوف أن نضطر بعد شهور مقبلة للحديث مرة جديدة وإثارة مخالفات جديدة بجانب القديمة. المؤكد أن أوضاع النقابة ستظل من سيئ إلى أسوأ طالما تُدار بالمخالفة للقانون، وطالما قرر الأستاذ حمدي الكنيسي أن تكون عزبته الخاصة، وأن ينتصر لنفسه على حساب الإعلاميين والقانون والدولة والمنطق. وما لم تتدخل الجهات المعنية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن النقابة الوليدة مرشّحة لمزيد من الاختناق الذي قد يتسبب في موتها بشكل مبكر. وقتها لا عزاء للإعلاميين، فالمهم أن يعيش الأستاذ حمدي ويمارس طقوس التقاعد اليومية في فيلا جميلة بالشيخ زايد. ولنذهب جميعا وتذهب أحلامنا للنقابة الوليدة إلى الجحيم، فنعيم الأستاذ حمدي هو الأهم.