من مكارثي إلى دونالد.. هل تكون «الترامبية» طوفان الولايات المتحدة المقبل؟
الخميس، 16 أغسطس 2018 09:00 م
في أربعينيات القرن الماضي وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، برز اسم السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي، الذي شن حربا شرسة على الشيوعية وصلت للتفتيش في نوايا الفنانين والأدباء، حتى عُرفت موجته شديدة التطرف والعداء للإبداع والترصد للجميع باسمه "المكارثية" وأصبح هذا التعبير دليلا على العنف والانحياز وتكبيل الآخرين وحصارهم.
بعهد انتهاء موجة جوزيف مكارثي خرجت أصوات أمريكية مناهضة لهذه الحملة، لتعيد كتابة الوقائع وتحريرها، وتنتقد التسلط والعنصرية والتعسف الذي شهدته تلك الفترة، وبدأت الولايات المتحدة التعافي من هذا الأمر شيئا فشيئا. الآن تبدو الولايات المتحدة سليمة معافاة من هذه الممارسات، لكنها في الوقت نفسه تبدو على أعتاب مرحلة جديدة لا تقل عن المكارثية، وإن حملت اسما آخر "الترامبية"، بشكل يدفع للسؤال: إذا كانت المكارثية طوفان واشنطن في النصف الأول من القرن الماضي، فهل تكون "الترامبية" طوفانها المقبل؟
اتهامات العنصرية تلاحق ترامب
لم يكن وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للمساعدة السابقة بالبيت الأبيض أوماروزا نيومان، ذات الأصول الأفريقية، بـ"الكلبة"، بالأمر الجديد، فقد سبق له وأن أهان خصومه الشخصيين والسياسيين علنا، فى العديد من المواقف، منذ حملته الانتخابية، إلا أن الملفت للانتباه أن الكثير من الإهانات التى كالها ترامب لخصومه اتسمت بعنصريتها، وهو ما فتح الباب أمام المعارضة فى الداخل الأمريكى للتركيز على عنصرية الرئيس خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى، والتى تمثل فرصة هامة للحزب الديمقراطي لاستعادة التوازن فى الداخل الأمريكى، بعد سيطرة الجمهوريين التامة على البيت الأبيض والكونجرس منذ وصول الإدارة الحالية إلى سدة السلطة فى البلاد.
ورغم ذلك، فإن ترامب على ما يبدو لا يأبه كثيرا باتهامات العنصرية التى تلاحقه، بل إنه ربما يتعمد إثارة النزعة العنصرية فى الداخل الأمريكى مع اقتراب الحدث الانتخابى الهام، والذى تضعه الإدارة الأمريكية الحالية كأولوية قصوى فى المرحلة الحالية، للاحتفاظ بسلطتها المطلقة على مقاليد الأمور فى البلاد، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأمريكى يرى فى عنصريته ورقة رابحة لاستقطاب الأمريكيين فى الداخل الأمريكى نحو تأييده قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأمريكية المرتقبة.
ويبدو أن وصمة العنصرية ليس سابقة للرئيس ترامب، فهناك العديد من الرؤساء الأمريكيين سواء كانوا من المنتمين للحزب الجمهورى أو الديمقراطيين، لاحقتهم اتهامات العنصرية، لعل أبرزهم فرانكلين روزفلت الذى قام باحتجاز آلاف الأمريكيين من ذوى الأصول اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية، كما أن عددا من الأباء المؤسسين للولايات المتحدة لاحقتهم الوصمة ذاتها، دون أن تتأثر شعبيتهم فى الداخل الأمريكى.
ولعل تجربة ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى جاءت به إلى البيت الأبيض، كانت بمثابة ملهمة بالنسبة له، خاصة وأن حملته الانتخابية زخرت بالعديد من التصريحات العنصرية، التى طالت المهاجرين والأمريكيين من ذوى الأصول الإفريقية، والمسلمين، بل وإن بعضا من تصريحاته العنصرية طالت سلفه باراك أوباما، باعتباره أول رئيس من ذوى الأصول الأفريقية الذى يدخل البيت الأبيض، ولكنه فاز فى النهاية، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ترامب يحاول استدعاء المشهد الانتخابى فى 2016، قبل معركة التجديد النصفى للحفاظ على قواعد حزبه الانتخابية.
والمثير للانتباه فى الخطاب الانتخابى الذى يتبناه المرشحون الجمهوريون هو اتباع نفس الاستراتيجية التى سبق وأن تبناها ترامب فى حملته الانتخابية، والتى تقوم على رفع الشعارات المناوئة للمهاجرين، والاتفاقات التجارية التى عقدتها الولايات المتحدة فى العهود السابقة، بالإضافة إلى استخدام منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى لإهانة المعارضين والخصوم، وهو ما يعكس استلهامهم لتجربة الرئيس فى 2016، والذى استطاع عبر خطابه مخاطبة الكتلة الصلبة فى المجتمع الأمريكى، والتى تتسم بميلها إلى النزعة اليمينية.
وفى ذلك يقول نيوت جينجريتش، رئيس مجلس النواب الأمريكى الأسبق، إن محاكاة الاستراتيجية التى سبق وأن تبناها ترامب فى عام 2016، يبدو أمرا طبيعيا، خاصة وأن الرئيس يتمتع بشعبية كبيرة تصل إلى 88% بين أنصار الحزب الجمهورى، وهى نسبة لم يصل لها أى رئيس من قبل بين أنصار حزبه، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، سوى جورج بوش الابن، والذى قفزت شعبيته كثيرا بسبب ظروف استثنائية، وهى هجمات 11 سبتمبر.
تصريح استراتيجى.. ترامب يرفض التفريط فى كتلته الصلبة
الجدال الأخير حول إهانة ترامب لمساعدته السابقة، على أساس عنصرى، ربما يعكس أن التصريح لم يأت جزافا، فى ضوء توقيته الحساس، وإنما جاء وفق استراتيجية منظمة تهدف فى الأساس لمغازلة التيار المتشدد فى الداخل الأمريكى، والذى كان سببا رئيسيا فى فوزه فى الانتخابات السابقة، على حساب غريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون، خاصة وأن التيار الأمريكى المحافظ يمثل الكتلة الصلبة فى القطاع المؤيد للإدارة الحالية، وهو القطاع الذى يرفض الرئيس الأمريكى التفريط فيه مطلقا.
وربما يحاول الرئيس الأمريكى مغازلة التيارات الأخرى، بين الحين والأخر، وخاصة الأمريكيين من ذوى الأصول الأفريقية، وهو ما بدا واضحا فى استطلاعات الرأى، والتى أكدت أن شعبية ترامب قفزت بصورة كبيرة بين الأمريكيين السود، بسبب إعلان مطرب الراب الشهير كينى ويست تأييده له فى مايو الماضى، حيث زادت شعبيته وفقا للاستطلاعات بينهم من 11% إلى 22% خلال أسبوع واحد بعد تصريحات المطرب الأمريكى الشهير.