قطار السيسي السريع وقطار الفساد المنيع
الأربعاء، 15 أغسطس 2018 01:34 م
الفساد ليس موقعة إختلاس أو رشوة أو محسوبية وإستغلال نفوذ ، بل أصبح ثقافة تعاملات في مؤسسات الدولة وبين أفراد المجتمع هكذا أستفحل وتجذر في العقود الأخيرة من عمر الدولة المصرية ليصبح مكون رئيس من مكونات الجهاز البيروقراطي للدولة.
وعندما جاء نظام الرئيس السيسي إلى نظام الحكم، عقب الإطاحة بنظام الأخوان، عبر ثورة شعبية عارمة ، لم يكن الفساد وتوابعه هو العقبة الوحيدة أمامه، بل هناك ما لا يقل خطورة ووعورة، وهو تجويف وتجريد جينات الهوية المصرية من مكونات الشخصية المصرية، مما أفقدها كثيراً من جهاز المناعة، وهو مكون ثقافة الفلكلور من تعاملات وسلوكيات ومبادئ وقيم وأعراف موروثة، كانت هي حجر الزاوية في استقرار مصر واستمرارها ووجودها تاريخاً إلى يومنا هذا.
ومن ثم أصبحت الشخصية المصرية عارية مهتزة قابلة للتأثر بأي عوامل تعرية دخيلة من التطرف والجهل والتسطيح والعشوائية، وتولدت ثقافة التسلق والإنتهازية والمحسوبية، وأصبحت أحد سمات ثقافة تلك الشخصية، وعندما جاء نظام الرئيس السيسي بمشروع النهضة والتنمية المستدامة منذ توليه مقاليد الحكم، أستخدم إستراتيجة الصراع وليس الصدام ضد تلك العوامل المذكورة ، لأن نظرية الصدام في الحالة المصرية كانت لها سيناريوهات مخيفة علي إستقرار أركان الدولة ومؤسساتها.
وكما ذكرنا إن الفساد الذي أصبح مكون رئيسي من مكونات بيروقراطية الدولة، وما صاحبه من إضعاف لجهاز المناعة للمواطن المصري وهو جينات الهوية، فالصدام هنا من النظام مع الفساد ومكوناته وتوابعه يعني هدم ونسف لمعظم أركان ومؤسسات الدولة.
وهنا التوضيح السليم لما قاله السيد الرئيس في بداية نظام حكمه أن مصر أشلاء دولة، فالصدام كان يعني تناثر تلك الاشلاء، وإنهيار ما تبقي من مكونات الدولة، وهذا السيناريو الذي وضعه نظام الحكم أمام نصب عينه في بداية حكمه .
حينذاك إختار طريق آخر للقضاء علي بيروقراطية الفساد ومكوناته، وهو الصراع دون الصدام معه، عن طريق توليد نظام أقتصادي جديد خارج إطار بيروقراطية الفساد المصرية، ومع مرور الوقت وترسيخ ذلك النظام حينئذ سوف يكون قادر علي إبتلاع موروثات الدولة العميقة ودهسها عن طريق الإحلال والتجديد وتوليد نظام جديد يحل محل مكونات الدولة العتيقة المتشبعة من موروثات الماض.، ومن هنا يتم الحفاظ علي أستقرار ووجود مكونات الدولة،.
ربما تأخذ تلك النظرية بعضاً من الوقت الذي سوف يكون تأثيره سلبي علي معنويات المواطن المصري، لكن هي الأكثر ضماناً للحفاظ علي أركان الدولة .
وانا شخصياً أويد تلك النظرية لكن كان لابد من ترتيب أولويات العمل في داخلها ، أن تكون البداية هي تعطيب قوة بيروقراطية قطار الفساد الجامح، عن طريق تشخيصه وتعريفه ووضعه تحت مقصة المحاكم العسكرية ومعه يتم تغير شامل وكلي في المضمون والشكل لجهاز التنمية المحلية، لانه هو العربة القوية التي تجر قطار الفساد، ويلازم ذلك تغير شامل وكامل في نظام التعليم المصري، ليتواكب مع نظرية التنمية المستدامة التي تقودها نظرية الاقتصاد البديل السريع الذي يقوده نظام الرئيس السيسي، وفي التعليم هناك المنهج المصدر الرئيسي لثقافة الفساد وسمات وصفات الشخصية المصرية من جهل وتطرف وسطحية.
هنا كانت البداية التي تتواكب مع نظرية نظام الحكم الحالي، وهي الصراع مع بيروقراطية فساد الدولة وليس الصدام معها، وبجانب ذلك كان لابد من تشكيل وتنوع عوامل الأقتصاد داخل تلك النظرية عن طريق إدخال أقتصاد إنتاجي يقود الحرب علي مكونات الدولة العتيقة عن طريق إستغلال الموارد المتاحة مع مهارة المواطن العملية التي تتماشي مع تلك الموارد، وتحويله إلى منتج صناعي أو زراعي أو تجاري ومن ثم يتم إستغلال ذلك في بناء الإنسان لقيادة إقتصاد ريعي خدمي عملاق يرسخ لتنمية شاملة مستدامة اقتصادياً وسياسياً وعلمياً وصحياً واجتماعياً. ولكن في كل الأحوال نحن نسير في الأتجاه الصحيح ولا مانع أن نعيد النظر في بعض إستراتيجيات العمل التي لا تناسب الحالة المصرية مع إدخال أستراتيجيات أخري تحتاجها تلك الحالة.