أطفال الشوارع

الأربعاء، 15 أغسطس 2018 10:57 ص
أطفال الشوارع
سمر جاد

 
"سعيد" هو طفل فى الـ15 عشر من عمره، وللمفارقة لم يكن أبداً سعيداً، لكن اليوم، هو حتماً اسوأ أيام حياته.
 
لقد بدأ يومه مثل أى يوم سبق، يصحو من نومه، يخفى فرشته التى ينام عليها تحت إحدى الكبارى، ويذهب (للاسترزاق) على حد تعبيره...يأخذ بعض علب المناديل ليبيعها عند إحدى إشارات المرور، وهى وسيلة من التسول المقنّع، وهو يضرب بكفيه على نوافذ السيارات...و يجرى وراء بعضها...ويسب من لا يشترى منه، أما فى المساء، فتأتى بعض السيارات الفارهة، تقف فى مكان معروف له، وتبتاع منه المخدرات، وانتظر "سعيد" فى مكانه المعهود اليوم، لكن صاحب السيارة هذه المرة لم يكن إلا ضابطاً من مباحث مكافحة المخدرات....فقبض على "سعيد" متلبساً.
 
أصبح "سعيد" واحداً  من الأطفال المحبوسين فى جرائم المخدرات والسرقة، التى تمثل نسبتهم 50% من مجموع الأطفال المحبوسين....نعم ، أصبح "سعيد" مجرد رقم.. بدون  مستقبل، وبماضى بائس.. ما الذى دفع هذا الطفل إلى سلوك هذا الطريق؟ الجريمة غير مبررة ولكن هل كان له الخيار؟ دعونا نعرف كيف بدأت حكاية "سعيد " ثم أترك لكم الحكم.
 
لا أحد يعرف الاسم الحقيقى لـ"سعيد" ، فقد وجده بعض المارة ملقى بجانب سور أحد النوادى، وهو رضيع ، فأخذه أحدهم إلى دار أيتام لكنه تعرض بها لكل أنواع التعذيب وعندما سنحت له الفرصة، هرب من الدار.. هرب إلى الشارع لعله يأويه، ولم يكن يدرك -و هو فى السابعة من عمره- أنه حتماً، لن يجد الحنان -الذى لم يحظ به يوماً - فى بيته الجديد، الرصيف.
 
كانت حياة الشارع أقسى وأصعب، لكنه لم يكن أمامه خيار...أصبح يعمل مع أحد تجار المخدرات مقابل أن يتركه ينام فى سلام تحت الكوبرى، أما طعامه فهو يأكل وجبة واحدة فى اليوم، ويحتفظ ببعض النقود فى مكان سرى لأنه يريد أن يبتاع يوماً جيتاراً .. نعم جيتاراً، فهو فى النهاية إنسان من حقه أن يكون له طموحات و أمنيات، لكن اليوم ماتت أحلامه وتبددت وراء القضبان.
 
"سعيد" فى داخله بذرة خير، لكن تلك البذرة كانت تحتاج إلى الحب والحنان والاهتمام، كانت تحتاج إلى توجيه وتصحيح عند الخطأ،  كانت تحتاج إلى الماء والهواء، فى حين أن  كل ما حصلت عليه هو الاهمال والاستهتار وعدم الاهتمام، والتشويه النفسى والفكرى.
 
هناك الكثيرين مثل "سعيد" ، فأعداد الأطفال المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم تعدت الـ10 آلاف، وهناك آخرون مازالوا فى الشوارع، وسيلاقون حتماً نفس المصير آجلاً أو عاجلاً، لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير فى هؤلاء الأطفال، الذين سلبوا طفولتهم دون أى ذنب اقترفوه، وتربوا على العنف والكراهية والمرارة، فماذا ننتظر منهم إلا أن يصبحوا كالقنبلة الموقوتة التى يسهل استغلالها لتدمير أى مجتمع ؟.. كيف ننتظر منهم أن يُحكموا ضمائرهم وهم يحاربون كل يوم ليستمروا على قيد الحياة؟ ..كيف نحاكمهم بتهمة عدم الإنسانية، وهم لم يعرفوا من الإنسانية إلا وجهها القبيح من بغضاء وتعذيب!.
 
هناك حتماً وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بين هؤلاء الأطفال ومحاولة تجفيف منابع المشكلة، سنتحدث عنها فى المقال القادم، لكننى سأنتظر اقتراحاتكم أولاً، لأن تلك المشكلة  تمسنا جميعاً، فنسيج المجتمع لن يلتئم إلا بتقوية أضعف نقاطه وليس هناك أضعف من هؤلاء الأطفال الأبرياء، الذين سُلب منهم أهم ما يحتاجه الإنسان فى الحياة...ألا وهو الأمان.
 
بانتظار مقترحاتكم أعزائى القراء، لنكتب معاً المقال القادم.. بانتظار مساهماتكم فى محاولة إنقاذ هؤلاء الأطفال، فكروا بـ"سعيد" وأمثاله، وكيف يمكن لمجرى حياتهم أن يتغير، فقد كان من الممكن أن يضحى "سعيد" موسيقياً موهوباً لكنه الآن، ويا للأسف وراء القضبان.
 

 

تعليقات (8)
الحب و الحنان
بواسطة: Mahy
بتاريخ: الأربعاء، 15 أغسطس 2018 12:56 م

الحب والحنان يصنعون المعجزات يجعلون الشخص السيئ يخرج الخير الذي بداخله ولكن كيف نامن لهؤلاء الاطفال الحب والحنان والامان فيجب على المجتمع تقبل ظروفهم ويجب ايضا ان يكون هنالك رقابه حقيقيه على كل دار ايتام وعلى كل مواطن يرى طفل في الشارع ان يعامله معامله حسن لقد علمنا رسول الله ان لانقهر اليتيم والا نرد السائل . واخيرا شكرا للكاتبه العظيمه سمر جاد على المقال التي تمس القلب وتيقظ داخلنا كل معاني الانسانيه ملحوظه : او اقتراح بخصوص سعيد لما لا يتخذه الضابط شاهد على هؤلاء التجار عديمي الانسانيه الذين يستغلوا قسوة الحياه على هؤلاء الاطفال ويعطيه فرصه اخر للحياه مع توجيهه بكل الحب للطريق الصحيح وحينها سنكسب جميعا مواطن صالح بدل من مجرم وراء القضبان .

اطفال اليوم رجال الغد
بواسطة: Nancy
بتاريخ: الأربعاء، 15 أغسطس 2018 03:08 م

ارجو من الله ان نجد حلا لاطفال الشوارع وان يوجد دور لرعاية هؤلاء الاطفال ليس فقط اطعامهم وكسائهم وانما ايضا تعليمهم حرفة تفيدهم وتفيد المجتمع.

قنبلة موقوتة
بواسطة: ثناء
بتاريخ: الأربعاء، 15 أغسطس 2018 09:22 م

هؤلاء الأطفال هم حقاً قنبلة موقوتة يجب أن يتم احتواءهم و بأقصى سرعة...من خلال مدارس عسكرية تحتضنهم و تعودهم الالتزام و الانضباط.أحيي الكاتبة على إثارة هذا الموضوع المهم للغاية.

دور الأيتام
بواسطة: سلوى
بتاريخ: الأربعاء، 15 أغسطس 2018 09:26 م

يجب فى رأيى إحكام الرقابة على دور الأيتام و على مؤسسة الأحداث كذلك فالهدف يجب أن يكون التقويم أكثر منه العقاب. موضوع رائع....وأشكر الكاتبة على فكرة أن نشاركها أفكارنا.

أطفال الشوارع
بواسطة: باسم
بتاريخ: الأربعاء، 15 أغسطس 2018 09:31 م

ظاهرة أطفال الشوارع تمس أممنا القومى....فهم أول من يتم استغلالهم من قبل الارهابيين.أرى أن وزارة التضامن تتخذ بعض الخطوات الجيدة فى هذا المجال..لكن مازلنا نحتاج للكثير بدون شك.

نحتاج لحل !!!
بواسطة: ياسر
بتاريخ: الخميس، 16 أغسطس 2018 09:59 ص

نحتاج كمجتمع أن نفكر فى حلول لمشاكل مجتمعنا مع طرح أى مشكلة...شكراً على تلك الفكرة.

دور الرعايه
بواسطة: د. احمد ضيف
بتاريخ: الخميس، 16 أغسطس 2018 12:10 م

الموضوع الذى اختارته الكاتبه الحساسه من الموضوعات التى تدمى القلوب واعتقد ان مشكلة اطفال الشوارع تكمن فى اخذها بجديه من جانب الدوله التى يجب ان تعيد تشكيل ورعاية ومتابعة دور الرعايه والملاجئ والتعامل مع هؤلاء الاطفال على انهم مشروع رجال صالحين وليس مجرد النظر اليهم على انهم مشكله من مشاكل الدوله.

الرحمة
بواسطة: منال سعد
بتاريخ: الخميس، 16 أغسطس 2018 03:17 م

مقال مؤلم ووضح كمية القسوة في المجتمع ولكن كما بنينا 57 وكم الدعاية والاعلام ممكن بناء دور للرعاية واعادة التأهيل بما في ذلك اقسام الشرطة مع الحث علي الرحمة في التعامل مع الاطفال

اضف تعليق