القصة الكاملة لخلاف الأب متى المسكين وباباوات الكنيسة وعلاقته بمقتل الأنبا ابيفانيوس
السبت، 11 أغسطس 2018 10:00 م
«عندما أنصت إلى قول يسوع «بِع كل ما لك»، فباع كل ماله من بيتين وصيدلية، وأعطى الحصيلة للفقراء، وأبقى فقط على ثوب له».. هكذا يتحدث تلاميذ الأب متى المسكين عن القمص الراحل والذى مازالت أفكاره تجد الكثير من الصدى ما يدعونا إلى محاولة التفتيش عن سر دخوله فى خلاف مع قداسة البابا الراحل كيرلس ومن بعده قداسة البابا المتنيح شنودة، خاصة بعد حادثة مقتل تلميذه الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبومقار بوادى النطرون.
فى 20 سبتمبر عام 1919، ولد الأب متى المسكين ترفع من قيمة العلم، واختار طريق النسك، ليعيش فقط على الخبز والماء، وليؤلف أكثر من 180 كتابًا وبحثا غالبيتها فى أمور الكنيسة، كما يرجع الفضل إلى الاب متى المسكين فى إعادة تشكيل الحياة الرهبانية القبطية فضلا عن كونه أحد ثلاثة مرشحين ليكون بطريركًا للاقباط فى الانتخابات البطريركية عام 1971، كان عمر الأب متى المسكين 29 عاما فقط عندما كان يتوافد على دير أبومقار أكثر من 500 زائر كل يوم لرؤيته والاستماع إليه.
قصة خلاف الأب متى المسكين مع المتنيح البابا كيرلس السادس بدأت عندما أصدر المجمع المقدس برئاسة البابا كيرلس السادس قرارا يقضي بعودة جميع الرهبان إلى أديرتهم وحرمان من يخالف القرار وذلك في عام 1960
كان القمص القمص متى المسكين ومعه مجموعته خارج دير السريان، وطلب منهم البابا تنفيذ القرار فاستجابوا، لكن القمص متى ترك الدير مرة أخرى ومعه مجموعته بعد خلافه مع مدير الدير الراهب مكاريوس وذهبوا إلى بيت التكريس بحلوان رافضين العودة فطبق عليهم جميعا قرار المجمع بالحرمان.
عقب تجريد القمص متى من الكهنوت، أصدر القمص متى المسكين عدة كتب احدثت خلافات شديدة بينه وبين البابا كيرلس والبابا شنودة فيما بعد من بينها كتاب «الكنيسة والدولة»،والذى أكد فيه أن نظام الخدمة الاجتماعية بالكنيسة تنازع الحكومة في كل الميادين وأن ذلك سيحدث "صداما لا مفر منه ما بين الكنيسة والدولة وفق للكتاب.
استمر القمص متى المسكين فى إصدار العديد من الكتب اللاهوتية أشهرها كتاب «العنصرة» عام 1960، ثم كتاب «الباراكليت»، وكتاب «الكنيسة الخالدة»، كما أحدث كتاب «المواهب الكنسية» ضجة كبيرة، بعد أن جرى ارسال شكوى من مطرانية القدس إلى البابا كيرلس، مضمونها أن الكتاب قال إنه لا يوجد فرق بين الأسقف والقس في الكنيسة الأولى، ليقول البعض إنه استعان بنفس أدلة «الأخوة البلاميث» وهى طائفة بروتستانتية.
أما عن تفاصيل ما جرى بين الأب متى المسكين والبابا شنودة فيحكيها الأول فى مذكراته قائلا: «حدثت الأزمة فجأة بإعلان الكنيسة القبطية يوم 26 مارس 1980 إلغاء الاحتفالات بعيد القيامة الموافق 6 أبريل 1980، وبرفضها لأول مرة فى التاريخ، بروتوكول الحكومة الخاص بالمندوبين المرسلين من قبل رئيس الدولة للتعييد على الأقباط داخل الكنائس، سواء فى القاهرة أو الإسكندرية أو باقى المحافظات، وتطبيق ذلك أيضًا على كل الكنائس القبطية فى كل بلاد العالم، بمنع السفراء والقناصل من دخول الكنائس القبطية لتقديم تحية العيد للأقباط وكان هذا فى نظر بعض السياسيين تحديًّا شخصيًّا للرئيس أنور السادات، خصوصًا أن توقيته جاء متزامنًا تمامًا مع استعداده للسفر إلى أمريكا للتفاوض فى مشروع الحكم الذاتى للفلسطينيين».
ويتابع الأب متى المسكين قائلا عن لقائه الأول بالسادات: «أجبرنى بعض أراخنة الأقباط على التدخل لحل الأزمة، لكن بعد فوات الوقت، فقابلت الرئيس السادات مساء السبت 5 أبريل 1980، قبل سفره بيوم واحد إلى الولايات المتحدة، وذلك بعلم ورأى قداسة البابا شنودة والمجمع الموسع، الذى انعقد فى دير الأنبا بيشوى، كمحاولة لحل الأزمة فى آخر لحظة. فأخبرنى الرئيس فى هذه المقابلة بأنه مستاء من تصرف الكنيسة. ثم أقنعنى بعض الأساقفة بضرورة مقابلة الرئيس بعد عودته لتقديم مذكرة توضيحية من اللجنة البرلمانية المقترحة لمتابعة شؤون الأقباط، لتكون بمثابة قناة شرعية بين الكنيسة والدولة، وقابلته بالفعل بعد أخذ البابا علمًا بالمقابلة، وقدمت له المذكرة فقبلها ووعد بدراستها ودعيت لمقابلة السادات، وطلب منى إبداء الرأى فى ما وصلت إليه العلاقة بين الكنيسة والدولة، واقترحت أولا مصالحة البابا، فرفض الرئيس رفضًا باتًا، فاقترحت حلًا وسطًا بتعيين لجنة وساطة من بعض الأساقفة مع بقاء البطريرك كما هو، فرفض، ثم اقترحت تعيين هيئة علمانية من المسؤولين الأقباط للتعامل مع الدولة وبقاء الكنيسة بعيدة، فرفض أيضًا.. ولما علمت بالنية القاطعة لتوقيف البابا البطريرك وإبعاده، جاهدت أن لا يمس هذا الإجراء الوضع الدينى، وهو الشق الأول من تنصيبه، وهو وضع اليد والصلاة واستدعاء الروح القدس للتقديس، فهذا ليس من اختصاص الدولة. وإن كان يحسب هذا اليوم هو اليوم الأسود فى حياتى».
عقب وفاة الأب متى المسكين في 8 يونيو 2006 سار على دربه الرهبان بدير أبومقار فى وادى النطرون وعلى رأسهم تلميذة الأنبا ابيفانيوس الذى عين رئيسا للدير عام 2013 إلا إنه كان هناك مدرستين يشكلهم الرهبان القاطنين فى الدير الأولى من تلاميذ القمص متى المسكين ومدرسته الإصلاحية المعروفة باسم «التيار الآبائي»، والثانية من الرهبان الذين وفدوا إلى الدير بعد تنيح الأب متى وهم رهبان ينتمون إلى مدرسة البابا شنودة الفكرية المعروفة باسم المدرسة التقليدي، ما تسبب فى بعض الخلافات بين الرهبان والتى انتهت بالعثور على جثمان الأنبا ابيفانيوس مقتولا بجوار قلايته وما زالت التحقيقات جارية حتى لحظة كتابة هذه السطور فى الجريمة البشعة غير المسبوقة .
«أخرجوا الإنحراف بعيدًا عن الرهبنة، وأنتم لا تتبعون أحدًا بعينه فأنتم رهبان القديس العظيم الأنبا مقار، ولا تتحدثوا للإعلام لأن الرهبنة موت عن العالم».. هكذا تحدث قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية خلال تراسه صلاة جنازة الأسقف القتيل والذى كان يثق فيه قداسة البابا ثقة عمياء.
يكشف نعى البابا تواضروس للأنبا مدى حزنه على الأنبا ابيفانيوس حيث قال:«فقدت وجهًا مشرقًا ممثلًا للكنيسة في كل مكان ،كنت دائمًا أبعتله يحضر في المؤتمرات، وحضوره كان حقيقي مؤثر بالمعنى ،كلفته بـ20 مؤتمرًا خلال الخمس سنوات الأخيرة، وكان بيحضّر للكلمة قبل ميسافر ويبعتهالي أراجعها أو أزوّد عليها، ومرة أتأخرت في المراجعة بعت قالي مش هسافر».