حكومة مدبولي تمنح قبلة الحياة لـ«سور مجرى العيون».. حكاية الأثر رقم (78)
الخميس، 02 أغسطس 2018 05:00 مإبراهيم الديب
أثر حمل الرقم (78) يعكس مدى عبقرية المصريين في توفير احتياجاتهم اليومية، وعبقريتهم الهندسية التي استخدموها لتشييد حضارتهم لتظل شاهدة على العديد من الأحداث الهامة في واحدة من أهم الحقب التاريخية المارة على أرض النيل.
تعرض سور مجرى العيون، للعديد من مظاهر الإهمال والعشوائية التي طالت كثيرا من الأثار المصرية في الأونة الأخيرة، نتيجة ارتفاع نسبة الكثافة السكانية، وماتبعها من تآكل مساحات شاسعة من الأراضي على يد غول التعديات بشكل عشوائي والتي طالت الأراضي الزراعية والصحراوية والتاريخية وأصبحت الغوغائية عنوانا لهذا المشهد العبثي لفترات طويلة.
ومع تراجع مستوى الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين نتيجة عدم التناسب مع حجم المشكلات المتزايدة، باتت الأثار الإسلامية والمباني التاريخية في مرمى نيران العشوائية وسيطر قانون الغاب على المقيمين حولها وكان سور مجرى العيون، أو «سواقي فم الخليج»، واحدا من ضحايا الإهمال.
في عام 2006 بدأت الحكومة في وضع مخطط لتطوير منقطة «مجرى العيون»، إلا أنه تم تأجيل التنفيذ لأسباب عدة، وفي عام 2012 وتنفيذا لمبادرة تحسين النظافة العامة التي عملت في تلك الفترة على رفع تراكمات القمامة من الشوارع واستغلال تلك المساحات لوضع «أكشاك» للشباب العاطل عن العمل، بدأت وزارة البيئة في تطهير محيط السور من المخلفات والقمامة، وإنشاء سياج حديد حوله لضمان عدم عودتها مرة أخرى، إلا أنه ومع الوقت تحول هذا السياج إلى «مربط للدواب» التي يستخدمها أهالي المنطقة في نقل جلود المدابغ، وتحول إلى مقلب عمومي لفضلات الأحصنة ومرعى للأغنام بالإضافة إلى تراكمات القمامة.
إعادة منقطة مجرى العيون إلى رونقها الحضاري وإنقاذها من براثن الضياع، كان أحد أهداف المرحلة الثالثة من مشروع إحياء القاهرة التاريخية، والتي يعود تاريخها إلى عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي، مؤسس الدولة الأيوبية، والذي قام بإنشائها كأحد أهم الأجزاء المستخدمة في منظومة المنشأت المائية في مصر، لنقل المياه من نهر النيل بمنطقة رباط الآثار جنوبي الفسطاط، إلى قلعة الجبل «قلعة صلاح الدين الأيوبي»، -الموجودة بطريق صلاح سالم حاليا- باستخدام السور كمجرى للمياه وأطلق عليه «القناطر العتيقة».
وفي عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 712 هـ (1312 م) ، تم إنشاء أربع سواقي على بحر النيل تنقل الماء إلى السور، ومنه إلى القلعة، وفي عام 741 هـ اهتم الملك الناصر بسوق الماء إلى القلعة وتكثيره بها لأجل سقي الأشجار وملء الفساقي ولأجل مراحات الغنم والأبقار، فأمر بحفر بئر أخرى ليركب عليها القناطر حتى تتصل بالقناطر القديمة فيجتمع الماء في بئرين، ويصير ماء واحدا يجري إلى القلعة فيسقي الميدان وغيره، ثم أمر بحفر خليج صغير في بركة الجيش يخرج من البحر ويمر إلى حائط الرصدن وحفر عشرة آبار في الحجر تحت حائط الرصد يصب فيها الخليج لتنقلها السواقي إلى «القناطر العتيقة» - سور صلاح الدين- التي تحمل الماء إلى القلعة لزيادة مائها.
طعنات الإهمال التي تلقاها هذا الصرح العمراني الأثري بدأت على يد الحملة الفرنسية على مصر والتي استخدمت المجرى والسور كقلعة لهم، وقاموا بإحداث التغييرات فيه فهدموه وخربوا أجزاء عديدة به، وأقاموا على طول تلك المنطقة عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء إلى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها و بواكيها وجعلوها سورا بذاتها، وبالتالي دمروا مشروع نقل المياه الذي أنشأ السور من أجله.
ارتبطت تلك المنطقة بتجارة الجلود، وانتشرت بمحيطها المدابغ التي اعتمدت على قربها من منقطة «المدبح» مصدر المواد الخام التي تغذيها كصناعة قديمة بالمدينة، ووجدت بتلك المنطقة لبعدها عن العمران كإحدى الصناعات المتطلبة لذلك.
وكان لنجاح مشروع إحياء القاهرة في تلك البقعة التاريخية ضرورة رفع وإزالة تلك المدابغ، وهدم المباني العشوائية المحيطة بها ونقل سكانها إلى وحدات توفرها لهم الدولة، أوتعويضهم ماديا، بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة المقاهي والباعة الجائلين المنتشرين في ربوعها بما يساهم في تحويلها إلى أحد المقاصد السياحية المصرية على خريطة زوار مصر من العرب والأجانب، في إطار خطة النهوض بقطاع السياحة كأحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، وتطوير المناطق الأثرية لخدمة هذا الغرض لتحقيق عائد مادي يساهم في تحسين مستوى المعيشة.
وعقب الانتهاء من مرحلة هدم المدابغ ونقلها إلى «مدينة الروبيكي»، بطريق الإسماعيلية الصحراوي، والتي تم انشائها كمنقطة مخصصة لصناعة الجلود بدات وزارة الأثار في تنفيذ مشروع التطوير للمنطقة بالكامل والتي ستشهد مرحلة واسعة من الصيانة والتنمية، واستغلال الأماكن التي سيتم إخلاؤها من المدابغ في استثمار العديد من المشروعات لتصبح منطقة جذب سياحي، وذلك بالتعاون مع العديد من الوزارات والمحافظة، على أن تتولى وزارة الأثار مسئولية ترميم وتطوير السور والمنطقة المحيطة به لمسافة 30 مترا كحرم للسور.
من جانبه عقد اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعا بحضور وزيرى المالية، والتجارة والصناعة، ومحافظ القاهرة، ونائب وزير الإسكان للتنمية العمرانية رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني، الموقف التنفيذي لتطوير منطقة سور مجرى العيون، بعد نقل المدابغ إلى مدينة الجلود بالروبيكي، مؤكدا على اهتمام الحكومة بمشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون، الذي يهدف إلى إحياء هذه المنطقة التاريخية وإعادة إبراز رونقها الحضاري، بما تتمتع به من قيمة ثقافية، لتمثل إضافة جديدة على خارطة المقاصد الأثرية والسياحية بمصر، لافتاً إلى أن هذا المشروع يعد جزءاً ضمن تصور شامل لإعادة القاهرة كمدينة للتراث والفنون، ومركز للإشعاع الحضاري والثقافي، ومقصد سياحي رئيسي على صعيد الدائرتين الإقليمية والعالمية.
وتم الاتفاق خلال الاجتماع على إعداد بروتوكول سيتم توقيعه بين وزارة المالية، ومحافظة القاهرة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، للتعاون في تطوير منطقة سور مجرى العيون، وفق الآلية التي تم اتباعها في تطوير منطقة ماسبيرو، على أن ينظم البروتوكول اختصاصات كل جهة في إطار هذا التعاون، حيث تكون للمحافظة بموجبه كافة مسئوليات وصلاحيات الجهة الإدارية المختصة وفقاً لأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، وتختص بتقدير باقي قيمة التعويضات النقدية المطلوبة لشاغلي الورش والمصانع والوحدات الكائنة بمنطقة سور مجرى العيون، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لاعتماد مخطط التطوير وانهاء كافة الموافقات والتصاريح الخاصة بذلك، إلى جانب تهيئة المرافق الرئيسية اللازمة للمشروع على حدود منطقة التطوير المشار إليها، ومن جانبها، تختص هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بموجب البروتوكول بإعداد مخطط تطوير المنطقة، بما يتناغم مع المناطق المحيطة بها، وكذا تدبير المبالغ المالية اللازمة لصرف باقي التعويضات النقدية لشاغلي الورش والمصانع والوحدات الكائنة بمنطقة سور مجرى العيون، وإتاحة هذه المبالغ لمحافظة القاهرة لصرفها للمستحقين، والقيام بالأعمال اللازمة لإعادة تخطيط المنطقة، وتنفيذ جميع أعمال التطوير.