معركة نقل قرنية العين تدخل أروقة المحاكم.. هل تعامل القرنية مثل الأنسجة والدماء؟ (مستند)
الأربعاء، 01 أغسطس 2018 04:00 م
حالة من الجدل والشد والجذب بسبب ما أثاره أحد المواطنين ليلة أمس، حول اتهامه مستشفى قصر العيني بنزع «قرنية» عين شقيقه المتوفي دون الحصول على موافقتهم، ما أدى لإرتباك المشهد بين الدستوريين بشأن قانونية الحصول على قرنية المتوفين دون موافقة الأهلية.
وفي الوقت الذي أعلن فيه عميد كلية طب القصر العيني الدكتور فتحي خضير وأعضاء اللجنة العليا لزراعة الأعضاء بأحقية المستشفى في الحصول على القرنية دون موافقة أهل المتوفي، فيما اعتبره خبير قانوني ما حدث «جريمة تستوجب العقاب».
الحق فى نقل القرنية
فى البداية، يقول محمد محمود، المحامى والخبير القانونى، أن ما أثير بخصوص أخذ قرنية العين من المتوفي دون إذن أهله إجراء قانوني صحيح للأسف، ويحكم ذلك الكتاب الدورى الذى أصدره النائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود، حمل رقم «٢٢ لسنة ٢٠٠٨»، بتعديل على الكتاب الدورى رقم «١٧ لسنة ١٩٩٩» الصادر بتاريخ ٢ ديسمبر ١٩٩٩، ويتضمن بيانًا لبعض أحكام القرار بقانون رقم «١٠٣ لسنة ١٩٦٢» فى شأن إعادة تنظيم بنوك قرنيات العيون ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الصحة رقم «٤١٧ لسنة ١٩٩٦».
ومعمول به-بحسب «محمود» فى تصريح لـ«صوت الأمة» منذ فترة ليست بقصيرة في بعض المستشفيات الحكومية التي يوجد بها بنك قرنيات مثل القصر العيني، وأن القانون الصادر عام 2003 يتيح للمستشفيات الحكومية أخذ الطبقة السطحية للقرنية بما لا يشوه العين، مشيراَ إلى أن زراعة القرنية لا تندرج تحت قانون زراعة الأعضاء البشرية رقم 5 لسنة 2010، ولها قواعد وشروط خاصة قائمة بذاتها بخلاف اشتراطات زراعة الأعضاء البشرية، وردد قائلاَ: «ومن يريد معرفة الشروط والأحكام يراجع القانون».
دعوى قضائية بعدم دستورية قانون نقل القرنية
وفى خطة جديدة بخصوص أزمة «نزع القرنية»، أعلن ميشيل إبراهيم حليم، المحامى بالنقض والخبير القانونى، أنه من المقرر أن يُحرك دعاوى قضائية بعدم دستورية قانون ٧٩ لسنة ٢٠٠٣ فيما يخص النص الخاص لنقل القرنية دون استئذان أهل المتوفي ودون وجود وصية من المتوفي موثقة لمخالفتها لاحكام الشريعة الاسلامية وفتوايها التي تضمنت ضرورة وجود وصيه مكتوبة من المتوفي وأن يكون نقل العضو أو الأنسجة لضرورة بها وفاة المنقول إليه النسيج أو العضو أن لم يتم النقل وهذا الامر لا يتحقق في حالة نقل القرنية والتي لا تستبب في وفاة الشخص فى حالة نقلها وأن الضرورة فقط التي تراها بنوك القرنية بوزاره الصحة لغلو ثمنها كما أن فتاوي الشريعة قررت أن يكون نقل العضو أو النسيج للأقارب فقط وحتي أقارب الدرجة الرابعة وبذلك يكون القانون الخاص بنقل القرنية قانون ٧٩ لسنه ٢٠٠٣ مخالف لفتاوي وأحكام الشريعة الاسلامية والتي هي المصدر الاساسي في التشريع طبقا لنص المادة ٢ من الدستور المصري.
اقرأ أيضا: عميد "قصر العيني" يرد على اتهام "سرقة قرنية متوفى".. والأهالي ينتظرون تقرير الطب الشرعي
النقطة الثانية- بحسب «ميشيل»- فى تصريح خاص هي التناقض التشريعي بين نص القانون الخاص بنقل القرنية قانون ٧٩ لسنه ٢٠٠٣ والقانون العام الذى بينظم نقل وزرع الأنسجة والأعضاء قانون ٥ لسنه ٢٠١٠ بشأن موافقة أهل المتوفي علي النقل وحظر النقل سوي للأقارب حتي الدرجة الرابعة وغيرها وهنا نكون أمام نظرية تنازع القوانين والتى نصت أنه إذا كان هناك نص فى القانون الخاص يخالف نص بالقانون العام وهنا يتم تطبيق أن الخاص يقيد العام يعني «الخاص يكسب».
ووفقا لـ«ميشيل» فإنه فى قضية المتداولة اعلاميا بسرقة قرنية متوفي القصر العيني فالأمر متوقف علي تقرير الطبيب الشرعي في تحريك دعوي جنائية من قبل النيابة العامة ضد أطباء القصر العيني إذا ثبت تشريحيا أن نقل قرنية المتوفي كانت قبل التحقق من الوفاة، وهنا –بحسب «ميشيل» سنكون بصدد جريمة قتل العمد وعقوبتها تصل للمؤبد مع العزل من الوظيفة، أما لوثبت أنه تم نقل كامل العين أو القرنية كاملة وليس الطبقة السطحية منها سنكون بصدد جريمة سرقة اعضاء وعقوبتها السجن المشدد وغرامة تصل لمليوني جنية مع العزل من الوظيفة.
مفاجأة.. الدماء والأنسجة تعامل معاملة الأعضاء
إلا أن محكمة النقض المصرية لها حكما صدر حديثاَ تتحدث فيه عن أن الدماء والأنسجة تعامل معاملة الأعضاء البشرية، فما بالك بـ«قرنية العين» أو غيرها، حيث أرست محكمة النقض المصرية، مبدأ قضائياَ من خلال حكماَ حديثاَ قالت فيه: «استقر أهل العلم على اعتبار التعامل فى الدم كالأنسجة المتجددة بالجسم مثل الجلد، وبالتالي فإن دماء الإنسان كلما نقصت أو أُخذ منها تجددت تلقائياً وبأصول طبيعية وحسناً فعل المشرع المصري بتجريم الاتجار بالبشر وبتحريم التعامل بأي صورة فى شخص طبيعي بما فى ذلك البيع أو الشراء أوالنقل أوالتسليم أوالإيواء أوالاستقبال وبالطرق المنصوص عليها فيه ومنها استغلال حالة الضعف أو الحاجة».
الطاعن لا تُعد من الأنسجة
المحكمة قالت فى حيثيات الحكم، أنه لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الأول أشار إلى أن الدماء لا تُعد من الأنسجة، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير لجنة وزارة الصحة عدم اتباع الإجراءات القانونية والأعراف الطبية السليمة بشأن تنظيم عمليات جمع وتخزين الدم ومركباته، وذلك ببنك الدم المركزي بجمعية «....» وبنك دم مستشفى «....»، وكان الدفاع الذي أبداه الطاعن الأول فى الدعوى المطروحة يتضمن المنازعة الجادة فيما إذا كان الدماء من الأعضاء والأنسجة البشرية التي جُرّم الاتجار فيها بالمادة الثانية من القانون رقم 64 لسنة 2010 وقد رد الحكم على هذا الدفاع.
الدفاع: الدم سائل ولا يُقطع من الجسم
وحيث إنه-بحسب الحيثيات- عما أثاره الدفاع من قالة أن الدم سائل ولا يُقطع من الجسم، ومن ثم عدم انطباق أحكام القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، فإنه بادئ ذي بدء أن مثار التساؤل هنا هو مدى انطباق عبارة الأنسجة البشرية الواردة فى نهاية المادة 2 من القانون المذكور آنفاً، ومدى اعتبار مدلولها ينطبق على سجلات سحب الدم من الجسم والتعامل فيه بأي صورة من صور التعامل المحظور الواردة بصدر هذه المادة لجريمة اتجار بالبشر.
اقرأ أيضا: جرائم الإتجار بالبشر.. محكمة النقض: الدماء والأنسجة تعامل معاملة الأعضاء (مستند)
المحكمة: التعامل فى الدم كالأنسجة المتجددة بالجسم مثل الجلد
فلقد استقر أهل العلم على اعتبار التعامل فى الدم كالأنسجة المتجددة بالجسم مثل الجلد، وبالتالي فإن دماء الإنسان كلما نقصت أو أُخذ منها تجددت تلقائياً وبأصول طبيعية وحسناً فعل المشرع المصري بتجريم الاتجار بالبشر وبتحريم التعامل بأي صورة فى شخص طبيعي بما فى ذلك البيع أو الشراء أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال وبالطرق المنصوص عليها فيه ومنها استغلال حالة الضعف أو الحاجة وكل ما أوردته المادة الثانية من القانون المذكور آنفاً ، فضلاً عن أنه لا يعتد برضاء المجني عليه على الاستغلال فى أي من صور الاتجار بالبشر متى استخدمت فيها أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها فى المادة 2 من ذات القانون سواء أكان الرضا صادراً من المجني عليه البالغ أو الطفل أو عديمي الأهلية أو رضاء المسئول عنه أو متولي تربيته-وفقاَ لـ«المحكمة».
قرار رئيس الوزراء رقم 2353 لسنة 2010
فضلاً عما ورد باللائحة التنفيذية للقانون الصادر بها قرار رئيس الوزراء رقم 2353 لسنة 2010 فى عدم التقيد بتحديد أشكال الاتجار بالبشر وذلك لفتح الباب أمام أية أفعال أخرى تتوافر فيها أركان جريمة الاتجار وعدم الاعتداء برضاء الضحية «المجني عليه» على الاستغلال وعدم معاقبته عن أي جريمة نشأت أو ارتبطت مباشرة بكونه ضحية، وعليه فإن المحكمة تعتبر بأن عبارة «الأنسجة» ضمنها الدماء المحظور الاتجار فيها بصورة التعامل الواردة بذلك القانون ) .
المحكمة أكدت أنه لما كان ذلك، وكان الدفاع الذي أبداه الطاعن فى الدعوى المطروحة - على ما سلف بيانه - يعد دفاعاً جوهرياً لتعلقه بالدليل المقدم فيها والمستخدم من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير لجنة وزارة الصحة وهو دفاع قد ينبني عليه - لو صح - تغيير وجه الرأي فى الدعوى ، مما كان يقتضى من المحكمة، وهى تواجه مسألة تحديد عما إذ كانت الدماء تُعد من الأنسجة البشرية التي جُرّم الاتجار فيها بالمادة الثانية من القانون رقم 64 لسنة 2010 - وهى مسألة فنية بحتة - أن تتحذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها بتحقيق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنياً أما وهى لم تفعل، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور.
اقرأ أيضا: من الخطف والاستغلال إلى المؤبد.. الإتجار بالبشر في «12 سؤال»
فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع ولا يرفع هذا العوار ما أورده الحكم من رد قاصر لا يُغني فى مقام التحديد لأمر يبطله ذلك، وأنه وإن كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تسطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقاً لإبداء الرأي فيها - كما هو واقع الحال فى خصوصية الدعوى المطروحة - .
لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن الأول دون حاجة لبحث باقي أوجه طعنه.
(الطعن رقم 14764 لسنة 83 جلسة 2014/06/05 س 65 )