جرس الحوثيين في رقبتي تركيا وإيران.. اليمن تخرج من الحصار على جثث الميليشيات
الأحد، 29 يوليو 2018 09:00 م
يزداد الحصار المضروب حول إيران، وتتعالى أطماع تركيا إقليميا، فتنشط التحركات على المحور اليمني، ورغم هذا ما زال الحوثيون يواجهون أزمة كبرى تخص مدى قدرتهم على البقاء في المشهد.
في الشهور الأخيرة كثّفت قوات الجيش اليمني، مدعومة بإسناد من التحالف العربي الداعم للشرعية، من نشاطها في الساحة اليمنية واستهدافها لمعاقل الحوثيين وتحركاتهم، وهو ما ساهم في إحكام الخناق حول كثير من مناطق تمركز الميليشيات، وحوّل كثيرا من ساحات انتشارهم إلى جيوب مُغلقة وشبه معزولة، بشكل قلّص من قدرات الجماعة ومقاتليها على تشكيل خطر حقيقي، ودفعهم لتطوير التحركات في اتجاهات تبدو مزعجة ظاهريا، لكنها في الحقيقة جنونية وقد تُعجّل بالإجهاز عليهم.
الميليشيات تتجه إلى البحر
حالة الحصار التي نجحت القوات اليمنية في فرضها على الميليشيات دفعت الأخيرة للتخلّي عن مساعي التمدد الجغرافي، بعد القطيعة الحادة التي فُرضت على كثير من محاورها الاستراتيجية وخطوط اتصالها وإمدادها، وكان المنفذ الذي اعتمدته الميليشيات بديلا ذا أثر حسب وجهة نظرها، هو التمدد باتجاه البحر ومحاولة تشكيل خطر على الملاحة البحرية.
في خطوة تصعيدية قبل أيام استهدفت عناصر الحوثي ناقلة النفط السعودية "الدمام" ما دفع المملكة ودولة الإمارات لتعليق مرور ناقلات النفط في مضيق باب المندب، لكن هذه الخطوة التي لجأت إليها الميليشيات الحوثية كآلية للمناورة وتحسين الأوضاع الضاغطة التي تعانيها، وصيغة تبدو تعبيرا مباشرا عن الأزمة الحالية وبحثا عن منفذ لتحسين شروط التفاوض، بدت تطويرا جنونيا للصراع.
الرد من جانب الجيش اليمني وقوات التحالف العربي جاء سريعا، بشنّ حملات واسعة وممنهجة على محاور جغرافية عدّة، بغرض قطع مزيد من المحاور وخطوط الاتصال وقطع خطوط الإمداد والاتصال بين جيوب الحوثيين، وبالفعل أسفرت العمليات البرية والجوية الأخيرة عن نجاحات عسكرية مهمة، وكبّدت جماعة الحوثي خسائر بشرية ومادية فادحة.
ضربات جوية وحصار بري
في إطار حملة التأديب والرد على التصعيد الحوثي، وفي الوقت نفسه مواصلة التحركات العسكرية الرامية لحصار الميليشيات وتقليم أظافرها، قصفت مقاتلات التحالف العربي في الأيام الأخيرة عددا من المواقع ومخازن الأسلحة الحوثية في محافظة ريمة غربي البلاد.
ونقل موقع "سبتمبر نت" التابع للجيش اليمني، قال مصدر محلي إن "مقاتلات التحالف نفذت أكثر من 5 غارات جوية على مخازن أسلحة ومواقع للميليشيات الحوثية في جبل برد بنطاق مديرية كسمة في محافظة ريمة" مشيرا إلى أن انفجارات قوية هزّت أرجاء المديرية، مع تصاعد الأدخنة وألسنة اللهب من المواقع المستهدفة.
وفي محافظة الحديدة، استهدفت الغارات الجوية لمقاتلات التحالف تجمعا لعناصر الحوثيين في الدريهمي والمنصورية وشرقي مديرية باجل، وأسفرت الغارات عن مقتل 28 من مقاتلي الحوثيين، حسبما نقلت قناة "سكاي نيوز" اليوم، يُضاف هذا العدد إلى 30 عنصرا حوثيا قُتلوا أمس خلال تقدم الجيش مدعوما بمقاتلات التحالف في مديرية الملاجم التابعة لمحافظة البيضاء وسط اليمن.
وبجانب استعادة قوات الجيش مواقع استراتيجية من قبضة الحوثيين في البيضاء، واصلت القوات تقدمها لتطهير ما تبقى من وادي ومنطقة فضحة، وأصبحت على مشارف "البياض"، وأنجزت تحرير عدد كبير من المواقع والمحاور الاستراتيجية بامتداد هذا المسار، كما تجاوزت مفرق منطقة أعشار وسط هزائم فادحة وانهيار تامٍ لمقاتلي الحوثيين وخسائر ضخمة في المعدات والآليات.
40 كليو مترا خلف خطوط الحوثيين
في تحركاتها الأخيرة نجحت قوات الجيش اليمني في التقدم 40 كيلو مترا باتجاه البيضاء، وسيطرت على منطقة شركة بن عرب، وجبل الدير، وسيلة الوهبية، ومعسكر الاستقبال في فضحة ووادي فضحة وصولا إلى مفرق عفار، وخلال هذا التقدم استعادت القوات السيطرة على مخزن أسلحة عقب عملية تمشيط لمواقع محيطة بمركز مديرية باقم شمالي صعدة، المعقل الرئيسي حاليا للميليشيات.
على محور صعدة المتاخم للحدود السعودية أيضا، نجحت قوات الجيش بإسناد التحالف العربي في تحرير مواقع مهمة وفرض سيطرتها على محاور استراتيجية في مديرية الحشوة شرقي صعدة، وأسفرت العمليات عن قتل 19 عنصرا من الميليشيات وأسر 21 آخرين. وقال العقيد محمد العملسي، أركان حرب اللواء التاسع حرس حدود، إن الجيش نفذ هجوما مفاجئا أسفر عن تحرير سلسلة جبال الربعة شمالي الحشوة، وسط فرار جماعي لعناصر الميليشيات.
بحسب تصريحات "العمسلي" التي نقلتها "سكاي نيوز" فقد استمرت المعارك 9 ساعات، وتأتي هذه التحركات في ضوء أهمية المنطقة وتأثيرها الاستراتيجي في سير المعارك، وفي انتشار الحوثيين وقدرتهم على التمركز والحركة وتشكيل تهديد حقيقي. خاصة أن السلسلة الجبلية التي تمثل أولى مناطق مديرية الحشوة، ستمثل بتحريرها سادس جبهة في محافظة صعدة، وخطوة مهمة على تطريق تطويق المحافظة بشكل كامل من جهة الشرق.
الإمارات تُعلق الجرس في رقبة إيران
التطورات الأخيرة التي تشهدها ساحة الصراع في اليمن، وتحرّك ميليشيات الحوثي المتواصلة باتجاه التصعيد، بات واضحا أن وراءها إيران، ومؤخرا أصبحت تركيا طرفا مشاركا للدولة الشيعية في دعم الحوثيين ومساندتهم إعلاميا وماليا ولوجستيا، لكن المشهد المُعلن ما زال يشهد قدرا من المناورة.
تحركات المبعوث الأممي لليمن مارتن جريقفيث، وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش خلال الفترات الماضية، بدت منحازة للجانب الحوثي، أو داعمة لفكرة الضغط على الدولة اليمنية لإنجاز مفاوضات سلام مع الحوثيين وفق موازين قوى غير دقيقة، تتأسس على فكرة الحضور القوي والمؤثر لعناصر الحوثي في المشهد اليمني وانتشارهم الواسع، وهو الأمر الذي يتغير بشكل واسع خلال الفترة الأخيرة، ومن ثمّ فإن أي ضغط لإنجاز مفاوضات عاجلة قبل استكمال المعارك الدائرة، يُعني دعما مباشرا للميليشيات.
بجانب التظاهرات التي تشهدها تركيا دعما للحوثيين، وتكررت أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة، فإن أنقرة تدعم الميليشيات بشكل مباشر، وتُنسق مع إيران لتوفير الإمدادات المالية واللوجستية عبر البحر، وربما كان التصعيد الحوثي الأخير باستهداف ناقلة نفط سعودية، محاولة لتوتير الأجواء في المنطقة وزإخلاء مساحة كافية لتحرك القطع البحرية الإيرانية والتركية، وتأمين الدعم وخطوط الإمداد.
الموقف الواضح عسكريا والملتبس سياسيا، كان يحتاج قدرا من المباشرة والتحديد في تعليق الجرس في رقبة إيران، وهو ما فعله الوزير الإماراتي أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بقوله إن تهديدات إيران الأخيرة بشأن مضيق هرمز والتصعيد في الخليج العربي، على خلفية العقوبات الأمريكية المرتقبة عليها، ترتبط بشكل أكبر باعتداءات ميليشيات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر.
وكتب "قرقاش" في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التدوينات القصيرة تويتر، أنه "لا يمكن في السياق الجيوسياسي إلا أن نفهم أن التهديدات الإيرانية بشأن مضيق هرمز مرتبطة بالاعتداءات الحوثية ضد الملاحة في البحر الأحمر، هي علاقة بين المُوجّه والتابع. أدركنا طبيعة الخطر الحوثي وواجهناه".
الملمح المهم في حديث رئيس هيئة قناة السويس، ما تناول فيه الرؤية المصرية لهذه التطورات وعمليات التصعيد من جانب الميليشيات الحوثية، بصورة قد تُشكّل تهديدا للمصالح الاقتصادية والسياسية لكثير من الدول في المنطقة، وهو ما قال عنه مهاب مميش: "الحوثيون يطورون أداءهم، ونحن سنطوّر أداءنا للدفاع عن أهدافنا الحيوية".
هزائم في اليمن.. خسائر في خليج العرب
ربما لا تكون تركيا طرفا مأزوما في الملف اليمني، في النهاية تُفتّش أنقرة عن مصالح مباشرة عبر الاشتباك مع الملف، لكنها لا تواجه مخاطر أو خسائر محتملة إذا فشلت مخططاتها، أو عجزت عن إنجاز السيناريو الذي تسعى إليه.
الصورة بالنسبة لإيران تبدو مختلفة تماما، فالبلد الشيعي يرتبط ارتباطا عقائديا واستراتيجيا بميليشيات الحوثي، إضافة إلى أنها تمثّل ظهيرا مباشرا له وورقة ضغط للمناورة والإفلات من الحصار، خاصة أن حالة السخونة بين طهران والولايات المتحدة آخذة في التصاعد، وفي الوقت نفسه تخسر الدولة الشيعية كثيرا من حضورها ومكاسبها في الساحتين السورية والعراقية.
في العراق لم تفلح التوترات المدفوعة من إيران، ولا قطعها الكهرباء عن جنوبي البلاد، في إزعاج حكومة حيدر العبادي أو تقويضها، كما لم تنجح في تمديد مساحة حضورها أو فرض وجودها على المعادلة السياسية الراهنة. وفي سوريا بات بشار الأسد أقرب للانتصار، وبدأت موجة انتقاد الوجود الإيراني في التعالي، كما لا يبدو أن روسيا التي تحالفت مع طهران طوال السنوات الأخيرة، لمساندة النظام والجيش السوريين، راضية عن موقف إيران الحالي ومساعيها لتوسيع نفوذها ومحاولة الحضور في المشهد السياسي المرتقب.
بجانب الخسارة الإيرانية على الجبهتين العراقية والسورية، فإن طهران تواجه أزمة أكثر ضغطا وإزعاجا، بسبب ملف التجارب النووية والصاروخية، وما ترتب عليها من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مطلع مايو الماضي، ثم إقرار دونالد ترامب حزمة عقوبات عسكرية واقتصادية مرتقبة على البلد الشيعي، من المقرر أن تتوسع لتشمل صادرات النفط في نوفمبر المقبل.
إذا سارت الأمور وفق هذا الإيقاع، فإن إيران ستواجه مزيدا من الحصار، وربما بسبب هذه الضغوط قد تتراجع تركيا عن الاشتباك مع الملف اليمني، خوفا من الظهور والتورط المباشرين في المشهد. كما أن التراجع الاقتصادي الضاغط على موارد إيران حال توقف صادراتها النفطية، لن يترك لها متّسعا للمناورة ولا وفرة مالية للإنفاق على تطلعاتها السياسية، وهكذا فإن كل خسارة يتكبدها الحوثيون، وكطل جثة تسقط من عناصر الميليشيات، بمثابة جرس يهتز في رقبتي إيران وتركيا، إما أن يفضح البلدين ودوريهما في المشهد.. أو يدفع اليمن للإفلات من الحصار صعودا على جثث الحوثيين.