فوق القانون أم أكبر من الدولة؟.. رئيس حي الأزبكية والإدارة على طريقة «التنابلة»
الخميس، 26 يوليو 2018 01:00 م
إذا تحدثنا عن اختصاصات عمل رؤساء الأحياء، خاصة فى ظل بناء الدولة الحديثة التى يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، التى تضع التطوير والتنمية والاسثمار والتقدم الحضارى على رأس أولوياتها، فإنها تشمل كل ما يحدث بشوارع وطرق الحى، إلى جانب دوره الرئيسى فى حل مشكلات الفوضى والزحام والمخالفات والإشغالات، بالإضافة لمسئوليته المباشرة عن أعمال الحفر والرصف والنظافة، حيث إن وظيفته الأساسية تتعلق بتسهيل تقديم الخدمات، وإدارة كل ما يتعلق بالأمور التنفيذية ومراقبة الأسواق، والتنسيق بين الإدارات المختلفة.
من الضرورى أن يشعر المواطن داخل الحى الذى يعيش فيه، بما يقدمه رئيس الحى من خدمات وإصلاحات وحملات رقابية على أرض الواقع، حيث إن قوة شخصية رئيس الحى يستمدها من خلال تنفيذه القانون دون استثناء لأحد، وإن كان لابد فعليه الضرب بيد من حديد لإزالة المخالفات بجميع أشكالها، وأن تكون خدمة المواطن على رأس أولوياته، ولذلك فإن اختيار رؤساء الأحياء والمدن يجب أن يكون مبنيا على إمكانياتهم وقدراتهم فى الإدارة، إلى جانب ما حصلوا عليه من خبرات علمية وعملية.
فى قلب القاهرة، يقع «حى الأزبكية» أحد أقدم وأعرق أحياء العاصمة، والذى أنشئ أواخر القرن الرابع عشر أثناء حكم دولة المماليك، وازدهر فى حكم الخديوى بعد إنشاء «القاهرة الخديوية»، وهو أحد الأماكن التراثية التى تتميز بأبنيتها وشوارعها التاريخية ذات الطراز المعمارى الفريد، ولا ينسى ميدان الأزبكية فترة دخول نابليون مصر عام 1798م، حيث أراد كسب ود الشعب فبدأ فى تعلم مبادئ الدين الإسلامى، حيث تردد على دارة الخليل البكرى بميدان الأزبكية، ليدرس على يديه القرآن الكريم، ويتلقى دروساً فى آداب الإسلام وشرائعه، ثم اتخذ لنفسه دارًا فيها.
من ميدان الأزبكية خرجت جماهير القاهرة فى عصر يوم 13 مايو عام 1805م، لتنادى بمبايعة محمد على أميرًا على مصر، بدلا من الحكم العثمانى الذى عانى منه الشعب المصرى، وبعد تولى محمد على الحكم، اختار ميدان الأزبكية، ليكون قلب العاصمة الجديدة، وأقام فيها حتى تعرض لمحاولة اغتيال على يد الجنود الأرناؤود، ما دفعه إلى صعود قصره فى قلعة الجبل، ولكن ظلت الأزبكية مسكنا للطبقة العليا، ما أكسبها أهمية متزايدة مع مرور الوقت، حيث أصبحت مركزا للطبقة الحاكمة ومكانا يمتلئ بالفنادق والمتنزهات.
بعد حريق القاهرة فى 26 يناير عام 1952م، طرأت على الأزبكية عدة تغيرات، حيث تم نقل مكاتب شركات الطيران إلى ميدان التحرير، وتقسيم الميدان إلى أربعة أماكن تضم حاليا مبنى البنك المركزى الجديد، وجراج الجمهورية، ومبنيين تابعين لوزارة الشئون الاجتماعية والتأمين الصحى، أما حديقة الأزبكية فقد قسمت وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا الشهير، كما اخترقها شارع 26 يوليو، فقسمها إلى قسمين أيضا.
وفى الفترة الأخيرة، تحولت الأزبكية هذا الجزء الهام والحيوى جدا فى وسط القاهرة، إلى أسوأ حالتها، حيث المظهر السيئ للعقارات التاريخية التى تحولت لمخازن وورش مخالفة، إلى جانب انتشار ظاهرة الإشغالات بجميع شوارع الحى التاريخية، وكثرة محال المأكولات والمشروبات المخالفة، بالإضافة إلى تلك التى تزاول أنشطة تم حظر إصدار التراخيص لها منذ 20 عاما تقريبا، وفى كل الطرقات ستجد المقاهى والورش والمخازن التى حولت عقارات الحى التاريخية إلى قنبلة موقوتة.
ورغم ما أعلنه محافظ القاهرة من خطط للحفاظ على "القاهرة الخديوية" وإعادة تطويرها مرة أخرى، إلا أن الإهمال والتقصير دائما ما يحول الجمال إلى قبح، وخير مثال على ذلك، هو الإهمال وانعدام الرقابة والمسئولية، وتفشى الفوضى والعشوائية بميدان الأزبكية، حيث يمتلئ بالمخالفات وإشغالات الباعة الجائلين ليل نهار ما يجعله الأكثر ازدحاما بين ميادين العاصمة، ورغم كل الجهود المبذولة للسيطرة على الفوضى والإهمال، إلا أن ذلك أصبح أحد مظاهر ذلك الحى التاريخى.
المسئولية هنا تقع على عاتق رئيس الحى الذى يملك كافة الصلاحيات، ولكنه لا يستخدمها بسبب تراخيه الزائد عن الحد والوصف أيضا، ولمن لا يعرف من هو رئيس حى الأزبكية، نوضح أنه اللواء محمد صبرى عبده، حاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية سنة 1989، ثم حصل على بكالوريوس التجارة سنة 1998، ودبلومة الدراسات الإسرائيلية 2007، وشغل منصب رئيس حى دار السلام لمدة تزيد عن عام، قبل أن يتم نقله رئيسا لحى الأزبكية.
ورئيس حى الأزبكية اللواء صبرى عبده سليمان، كل خبراته فى الإدارة المحلية هى رئاسته لحى دار السلام، والتى لم يحقق فيها أى نجاحات أو إنجازات على أرض الواقع، وكان إنجازه الوحيد للأسف الشديد هو التغاضى عن مخالفات بالجملة لإحدى الشركات التى كانت تمثل خطرا على الأمن القومى لمصر، حيث استغلت استطلاعات رأى للتعرف الحالة الاقتصادية للبلاد، حيث تم إغلاقها وإحالة المسئولين عن إدارتها للنيابة العامة.
أهم إنجازات رئيس حى الأزبكية تتمثل فى انتشار مخالفات البناء، وإنشاء أبراج سكنية على أراضى الدولة، وتفشى ظاهرة إشغال الطريق والأمكان العامة، وانتشار الباعة الجائلين فى كل أرجاء الحى، حتى أنهم تركوا أماكنهم بميدان أحمد حلمى ليحاصروا الأزبكية، بسبب الغياب التام لرقابة رئيس الحى ومعاونيه، وأصبحت الأزبكية مرتعا وبؤرة من الفوضى والإهمال، وكل ما ينقصها الآن هو عربات الكارو والحمير والبغال التى تملئ حى دار السلام بفضل « اللواء صبرى».
رئيس حى الأزبكية نجح بإهماله وقصوره الوظيفى وامتناعه عن تنفيذ القانون، فى ترك المقاهى المقاهى المخالفة والعشوائية أيضا تهدد العقارات التاريخية بالحرائق والانهيارات، والغريب أنه يمر يوميا بعدة أماكن داخل الحى حتى يصل مقر عمله، ولكنه لم يحرك ساكنا نحو مواقف السيرفيس التى انتشرت فى أكثر من مكان، ولا إهمال وفوضى السائقين الذى استفحل ليعم المنطقة، ولم يرى أيضا تلك الإعلانات المخالفة التى تشوه جدران العقارات التاريخية المطلة على ميدان الأزبكية.
اللواء صبرى عبده، لم يكلف نفسه أو أحد معاونيه لبحث موقف الأكشاك المخالفة وغير المرخصة التى أصبحت أحد معالم الحى، حيث تنتشر بجميع مداخل العقارات التاريخية، ما يضر بمظهرها الحضارى، ويبدو أنه لم يرى الإهمال المحيط بمقر عمله، حيث إن الإشغالات وأعمال الحفر التى تعانيه منها الطرق خاصة بمحيط مبنى رئاسة حى الأزبكية فى القللى أصبحت «على عينك يا تاجر»، ولكن رئيس الحى يعيش فى عالم آخر وكما يقول المثل الشعبى فهو «ودن من طين والتانية من عجين، وبات لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.
الإهمال والفوضى وانعدام المسئولية أصبحت جميعها أهم معالم الأزبكية، فتجد مخازن الفجالة العشوائية التى تهدد تلك المنطقة التاريخية بالحرائق، مخالفة وبها مواد شديدة الاشتعال، كما هو الحال بشارع كلوت بك الشهير، فتجد مخازن وورش ومصانع إنتاج الحلوى التى تنذر بكارثة حقيقية حال استمرار السكوت عنها، إلى جانب عربات المأكولات التى تحتل الأرصفة غير المرصوفة بالأساس، إلى جانب الباعة الذين يفترشون جميع الأماكن، نظرا لانشغال رئيس الحى.
المسئول عن كل ما يحدث بتلك المنطقة الأثرية التاريخية التى هى أحد أهم أركان القاهرة الخيديوية هو اللواء صبرى عبده رئيس حى الأزبكية، والذى قال عنه اللواء محمد أيمن عبد التواب نائب محافظ القاهرة: «تعشمت فيه خيرا ولكنه خيب ظنونى»، مشيرا إلى أنه خيب كل الظنون وخلف كل التوقعات، مضيفا: «كنت متعشم فيه خير بعد نقله من حى دار السلام، ولكنه خيب أملى فيه».
كل ما سبق رصده من مظاهر إهمال وفوضى وعشوائية وانعدام للرقابة وغياب دولة القانون يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات التى يحتاج جميعها إلى إجابات شافية وسريعة أيضا، أهما من المسئول عن عدم التزام رئيس حى الأزبكية بمهام عمله الأساسية؟ ولماذا السكوت على هذا الإهمال الوظيفى الصارخ والواضح أمام الجميع؟ ومتى يتم التحقيق فيما يحدث على أرضى ذلك الحى التاريخى؟ وهل هناك أسباب حقيقية لترك بقعة تاريخية فى قلب العاصمة للتدمير والخراب؟
اقرأ أيضا:
«جمهورية السواقين».. متى يشعر المواطن بالراحة والأمان أثناء «ركوب الميكروباص»؟
أخطر أنواع المخدرات على الأمن العام.. كيف يتحول متعاطى الـ«فلاكا» إلى مصاص دماء؟
القانون وحده لا يكفي لردع الجناة.. كيف نحمي أطفالنا من التحرش والاغتصاب؟