«طول ما المغفل موجود يبقى النصاب بخير».. كيف تستثمر أموالك بعيدا عن المستريحين؟
الأربعاء، 25 يوليو 2018 05:00 م
«المستريح» هو لفظ أو لقب يطلق على النصاب ذو المواصفات الخاصة، حيث يستطيع الاستيلاء على أموال المواطنين بكل سهولة ويسر، ودون أى ضمانات أيضا، وقد شهدت مصر ظهور العديد من «المستريحين» خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، ولعل أشهر المستريحين حتى الآن "أحمد المستريح" النصاب الذى عرف باسم «ريان الصعيد»، وتم القبض عليه بتهمة النصب والاستيلاء على ملايين الجنيهات من المواطنين فى يونيو 2015.
من هم المستريحين؟
لا تخلو صفحات الحوادث بمعظم الصحف يوميا من أخبار المستريحين، وخلال الأيام القليلة الماضية، ألقت قوات الأمن على عدد كبير منهم، ففى القليوبية تم ضبط مستريح ببنها استولى على 30 مليون جنيه من أموال المواطنين بزعم توظيفها فى مشروع وهمى، وبدأت القصة ببلاغات من الضحايا للشرطة مفادها تعرضهم للنصب على يد أحد الأشخاص بدعوى توظيف أموالهم، وأنه جمع 30 مليون جنيه وهرب، وبالتحرى تبين أنه "ق. ك" مقيم منطقة أتريب منذ عام، وأنه أوهم جيرانه وبعض المواطنين بتوظيف أموالهم فى عدة مشروعات بنسبة فائدة أكبر من البنوك، فتولت النيابة التحقيق.
وفى محافظة البحيرة، ألقت قوات الأمن القبض على الحلاق المعروف بـ«مستريح مستحضرات التجميل» الذى استولى على 14 مليون جنيه من 5 مواطنين بزعم توظيفها فى مجال استيراد مستحضرات التجميل مقابل أرباح شهرية، وفى البلاغ المقدم للشرطة أكد الضحايا أن المتهم استولى على أموال آخرين بينهم شخصيات عامة وأبناء عائلات كبرى لم يتقدموا ببلاغات ضده، مشيرين إلى أنه استولى منهم على ما يزيد عن 120 مليون جنيه بزعم توظيفها مقابل أرباح بنسبة 10% من إجمالى رأس المال، ولم يلتزم.
كيف يستولى المستريحين على أموال الضحايا؟
وفى الجيزة، تمكنت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، من ضبط مدير وشريك بشركة توريدات ومقاولات عامة مقيم بالهرم، وشريك متضامن بذات الشركة مقيم بالعجوزة، بعدما استوليا على 7 ملايين جنيه من مواطنين بزعم توظيفها فى مجال الدعاية والإعلان مقابل نسبة من الأرباح، والتزامهما بسداد الأرباح لفترات زمنية مختلفة، إلا أنهما عقب ذلك امتنعا عن سداد الأرباح، أو رد أصل المبالغ للضحايا، واعترف المتهمان بالنصب على الضحايا، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهما.
وفى الإسكندرية، نجحت مباحث الأموال العامة فى ضبط مالك شركة استيراد وتصدير، وزوجته، لنصبهما على عدد من المواطنين، والاستيلاء منهم على أكثر من 4 ملايين جنيه بزعم توظيفها، فى مجال تجارة الإكسسوارات الحريمى مقابل نسبة ربح قدرها 20% كل 3 أشهر، إلا أنهما التزما بالفائدة المتفق عليها لفترة، ثم انقطعا وتهربا من الضحايا، وبمواجهتهما اعترفا بارتكابهما الواقعة، وباشرت النيابة التحقيقات.
لم يخلو الصعيد أيضا من المستريحين، حيث تمكن ضباط الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة مؤخرا من ضبط مدير وشريك بشركة للاستثمار العقارى فى سوهاج، بعد استيلائه على 8 ملايين جنيه من 3 أشخاص، بزعم توظيفها فى تجارة الأراضى والعقارات، نظير أرباح شهرية، وقبل ذلك بفترة كانت الأجهزة الأمنية ألقت القبض على «مستريح قنا» الذى جمع نحو 20 مليون جنيه من أقاربه وجيرانه، بزعم توظيفها فى مجال العقارات والأراضى مقابل أرباح شهرية، ثم هرب بالأموال بعد تعثره فى السداد.
كيف تكونت دولة المستريحين؟
أصبح المستريحون يشكلون دولة داخل الدولة، حيث يستغلون ضعاف النفوس وأصحاب الأموال الطائلة والراغبين فى تحقيق الثراء السريع، فى تحقيق أطماعهم من جمع للأموال ومن ثم الهروب بها، خاصة فى ظل قانون يحاسب هنا على الجريمة الواقعة على الضحايا وهى «النصب» والتى لا تتعدى عقوبتها الحبس 3 سنوات، حيث يتشكل الركن المادى للجريمة فى ايهام المجنى عليهم باستعمال صفة كاذبة أو مشروع وهمى للاستيلاء على أموالهم، حيث اشترط المشرع فى الركن المعنوى للجريمة أن تتجه إرادة الجانى إلى استعمال وسائل احتيالية للاستيلاء على أموال الضحية كما نصت عليه المادة 336 من قانون العقوبات.
استطاع المستريحون أيضا التطوير من أنفسهم وتوسيع دولتهم لتتعدى البسطاء وغير المتعلمين، وأصبحت خطورتها تكمن فى استقطاب أصحاب الياقات البيضاء من الأطباء والصيادلة والمهندسين والإعلاميين والمحاسبين والمدرسين، وغيرهم من علية القوم، من الذين يجرى ريقهم وراء وعود المكسب السريع، هؤلاء الذين كانوا مثالا لغيرهم فى استخدام العقل والتفكير المنطقى تحولوا لآداة يجلب من خلالها النصابون زبائنهم بكل سهولة ويسر، حيث يثق الناس فى ذلك النصاب الذى يكون هؤلاء من بين ضحاياه أو عملائه كما يطلق عليهم، ومن ثم يجمع أكبر قدر ممكن من المال دون عناء أو مشقة.
أسباب وقصص كثيرة وراء «دولة المستريحين» التى تمتد من الإسكندرية حتى أسوان، وتتفرع مع النيل فى الدلتا لتشمل جميع أنحاء الجمهورية، حيث تنوعت الطرق الاحتيالية والأساليب الوهمية التى يلجأ لها النصابون لجمع الأموال من ضحاياهم الذين يجرى ريقهم وراء وعود المكسب السريع، فى حين أن أى تفكير منطقى يجعل الشخص على بينة من أمره أنها مجرد أكاذيب، ورغم سيل الأخبار اليومى عن هؤلاء النصابين على صفحات الحوادث، إلا أنهم مازالوا يجمعون الأموال ويهربون، وما زال المثل الشعبى الذي يقول «طول ما المغفل موجود يبقى النصاب بخير» يتحقق رغم ما يبذله الإعلام لتنبيه المواطنين من هذه الظاهرة الخطيرة.
تنوع ضحايا المستريحين
دولة المستريحين لها نطاقها الممدود عبر المدن والقرى بجميع المحافظات، ولها أولوياتها وأساليبها وبنيتها الأساسية من أعمال تتعلق بالمشروعات الوهمية والأفكار الغريبة لجمع المال بشكل سريع، كما أن لها اقتصادياتها وبنوكها كأى دولة حقيقية، حيث إن ما يجمعه هؤلاء النصابين من ملايين يقف حائلا أمام الاقتصاد الرسمى للدولة، حيث إنه كالسوق المصرفية الموازية، أى أنه سوق سوداء لجمع المال تعرقل أنشطة الدولة الرسمية، وتزيد من حد التضخم، ما يؤثر على الاقتصاد القومى للبلاد.
ولخطورة انتشار الظاهرة على المجتمع والدولة إلى حد سواء، يقدم الخبراء مجموعة من النصائح التى قد تحمى المواطنين من الوقوع فى «فخ المستريحين»، منها عدم التعامل مع شركات توظيف الأموال غير المرخصة، وغير الخاضعة للشروط التى ينظمها القانون، إلى جانب اللجوء للبورصة حال الرغبة فى اسثمار الأموال فهى تستوعب صغار المودعين وبامتيازات جيدة، أو حفظ تلك الأموال فى البنوك والمؤسسات الاقتصادية الرسمية بنسب فائدة قانونية ومضمونة.
وبدلا من اللجوء إلى المستريحين يمكن إيداع المواطنين أموالهم فى المؤسسات الاقتصادية الرسمية، حيث يؤكد الخبراء أن ذلك يحققق العديد من الفوائد، مثل إنعاش الاقتصاد الوطنى، وخلق العديد من المشروعات الاستثمارية، وتوفير فرص عمل للشباب، بالإضافة لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ما يحقق انتعاش للصناعة المحلية، وخفض قيمة الموازنة العامة.
نصائح لعدم الوقوع فى فخ المستريحين
هناك طرق أخرى للاستثمار بعيدا عن «دولة المستريحين»، مثل الاستثمار فى العقارات فهو سوق مفتوح وواسع جدا وآمن أيضا، فأنت تصنع نفسك لا بيد آخرين، كما يمكن الاسثمار فى مجال بيع وشراء الأراضى، أو من خلال التجارة، وهناك طرق رسمية عدة للحفاظ على الأموال والحصول على فائدة مرتفعة بشكل دورى سواء شهرية أو سنوية، وذلك من خلال الودائع والشهادات البنكية سواء بالجنيه أو الدولار، فهى تحقق أرباحا مضمونة وتحافظ على أصول الأموال بضمان البنك المركزى المصرى، على خلاف النصابين.
ويحذر الخبراء من الانجراف وراء الوعود الوهمية والكاذبة، ومزاعم تحقيق الأرباح الطائلة والسريعة التى يستخدمها «المستريحون» فى إقناع المواطنين للاستيلاء على أموالهم بكل سهولة ويسر، ويؤكدون أن الأموال المنهوبة فى الغالب لا تعود لأصحابها حتى فى حالة رفع دعوى قضائية، لذلك على الناس إعادة التفكير قبل الوقوع فى الفخ، والندم حيث لا يفيد.
اقرأ أيضا:
«جمهورية السواقين».. متى يشعر المواطن بالراحة والأمان أثناء «ركوب الميكروباص»؟
أخطر أنواع المخدرات على الأمن العام.. كيف يتحول متعاطى الـ«فلاكا» إلى مصاص دماء؟
القانون وحده لا يكفي لردع الجناة.. كيف نحمي أطفالنا من التحرش والاغتصاب؟
بعد ضبط 10 كيلو من «الأيس» بالمطار.. لماذا يعتبر الـ«شابو» أخطر أنواع المخدرات؟