كم هي قيمتك؟

الثلاثاء، 24 يوليو 2018 05:59 م
كم هي قيمتك؟
د.مهند خورشيد يكتب :

توقفت أثناء متابعة فعاليات كأس العالم أمام ظاهرة كثيراً ما تتردد في المنافسات الرياضية، وهي أنك تجد مشجعي فريق معين، بما في ذلك الصحافة والرأي العام، يرفعون من قدر لاعبي هذا الفريق ولا يبخلون عليهم بكثرة المديح طالما هم يحققون الفوز، أما في حالة الخسارة فسرعان ما تتوالى الانتقادات والشتائم على نفس اللاعبين الذين كنّا نمتدحهم قبل أيام أو حتى ساعات. 
 
ما الذي تغير فجأة فانقلب المديح ذماً؟ الفريق هو نفسه لم يتغير، واللاعبون لم يتغيروا، الذي تغير هو النتيجة. حين فاز الفريق فهو بذلك قد حقق وظيفته التي من أجلها شارك في كأس العالم، وأما خسارته فهي تعني الإخفاق في تحقيق وظيفته.
 
لقد توقفت عند هذه الظاهرة وتذكرت علاقاتنا الإنسانية فتساءلت في نفسي، أليست هذه الظاهرة ذاتها هي التي تحكم هذه العلاقات بيننا؟ 
انظر مثلاً إلى علاقة الكثير من الآباء والأمهات بأبنائهم وبناتهم، وهنا أتذكر أحدهم الذي جاء من إحدى البلاد العربية ليدرس في ألمانيا فاشتكى لي يوماً أن والده لا يتصل به إلا ليسأله عن نتائج الامتحانات، فإن كانت إيجابية تتماشى وتصورات والده، أخبره كم هو فخور به وكم هو شاكر لله على هذا الابن البار المثابر المجتهد، وإن كانت النتائج غير ذلك، ارتفع صوت والده غاضباً مخبراً ابنه كم هو خجول بمثل هذا الابن الكسول مشتكياً لله لماذا لم يرزقه بابن مجتهد. 
 
الزوج يثني على زوجته إذا أعجبه الطعام الذي طبخته، وإلا وجه لها اللوم والانتقاد، والزوجة تثني على زوجها إذا كان مرتبه عالياً وتنتقده وربما تنتقد حتى رجولته إذا كان المرتب تحت توقعاتها.
 
وكلنا قد مرت عليه تجارب عديدة اكتشفنا من خلالها كثرة الأصدقاء حين كنّا قادرين على إعطائهم ذلك الذي أرادوه منا ومساعدتهم في تحقيق مصالحهم، وقلة الأصدقاء حين ذهبت المصالح.
 
كل هذه التجارب التي نسمع عنها أو نعايشها بأنفسنا تلتقي في أمر واحد، وهو اختزال الإنسان ليصبح مجرد وظيفة، نكرمّه إذا حققها ونذمّه إذا أخفق في تحقيقها. 
 
الرجل الذي يقول لزوجته مثلاً: أنا أحبك لأنك جميلة، جعل علاقته بها محكومة بوظيفة الجمال، لأنه قال لها بعبارة أخرى: سأتوقف عن حبك إذا ذهب جمالك. ويمكننا أن نعمم أن كل علاقة مبنية على مبدأ: أنا صديقك، أو أنا أحبك، أو أنا فخور بك، لأَنِّي بحاجتك، فهي علاقة توظيف للآخر وليست علاقة صداقة أو حب حقيقية. لكن توظيف الإنسان يجعل قيمته محكومة بمصالحنا، وهنا تكمن المشكلة، حيث يفقد الإنسان قيمته لذاته. 
 
لقد تعلمنا من القرآن الكريم غير ذلك، تعلمنا: "ولقد كرمنا بني آدم"، تكريم الإنسان يعني أنه مكرم لذاته، لأن الله أراد الإنسان بما هو إنسان وأمر الملائكة أن يسجدوا له بما هو إنسان. أما اختزال الإنسان إلى وظيفة، فهو نزع الإنسانية عنه، لأننا نعامله حينها على أنه شيء. 
 
لقد أكد الفيلسوف الألماني كانط في كتابه عن ميتافيزيقا الأخلاق على أن قيمة الإنسان تكمن في كونه ذاتاً لعقل أخلاقي عملي، فهو غاية في ذاته، لأنه ذات عاقلة أخلاقية حرة، وليس مجرد وسيلة يستخدمها الآخرون لتحقيق مصالح خاصة بهم. 
 
لكن من هو ذلك الإنسان الذي كرمه الله؟ إنه الإنسان الذي كرّم أخاه الإنسان ولم يجعل منه غاية، أو يمكننا أن نقول مع كانط أن الإنسان المكرم هو ذلك الذي يتصرف وفق القاعدة الأخلاقية التالية: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك كغاية، وليس مجرد وسيلة بتاتا". 
 
كم نحن بحاجة أن نفصل بين مصالحنا وبين تقديرنا للآخر وتكريمنا له، وكم نحن بحاجة إلى تكريس قيم الإنسانية خاصة وقبل كل شيء في تعاملنا في بيوتنا كي تصبح ثقافة: "ولقد كرمنا بني آدم" هي القانون الذي يحكم علاقاتنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة