العراق في مفرق طرق
الأحد، 22 يوليو 2018 12:46 م
خروج العراقيين بكل طوائفهم في الشوارع مطالبين بحقوقهم الآدمية المشروعة، متخطين حواجز المذهب والعرق والانتماءات، أمر قد يعيد رسم ملامح الشرق الأوسط من جديد، لما للعراق من مكانة جيوسياسية وإرث إنساني أثّرا ويؤثّران على جيرانه في الشرق الأوسط.
وتيرة تطور انتفاضة العراقيين التي بدأت برفض حالة تردي الخدمات، النابعة من الفساد المستشري في أوصال الجهاز الحكومي العراقي، التي سرعان ما تحوّلت إلي تمرد على الأوضاع السياسية وسيطرة الأحزاب صاحبة الأجندات الحمراء، تشير إلى حالة نضج واعٍ لدي المواطن، عرف منها أن مشروع الدولة الدينية، حتى وإن كان تحت غطاء من الديمقراطية المدنية، هو بمثابة سرطان ينهش ما تبقّى من جسد العراق الهزيل.
واضح أن العراقيين قرروا الخروج من عباءة الكهنوت التي طوقتهم عقودا، والهويات الدينية والقومية التي تحكمت في مسار حياتهم، اليوم تلك العوامل أصبحت هشه وضعيفة، ولا تصلح لأن تكون مرجعية للحياة، فبعد تجربتهم مع داعش والحشد الشعبي، التي أيقنوا خلالها أن المذهبية لن تأتي إلا بالتطرف والقمع والوصاية، كما أتاحت الفرصة لدول ذات مطامع توسعية، ورسمت مصير العراق بما يتفق مع مشروعها، فإن الحل الوحيد في عراق متحرر من كل أدران العصور الوسطى وخيالاتها المريضة التي أسقطت الشرق الأوسط في هوّة زمنية وقفت معها عقارب الساعة عن التحرك للأمام.
مشهد ارتباك القوى السياسية في الداخل العراقي، وغياب أية رؤية واضحة وحقيقة تلبي مطالب المتظاهرين، وهروب مئات منهم منذ اندلاع الاحتجاجات، والزج بالقبضة الأمنية لاعتراض كرة الثلج، كحل أخير ووحيد، تخلق فرصة ذهبية لتغيير خريطة المجتمع العراقي، من مجتمع تمزقه التعددية إلى مجتمع متامسك قوامه المواطنة والقانون، وبدلًا من أن يحكم من الحوزات الدينية ودهاليز إيران وتركيا، يمكن أن يكون الحكم عراقيا خالصا.
لا أنكر قلقي من أن يكون الحراك الحاصل في العراق فرصة لجماعات التطرف لأن تنشط مرة أخرى، مع الفراغ السياسي الذي ينتظر المشهد، وانهيار السلطة المتآكلة بالفعل، لكن الرهان الأخير هو الموروث الحضاري لدى العراقيين، وتطلعهم للحداثة ومدنية الدولة، وهو ما يمكن أن يكون صخرة تتحطم عليها كل هواجس الأيديولوجيات التي دمرت حياتهم وأحلامهم، وأن يبني العراقيون من حطامها جسرًا قادرا على أن ينقلهم وينقل بلدهم للمستقبل.