جَني أرباح أم أموال ساخنة؟.. سر خسارة البورصة المصرية 140 مليار جنيه في 3 شهور
الأحد، 22 يوليو 2018 02:00 محازم حسين
في أبريل الماضي سجل رأس المال السوقي للبورصة المصرية ما يتجاوز تريليون جنيه، في مستوى قياسي لم تسجله البورصة من قبل، ولكن في الشهور التالية مُنيت السوق بخسائر كبيرة.
منذ نهاية أبريل الماضي حتى الآن خسرت البورصة المصرية حوالي 140 مليار جنيه، ليتراجع رأس المال السوقي من تريليون و7 مليارات جنيه إلى 867 مليار جنيه، إضافة إلى تراجع المؤشر الرئيسي (إيجي إكس 30) من أعلى مستوياته عند 18600 نقطة في 28 أبريل الماضي إلى 15416 نقطة مؤخرا.
مال ساخن أم جَني أرباح؟
التصوّر الأول للأمر قد يتجه إلى أن السبب وراء الأمر هو تدفقات المال الساخن التي تراجعت مؤخرا وقررت الخروج من السوق، خاصة مع ضخامة الرقم واقتراب متوسط الخروج اليومي من ملياري جنيه، لكن تصورا آخر قد يشير إلى أن الدافع لهذا التراجع هو عملية جني أرباح من المتعاملين بعد فترة طويلة من الازدهار، ما يُعني أن السوق قد تكون بصدد التعافي خلال الفترة المقبلة.
يمكن إعادة الأمر بصورة ما للحرب التجارية المشتعلة بين الولايات المتحدة والصين، وتوفر فرص إيجابية في أسواق المال الأوروبية والآسيوية، بجانب المخاوف المتصاعدة في أوساط المستثمرين، وتوجيه السيولة المالية إلى ملاذات بديلة، سواء عبر سندات وأذون الخزينة الأمريكية التي تلقت دفعة إيجابية كبيرة برفع سعر الفائدة على الدولار، أو بشراء كميات من الذهب في فترة التراجع التي يشهدها، ما يجعله استثمارا مباشرا من المتوقع أن يشهد قفزات إيجابية في الفترة المقبلة.
الأسواق الناشئة ضحية الحرب
اضطرابات الأسواق الناشئة إقليميا وعالميا بطبيعة الحال يدفع حصة من رؤوس الأموال للتحفظ، والخروج من السوق جزئيا، وفيما يخص تحولات سوق المال المصرية خلال الفترة الماضية فالأمر يرتبط بمنظومة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة في السنوات الأخيرة، وإجراءات التقشف الهادفة للنزول بمستويات العجز التجاري، وملف ترشيد الدعم.
منذ إعلان حزمة أسعار الوقود الجديدة وترشيد مخصصات دعم الطاقة خلال الشهر الماضي، تصاعدت حالة الترقب في أسواق المال، وتوقف المستثمرون عن ضخ مزيد من الأموال في الأسواق انتظارا لاتضاح الصورة والتماس ما ستسفر عنه الإجراءات الأخيرة وأثرها على أداء الشركات المدرجة في البورصة، وعلى التجارة الداخلية ومعدلات التضخم.
بجانب النقاط السابقة فإن تقدّم الدولار في الفترة الأخيرة، مدفوعا بزيادتين في سعر الفائدة، مع تأكيد جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) استعدادهم لتحريك الفائدة مرتين أخريين في العام الجاي وثلاث مرات في العام المقبل، ضغط على أسواق المال في الأسواق الناشئة، بتعميق الفرص والعوائد التي يمكن تحقيقها من خلال الاستثمار في أذون وسندات الخزانة الأمريكية.
سعر الفائدة يضغط على سوق المال
ما زالت البنوك منافسا صعبا وضاغطا على سوق المال، فرغم قرار البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة على الإيداع والإقراض ثلاث مرات خلال الشهور الأخيرة، إلا أنه قرر تثبيت سعر الفائدة في آخر ثلاث اجتماعات، سعيا لامتصاص السيولة من السوق وتقليل آثار معدل التضخم، لتظل الفائدة الحالية عند مستوى مرتفع ويشكل استثمارا مغريا لكثير من رؤوس الأموال، قياسا على ما يمكن تحقيقه من عوائد عبر الاستثمار في سوق المال، وهو ما حدّ من قدرة البورصة على الصعود.
كذلك ينتظر كثيرون من المستثمرون البرنامج الذي أعلنته الحكومة مؤخرا بشأن طرح عدد من الشركات العامة للتداول في البورصة، في إطار تقليص ملكية الحكومة وإشراك المجتمع الاستثماري في الملكية وتدبير موارد لإعادة هيكلة هذه الشركات وتطويرها وضخ مزيد من الاستثمارات العامة، وهذا الانتظار دفع كثيرين من المتداولين لتسييل حصة من محافظهم والاحتفاظ بالسيولة ترقبا للطروحات الحكومية وما تتضمنه من فرص اسثمارية.
العوامل السابقة ربما تشير إلى أن الانخفاض ناتج عن حزمة من العوامل، الداخلية والخارجية، ربما تشمل أيضا الاتجاه التصحيحي بعد فترة طويلة من الصعود المتواصل، بشكل يدفع كثيرين لجني الأرباح، ويدفع السوق نفسها للتصحيح عبر إعادة الانتعاش للأوراق المالية وتوفير طلب متنوع عليها في مستويات أسعار مختلفة، بجانب استقطاب مزيد من المستثمرين عند مستويات أسعار مغرية بالقدرة على الصعود وتحقيق مكاسب.
الانتعاش الطويل يقود للتراجع الحاد
يمكن اعتبار أن فترة الانتعاش الإيجابية كانت سببا مباشرا في التراجع، فالسوق ظلت في المسار التصاعدي عدّة شهور حتى سجل رأس المالي السوقي مستوى قياسيا عند مستوى تريليون و7 مليارات جنيه، ويمكن القول إنها وصلت للمدى الأقصى الذي يمكن أن تتوازن عنده تطلعات المستثمرين والأفق الإيجابي للورقة المالية، ما يُعني أنها كانت في حاجة لمحفّز إيجابي عبر إدراج شركات جديدة أو إنجاز برنامج الطروحات الحكومية.
النظرة السلبية للتراجع الأخير وخسارة 140 مليار دولار في ثلاثة شهور أمر طبيعي، وربما يتسبب في مزيد من الضغط على السوق خلال الفترة المقبلة، لكن هذا التراجع نفسه يفتح الباب على فرص واسعة ربما تُغري كثيرين من المستثمرين القدامى بالعودة للسوق، أو تستقطب مستثمرين جددا، خاصة أنه يمكن النظر للتراجع باعتباره حركة تصحيح ومؤشرا على الصعود المرتقب وقدرة السوق على تحقيق مزيد من المكاسب.
الأمر بطبيعة الحال سيظل مرتبطا في الفترة المقبلة بآفاق الحرب التجارية المتصاعدة عالميا، ومع أي تهدئة حقيقية، أو توتر جاد ومزعج، فإن الأمر قد يعود بفائدة مباشرة على الأسواق الناشئة، رغم الأداء الإيجابي للدولار والسندات الأمريكية، وتحسن مستوى الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة، إلا أن أي تهديد حقيقي قد يعصف بالآثار الإيجابية لرفع سعر الفائدة، ويدفع حصة من المستثمرين في الدولار للهروب لملاذات أكثر أمنا.
فرص التعافي بعيد المدى
ربما تستغل الأموال الساخنة هذه الفترة من التراجع التصحيحي وتتدفق على السوق المصرية بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، ما يُعني انتعاشة سريعة في فترة قصيرة، لكنها تظل عُرضة للاهتزاز والانتكاسات مع أي قرارات داخلية، أو فرص خارجية، باعتبارها رؤوس أموال حرّة تتحرك عالميا وفق فلسفة عمل سريعة وخاطفة تتحيّن الفرص للمضاربة واقتناص الأرباح.
هكذا يمكن القول إن البورصة المصرية ستستعيد أداءها الإيجابي في الفترة المقبلة، وتبدأ مسيرتها نحو التعافي، ربما يستغرق الأمر فترة طويلة نسبيا حتى تتكشّف الأجواء عالميا فيما يخص الحرب التجارية والفرص الاستثمارية المغرية في أسواق المال الكبرى، لكنها ستتحرك في اتجاه صعودي يكفل لها تعويض خسائر الفترة المقبلة، وسيتطور الأمر بقوة مع إنجاز برنامج الطروحات الحكومية.