صواريخ على السعودية وفتنة في لبنان.. إيران تسعى لتفجير قنبلة الحوثي في بيت العرب
الأربعاء، 18 يوليو 2018 08:30 م
لا تفوّت إيران فرصة للحضور في المشهد العربي، حينما يتيسّر لها أن يكون هذا الحضور مباشرا - كما حدث في سوريا - فإنها تتحرك على الأرض، وإذا عزّ عليها الوجود بنفسها، كان البديل توظيف أذرعها.
الطاقة المحركة لمواقف طهران ورؤاها، ولأطر سياستها الخارجية، هي السعي الدائم للتوسع في الخارطة العربية، وإنجاز مزيد من التغلغل في بنية الدول الإقليمية الكبرى، في ضوء منافسة شرسة، أو عداء تاريخي، تحمله إيران الفارسية الشيعية تجاه المنطقة العربية السنيّة، وهذا ما يحكم أداءها في الملف العراقي الذي تقف وراء كثير من توتراته، ويقود خطواتها على تراب اليمن.
بين طموح كبير لإنجاز مكاسب مباشرة، وخسائر ضخمة تطال الميليشيات الحوثية الشيعية في اليمن يوما بعد يوم، تقف إيران أمام الاحتمال المزعج والتهديد الأكثر خطرا لخططها ومشروعاتها، وهو أن تصحو في صباح أحد الأيام لتفاجأ بأن ذراعها المتمددة في اليمن قد بُترت، وهي المنفذ الأخير لها في منطقة الثقل العربي، وبوابتها المفتوحة على إمكانية إثارة القلاقل في المنطقة وتهديد دولها الكبرى.
خسائر ضخمة ومساعٍ لا تتوقف
النزيف الذي يتكبّده الحوثيون في اليمن يمثل ضغطا مباشرا على إيران، وسعيا للتخلص من هذا الضغط ومعادلة أثره القاسي على الخطط التي تتبناها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، تعيد طهران هندسة صيغة حضورها في المشهد، وتدفع بمزيد من الأوراق على الطاولة، في إطار مناورة جديدة لصبغ الصورة بلونها، وفرض حضورها على قوانين اللعبة.
هكذا تضرب الدولة الشيعية في كل الاتجاهات، تدفع بحزب الله اللبناني للمشهد اليمني الآخذ في الخفوت، وتوجه زعيم الحوثيين للمناورة بإعلان قبوله المبدئي للتهدئة، ثم تدفع الميليشيات في اتجاه التصعيد على محور آخر، واستهداف المملكة العربية السعودية، في توجه يستهدف على ما يبدو إشاعة الفوضى والأجواء الضبابيبة، وخلخلة الموقف العربي، وتحييد المنظمات الدولية والقوى العالمية الكبرى.
هذه الحالة يبدو أنها تحققت جزئيا خلال الأسابيع الأخيرة، فالموقف الغالب على رؤى المبعوث الأممي لليمن، مارتن جريفيث، يبدو منحازا أو هادئا بشكل مبالغ فيه على صعيد التعامل مع الميليشيات الحوثية المتمردة، وفي القوت نفسه يدفع في اتجاه الضغط على الدولة اليمنية ومؤسساتها للقبول باشتراطات وإجراءات للتفاوض تخصم من مكاسب الأرض، وتمنح الحوثيين متسعا من الجغرافيا والوقت الكافيين لمزيد من المناورة.
إيران تناور بعناصر الحوثي
المناورة الإيرانية متعددة المسارات، تجلت مؤخرا في إعلان زعيم الميليشيات الحوثية، عبد الملك الحوثي، موافقة جماعته المبدئية على تسليم إدارة ميناء الحُديدة الذي تسيطر عليه الجماعة منذ العام 2014 لمنظمة الأمم المتحدة، مشترطا لإنجاز هذا الأمر أن تتوقف عمليات التحالف العربي الداعم للشرعية.
"الحوثي" قال في تصريحات حول الأمر، نقلتها قناة "الحرة" الإخبارية الأمريكية، إنه أبلغ المبعوث الأممي مارتن جريفيث بأنه "لا يرفض الدور الإشرافي واللوجيستي الذي تريد أن تضطلع به المنظمة الدولية في إدارة الميناء، بشرط وقف الاعتداءات على الحُديدة".
الموقف الحوثي الأخير يتبناه المبعوث الأممي، الذي قال في وقت سابق إنه يبذل جهودا متواصلة لإنجاز اتفاق ينهي حالة العنف القائمة منذ سنوات، متضمنا أن يغادر الحوثيون ميناء الحُديدة لتتولى الأمم المتحدة الإشراف عليه، وبينما تشترط الميليشيات تحجيم الدور الذي يلعبه التحالف العربي، وينحاز "جريفيث" لهذا الأمر، يرفض الرئيس اليمني وحكومته إخلاء المشهد الداخلي لتُترك الأمور متاحة لمزيد من التوغل الحوثي.
بجانب هذه المناورة الناعمة، ترى إيران أن التصعيد مع المملكة العربية السعودية واستهداف أراضيها قد يكون عاملا حاسما في الضغط على التحالف العربي وتقليص دوره في اليمن، ووفق هذه الرؤية تطلق ميليشيات الحوثي صواريخها باتجاه الأراضي السعودية بين وقت وآخر، وآخرها الأربعاء، إذ أطلقت الميليشيات المسيطرة على محافظة صعدة المتاخمة للمملكة صاروخا باليستيا باتجاه نجران، لكن قوات الدفاع الجوي السعودية نجحت في اعتراضه في سماء المملكة، حسبما أوردت "سكاي نيوز".
الضلع الثالث في المناورة الإيرانية الحوثية، تكشّفت كثير من تفاصيله في الأيام الماضية، مع تقدم الحكومة اليمنية بشكوى رسمية للمنظمات الدولية من تدخل حزب الله اللبناني في الشأن اليمني، لتتناول تقارير صحفية وأمنية لاحقة تفاصيل تدخل الحزب في معادلة الصراع، ودوره في تأمين الدعم اللوجستي والأسلحة للميليشيات الحوثية التي تواجه ضغوطا متصاعدة تحت ضربات الجيش اليمني وقوات التحالف العربي.
نجاحات اليمن تزيد جنون إيران
بات واضحا أن كل نجاح ستحرزه القوات اليمنية والإسناد المصاحب لها من التحالف العربي، ستقابله تحركات إيرانية محمومة لتلافي الآثار الضاغطة لهذه النجاحات، وإعطاء قبلة حياة مؤقتة لرجلها عبد الملك الحوثي وجماعته.
لا ترضى إيران بطبيعة الحال عن تقلص الحضور الحوثي في الحُديدة، أو سيطرة القوات اليمنية على محاور استراتيجية في محيط صنعاء والطرق المؤدية إليها، أو قطع كثير من خطوط الاتصال والإمداد مع صعدة في أقصى الشمال، وأيضا مع التقدم الذي أحرزه الجيش مؤخرا في مديرية "خدير" جنوب شرقي محافظة تعز، بعد معارك ساخنة كبّدت الحوثيين خلالها خسائر بشرية وعسكرية كبيرة.
بحسب مصدر عسكري، نقل عنه المركز الإعلامي للجيش اليمني، فإن قوات الشرعية نجحت في تحرير عدد من المواقع الاستراتيجية، أبرزها الخيامي، والشط، والمشجب، والرصفة، والظبه، إضافة إلى أجزاء من "جعيشان" حتى سائلة، وهو التقدم الذي يُعني مزيدا من القدرة على حصار الميليشيات وقطع خطوط الإمداد عن عناصرها المتمركزة في حيفان والقبيطة.
ضرب خطط الوقيعة مع لبنان
ضمن الاحتمالات القوية لتفسير سبب دفع طهران بحزب الله للمشهد اليمني، بجانب أنها حاولت تعويض غيابها المباشر بعد انتزاع مطار الحُديدة، والحفاظ على خطوط إمداد وتدريب جيدة ومفتوحة مع الميليشيات، أنها سعت أيضا إلى تدويل الصراع اليمني، وتوريط مزيد من الدول فيه، وإحداث فتنة أو وقيعة بين اليمن وبيروت، ووضع لبنان على صفيح ساخن، في ضوء المعارضة اللبنانية الواسعة لخطط وتحركات وأهداف حزب الله، بشكل قد يهدد التوازن الحرج في لبنان.
في خطوة إيجابية مهمة من جانب اليمن، خاطب وزير الخارجية خالد اليماني، نظيره اللبناني جبران باسيل، في محاولة لإخراج المشهد من مربع الميليشيات إلى دائرة الدبلوماسية والمؤسسات الرسمية، معترضا في خطابه ذي اللهجة الجادة على تدخلات حزب الله، وطالبا من الحكومة اللبنانية النظر في أمر الحزب الإرهابي الذي يهدد السيادة اللبنانية، ويخرق ميثاق العمل العربي المشترك، ويلعب دورا مشبوها في دعم خطط إيران التوسعية.
في رسالته هدد "اليماني" بالتصعيد الدولي ضد هذه التدخلات، وفضحها في المحافل العربية والدولية، كما فعل اليمن من قبل بكشف كثير من هذه التفاصيل في أروقة مجلس الأمن الدولي، وعبر بيانات رسمية للحكومة، مشيرا إلى أن "الخطوة التالية ستكون المزيد من التصعيد في إطار الجامعة العربية ومجلس الأمن، لأن المجتمع الدولي قرر إرسال رسائل مباشرة إلى إيران بأن العقوبات سيتم تصعيدها ضد النظام الإيراني وسياسته التوسعية في المنطقة".