مواد زائدة وإجراءات معقدة وعوائق للاقتصاد.. عضو بلجنة العشرة: الدستور يحتاج للتعديل
الأحد، 15 يوليو 2018 09:00 م
لأن الدساتير صناعة بشريعة، يحرص دائماً المشرع الذي يضع مواد الدستور قبل استفتاء الشعب عليها على رسم طريقة تعديلها وإعادة النظر في مواد الدستور، فما يتناسب مع مرحلة قد لا يناسب المجتمع في مراحل أخرى، وما قدر نراه كاملاً قد يعتريه النقصان فيما بعد، وبعد مرور أكثر من 4 سنوات على إقرار دستور 2014، الذي جاء كتعديل لدستور 2012، بعد ثورة 30 يونيو، ظهرت بعض العيوب في عدد من مواده، وأضحى الحديث عن أهمية إعادة النظر فيها، وطرح بعض المواد للاستفتاء على تعديلها ذو أهمية قصوى.
الحفاظ على الدستور يعني كذلك تعديله
في البداية، يقول الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة الإصلاح التشريعي، إن الحفاظ على الدستور، يعني الحفاظ على كل مواده، بما في ذلك المادة 226 منه، والتي تختص بتعديل الدستور. وترسم المادة 226 من الدستور الطريقة التي يتم بها تعديل مادة في الدستور أو أكثر، حيث نص على أنه لرئيس الجمهورية، أو لخٌمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل.
وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا، أو جزئيًا بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.
وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات. إذن كان المشرع على علم باحتمالية إجراء تعديلات على بعض مواد الدستور، فرسم الطريق في سبيل ذلك.
الدكتور صلاح فوزي
ويعلق الدكتور صلاح فوزي، بقوله إن الدساتير صناعة بشرية، وعند وضعها يؤخذ دائما في الحسبان، احتمالية أن يكون قد اعتراها النقصان أو الزيادات التي لا لزوم لها، وأن يُكتشف في وقت لاحق غير ملائمة بعض المواد للوضع اللاحق الذي وضعته فيه، ومن هنا يتم رسم طريقة تعديل مواد الدستور.
ويتكون دستور 2014 من 247 مادة دستورية، وهو عدد ضخم من المواد، لا يحتويها كل دساتير العالم، فنجد الدستوري الأمريكي يتكون 7 مواد فقط، وتم تعديلها وإعادة النظر فيها 27 مرة، فيما يتكون الدستور الفرنسي من 26 مادة، فواضعي دساتير العالم على علم بأن الدستور ليس مكاناً ليحوي كل الأمور التي تسيير عمل الدولة وجميع المؤسسات والهيئات، إنما يتم تركها للقوانين واللوائح.
مواد زائدة حوت أمور ذات طبيعة إدارية
وبتوجيه السؤال للدكتور صلاح فوزي، وهو أحد أعضاء لجنة الخبراء المعروفة بلجنة العشرة، التي وضعت المرحلة الأولى لدستور 2014، أجاب: أن لجنة الخبراء وقتها وضعت تصورها للدستور وسلمت نتاج عملها، وكان التصور يحتوي على 197 مادة فقط، لكنه خرج من لجنة الخمسين فيما بعد بـ247 مادة، حيث أضافت اللجنة التي ترأسها عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، 50 مادة جديدة.
يقول الدكتور صلاح فوزي، أن الدستور الحالي يحوي الكثير من المواد التي أفرطت في التحدث عن الإجراءات والتفاصيل التي مكانها في القوانين وليس الدستور، وعالج بعض الأمور ذات طبيعة إدارية، كما تم وضع مواد لفئات ومهن كثيرة ما كان ينبغي أن يكون مكانها في الدستور مثل الحديث عن خبراء الطب الشرعي وموظفي الشهر العقاري، وهي كلها أمور غير دستورية لم يكن لازما أن يتم وضعها في الدستور.
ومن بين الأمور المعيبة التي يراها الدكتور صلاح فوزي في الدستور الحالي، هو الإفراط في الإجراءات التي تتناقض مع اتجاه تبسيط الإجراءات، والإفراط في وضع الأرقام وتحديد مواعيد في الدستور، مثل تحديد نسبة 10% من الموازنة العامة للصحة والتعليم.
أرقام ومواعيد مكانها ليس الدستور
وتنص المادة 236 على أن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.
يرى فوزي، أن هذه المادة تلزم الدولة بالسنوات العشر، وربما لا تستطيع الدولة تنفيذ ذلك، ولذلك لا يتم وضع أرقام ومواعيد في الدستور إلا لأمر حتمي، وأضاف: لا استحسن وضع أرقام ومواعيد في الدستور، وكنا في لجنة العشرة وضعنا كلمة "كافية" بدلا من تحديد نسب معينة للصحة والتعليم وغير ذلك.
الدستور عائق أمام الاستثمار أحياناً
تأتي المادة 32 من الدستور لتنص على أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. كما تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها. وتعمل الدولة على تشجيع تصنيع المواد الأولية، وزيادة قيمتها المضافة وفقًا للجدوى الاقتصادية.
ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون، ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عاماً. ويكون منح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحات، أو منح التزام المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عامًا بناء على قانون. ويحدد القانون أحكام التصرف فى أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك.
ويعلق الدكتور صلاح فوزي، أن هذه المادة تقف أحياناً عائقاً أمام الاستثمار، وعقبة في تنفيذ المشروعات الكبرى، ففي تسعى لبناء اقتصاد قوي، وفي ظل وجود أهمية قصوى للاستثمار، والدخول في المشروعات القومية العملاقة، تقف مدة الـ 30 عاماً التي حددها الدستور عائقا أمام ذلك.
رئيس مجلس النواب
نظام الحكم أقرب لـ «شبه برلماني»
ويفرق، عضو لجنة الخبراء، بين نظام الحكم الرئاسي وشبه الرئاسي وشبه البرلماني، ويقول، نظام الحكم في دستور 56 كان نظاماً رئاسياً، ثم انتقلنا بدستور 71 إلى نظام شبه رئاسي، حيث شارك البرلمان رئيس الجمهورية في بعض اختصاصاته، واستقل الرئيس بسلطات أخرى، لكن دستور 2014 جعل النظام أقرب لـ «شبه برلماني» فجعل مجلس النواب، يشارك السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية والحكومة في معظم اختصاصاتهم.
ويضرب أمثلة بذلك، فرئيس الجمهورية لا يستطيع إقالة وزير إلا بعد الرجوع لمجلس النواب، ومن الممكن أن يرفض مجلس النواب، ويظل الوزير رغماً عن رئيس الجمهورية.
ويرى كذلك أن المادة الخاصة بفرض حالة الطوارئ تحتاج لإعادة النظر، حيث تنص على أن يعلن رئيس الجمهورية، بعد اخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذى ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه. وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. واذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.
عمرو موسى
وتسائل فوزي، هل كان المشرع وهو يضع هذه المادة كان على علم بأن حالة الطوارئ التي تواجهها البلاد ستنتهي خلال 3 أشهر، حتى يتم تحديدها في مدة 3 أشهر فقط، ونحن أمام حالة حرب مع الإرهاب مستمرة، ويروي الدكتور صلاح فوزي، سابقة لتعديل الدستور حدث في مصر، حينما تم إلغاء دستور 1923، وتم وضع دستور 1930 والذي نص في أحد مواده على حظر إجراء أية تعديلات عليه لمدة 10 سنوات، ومع ذلك في عام 1935، تم وقف هذا الدستور، وأعيد العمل بدستور 1923.
سوابق تعديل الدستور حتى مع الحظر
وينهي أستاذ القانون الدستوري، حديثه بقوله إن الدساتير هي صناعة بشرية، ولا يمكن لجيل أن يفرض إدارته على أجيال أخرى قادمة، وأتذكر حينما تم وضع دستور 2014، كنا نتعرض لضغوط مطالب فئوية، وكان الوضع غير مستقرة، على عكس ما هو عليه حالياً، وهو ما يهيئ ا لإعادة النظر في بعض مواد الدستور. فالظروف الحالية تؤهل لوضع دستور ومواد دستوريه بكل «هدوء».