الجهاد الأمريكانى ؟!

الأحد، 15 يوليو 2018 05:17 م
الجهاد الأمريكانى ؟!
سمير رشاد اليوسفى

كان مُتوقعاً من «السعودية» بعد خلاصها من حركة «جُهيمان» فى 4 ديسمبر1979 أن تُجرى إصلاحات تعليمية وثقافية تستأصل بها شأفة التطرّف وتجفف منابعه، لكى لا تتكرر  حادثة الحرم مُستقبلاً، ولو فى مكان آخر ، وشكل مختلف كما حدث فى تفجيرات 11 سبتمبر2001.
 
إلاّ أنَّ العكس تماماً هو ما حصل، والأرجح أنّ سببه مواجهة الخطر الشيوعى بطلب وتعاون من حُلفاء المملكة، وهو ما أكده ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى رده على أسئلة صحيفة "واشنطن بوست"، ومجلة " اتلانتك " الأمريكيتين خلال شهر مارس وإبريل» الماضيين.
 
اندفع النظام السعودى لتبنى رؤية أمريكية تسربت عبر الأميرين "نايف بن عبدالعزيز" وزير الداخلية حينها، و"تُركى الفيصل" رئيس الاستخبارات العامة وقتها، خُلاصتها استغلال همجية الإحتلال الشيوعى لأفغانستان ومظلومية شعبها البسيط فى تهييج عواطف المُتدينين، بحيث تصبحُ مسرحاً لتفريغ شُحنات التعصب الدينى التى غرستها مدارس "الحديث" فى عقول وقلوب غالبية المواطنين السعوديين، وكثير من العرب والمسلمين، وفى غضون أشهر أصبحت  القضية الأفغانية فى بؤرة اهتمام السعودية من الملك إلى المواطن البسيط.
 
 إيران "الخمينى " دخلت أيضًا معمعة الجهاد الأفغانى، إذ لا يُعقل أن ترفع لواء الثورة الإسلامية، وتتخلى عن شعب تربطها به أواصر القربى والجوار، وثُلث سُكانه من نفس مذهبها الدينى، فى اليمن؛ عاد الشيخ "مقبل الوادعى" إلى بلدته "دمّاج" بشهادة ماجستير فى "أحاديث الدار قطنى" ولغة مشحونة بمفردات اللعن والتكفير ومغلفة بمنهج الجرح والتعديل كرّسها لمواجهة وإضعاف المعجبين بثورة الخمينى، وبعد طرد السفير الإيرانى من "صنعاء" لقى تشجيعاً لنشر المذهب السُنى السلفى فى مناطق الزيدية إضافة لفك التشابك بين إخوان اليمن ورموز الفقه الزيدى الذين أنضوى مئات من شبابهم فى حركة الأخوان المسلمين منذُ أن رعى حسن البنّا ثورة " عبدالله الوزير " ضد الإمام يحيى (عام 1948)، وليس فى الأمر مُبالغة إذا قلنا أنّ معظم قيادات إخوان اليمن، وتجمع الإصلاح حالياً، هُم أبناء لأسر زيدية المذهب.
 
لم يمض وقت طويل على إدارته لـ"معهد علمى" تابعٍ  للإخوان المسلمين، حتى قام الشيخ الوادعى  بتسليمه لوزارة التربية والتعليم، وتأسيس معهد لـ"دار الحديث" توسع لاحقًا إلى قرية كاملة، يؤمها طُلابُ مع أسرهم، من مُختلف دول العالم، و تَوزّع  طلابه بعد سنوات لتفريخ دورٍ مماثلة للحديث فى مختلف أنحاء اليمن، من أبرزهم مدرس مصرى مؤهله ثانوية عامة، وصار شيخاً إسمه " أبو الحسن مصطفى بن اسماعيل السليمانى المصرة"،  مقره فى محافظة "مأرب"، و"محمد الإمام" فى "معبر" محافظة ذمار، و"أبو عبد الرحمن العدنى" فى "الفيوش"، محافظة لحج. 
 
وبعد وفاة الوادعى فى يوليو 2001"، خلفه "يحى الحجورى" فى "دار الحديث" بـمنطقة "دماج"، التى بلغ عدد سُكانها قرابة 17 ألف شخص، بحسب تصريح الناطق باسمهم "سرور الوادعى"، ومع ظهور حركة "الحوثيين"، صار المعهد الذى كان مركزاً للتوثُق من الأحاديث المنسوبة للنبى، مركزًا للتدريب والتأهيل الحربى برعاية شاملة من القائد العسكرى على مُحْسن الأحمر، و قبل أربعة أعوام ونصف تمّ إجلاء حوالى "15" ألف شخص منهم ، باتفاق رعته الرئاسة، وإيعاز من سفيرى بريطانيا والولايات المتحدة، ضمن رؤية رحب بها رئيس الاستخبارات السعودية السابق "بندر بن سلطان" وفقاً لما قاله "عبدربه هادى منصور" لهم، وصورت وسائل الإعلام خروجهم بطريقة عكست الإذلال والتخلى والتردد فى إعادة توطينهم بين أكثر من مكان، فى تعز والحديدة، إيذانًا بظهور مظلومية جديدة لمواجهة قادمة.. من الواضح أنّ اليمن تخوض غمارها فى الوقت الراهن.
 
يؤكد الدكتور "أحمد الدغشى" فى كتابه "السلفية فى اليمن"، الذى ألفه بالاتفاق مع "مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث" فى الدوحة، وصدر عام 2014، أنّ الشيخ الوادعى كان يتلقى دعماً - لم يحدد كيفيته وحجمه - من الشيخ السلفى "ربيع بن هادى المدخلى"، المقرب من النظام فى السعودية، وبعد وفاة "الوادعى"، استمر  "المدخلى" فى دعم خليفته "الحجورى" لسنوات ضد مناوئيه حتى اختلف معه إثر وصفه لثوار (2011) بالخوارج!!، ومعارضته لفتوى الشيخ "صالح اللحيدان" الداعية للثورة على الرئيس السابق "على عبدالله صالح" بسبب ما قاله عن تمكينه لـ"الحوثيين" فى "صعدة" ودفعهم للتجرؤ على حدود السعودية !! وأضاف أنّ المدخلى رفض استقبال الحجورى بعد طرده وطلابه من دماج، وذهابه للعمرة فى (فبراير 2014)؛ على خلفية اتهامه له بمحاولة استقطابه للعمل مع المُخابرات السعودية.
 
ولعلّ مما يحسن ذكره هنا أنّ مؤلف الكتاب "الدكتور الدغشى" حُبس فى سجن الأمن السياسى فى صنعاء عام (2003) قرابة ستة أشهر بعد مقتل القيادى الإشتراكى "جار الله عمر" على يد شقيق زوجته "جار الله السعوانى" ولَم تتوافر تفاصيل كافية حول أسباب الحبس و نتائج التحقيق، كذلك "جامعة الإيمان" قامت - هى الأخرى - بتخريج آلالاف من السلفيين المنضوين فى تكوين حركة الإخوان المسلمين منذ أسسها "عبدالمجيد الزندانى" على أرض منحتها له الدولة مكافأة على مشاركته فى حرب صيف (1994)، وتكفلت "قطر" بنفقات إنشائها وتشغيلها عبر جمعيات خيرية فى إطار تنافسها مع النظام السعودى الداعم للسلفيين فى "دمّاج".
 
 فى مصر، مع دخول القرن الهجرى الرابع عشر، كان الرئيس  الراحل "أنور السادات"، منهمكًا بإصلاح الشأن المصرى الداخلى، بطريقته الأبوية، التى خلقت له عداوات مع مُعظم الشخصيات والتنظيمات السياسية، أضف إلى ذلك أنّ الشارع المصرى كان مصدومًا من ردود أفعال الزعماء العرب على توقيع السادات لاتفاقية "كامب ديڤيد" للسلام مع إسرائيل، (17 سبتمبر 1978) وقرار الدول العربية -عدا عمان والصومال والسودان - فى قمة "بغداد" نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وتعليق عضوية "مصر" رغم كثافتها السكانية وقوتها العسكرية وموقعها الجغرافى، ودورها المحورى فى العالم العربى والأفريقى، وما سَبَبَهُ ذلك من عزلة وقطيعة أثرت على مواردها الإقتصادية .
 
وجاء استقبال الرئيس "السادات" لـشاه ايران "محمد رضا بهلوى" ليؤجج ضده معظم الخُطباء والوعاظ المبشرين حينها بثورة "الخمينى"، وعلى رأسهم الشيخ الضرير "عمر عبدالرحمن"، الذى أنهت جامعة "الإمام محمد بن سعود الإسلامية" إعارته؛ فى إطار الإستراتيجية التى أعقبت القضاء على حركة جهيمان، فكان مع  "أحمد المحلاوى" و"عبدالحميد كُشك"، من كبار المحرضين على التخلص من السادات، الأمر الذى دفع بـعبد السلام فرج، عبود الزُمر، خالد الإسلامبولى، سيّد إمام، - و بقية أعضاء الخلية التى خططت لقتل السادات واُصطلح على تسميتهم بـ "تنظيم الجهاد" لتنصيبه أميرًا شرعيًّا عليهم.
 
وحظى تمكنهم من قتل السادات فى (6 أكتوبر 1981)، فى مشهدٍ بثته شاشات التلفزة على الهواء وقت حدوثه، بتعاطف ودعم معظم الخُطباء ومشايخ الدين فى دول الخليج واليمن وكثير من الدول العربية، حتى صاروا نجوماً تلهج بذكرهم منابر المساجد، ووصل الحال إلى تبرئة أميرهم "عمر عبدالرحمن"، بعد أربع سنوات من الحبس، وهروب "أيمن الظواهرى" أحد قيادات التنظيم من "ليمان طُرّة"، إلى سواحل مدينة "جدة"، ثم إلى "طهران" عبر "دمشق"، ليظهر - بعد فترة -  فى أفغانستان، ويصبح  له شأن فى محاربة الحكومات التى يقول أنها لا تحكم بشرع الله، وانتقل "عمر عبدالرحمن" إلى أفغانستان، وبعد خروج الروس مُنح  "تاشيرة" إلى الولايات المتحدة للإقامة فى نيويورك، تقديراً لدوره الكبير فى التحشيد للجهاد الأفغانى .
 
 اكتمل سيناريو مواجهة الشيوعيين باستقطاب الجماعات السلفية الجهادية والحركات الشيعية، وبينهما الأخوان المسلمين، وتقاسمت السعودية وإيران مع حُلفائهما، الدعم المالى واللوجستى والعسكرى للمجاهدين ، حيث ظل ولاء الجماعات السلفية لفترة حكرًا على " المملكة" وحلفائها مثل "الكويت"  والشيعية مثل "حزب الله" على "إيران"، أما جماعتا " الإخوان المسلمون"، و"الجهاد"، وما تفرع عنهما من حركات وتنظيمات، على غرار "حماس" و"القاعدة" فقد استفادتا إلى وقت قريب من إيران والسعودية و بقية دول الخليج، وعملتا على تذويب الفوارق بين السنة والشيعة تنفيذاً لوصايا حسن البنّا وتعاليمه لاستعادة الخلافة . 
 
تحولت أفغانستان إلى مهوى للشباب العربى، لدرجة أنّه كان يقال: من مات ولَم يذهب إليها مات ميتة جاهلية، ولعب مشائخ الخليج ومصر واليمن دوراً كبيراً فى التحريض على القتال فيها، غير أنَّ إخوانياً  أردنياً من أصل فلسطينى هو "الدكتور عبدالله عزَّام" كان له الدور الأبرز  فى تنشئة وتأهيل من صاروا يُعرفون بالأفغان العرب، وله السبق فى حقنهم  بجرعات الإرهاب والرُعب وتأصيلها بالفقه المؤسلم، وهو على خلاف من جاء من بعده، كان يدرك أنّ قتالهم فى أفغانستان يَصُب فى مصلحة الولايات المُتحدة، ولا بأس من الإستفادة منه واستثماره فى إعداد الجيل القرآنى الفريد الذى كتب عنه سيد قُطب، كما كان يرى أهمية التوجه بعد أفغانستان لمُقاتلة إسرائيل والقضاء عليها أولاً . 
 
وعبدالله عزام هو خُلاصة مُكثفة لكتب "سيد قطب"، وحلقة وصل بين تنظيم " الأخوان " و"السلفيين" وصديق حميم لـ"محمد بن ناصر الدين الألبانى" مُحقق الأحاديث التى تحولت إلى نبوءات مُبشرة بعودة الخلافة، وصارت خُططاً  استراتيجية ينبغى الإلتزام بتفيذها بكل حذافيرها سعياً للوصول للدولة الإسلامية، كان مُدرساً للشريعة فى "جامعة الملك عبدالعزيز" فى جدة، مثله مثل عشرات القيادات الاخوانية المتناثرة فى جامعات ومدارس المملكة، ومن بينهم محمد قُطب، مناع القطان، محمد الغزالى، سعيد حوى، عبدالفتاح أبو غُدة، حسن الترابى وعبدالمجيد الزندانى . 
كما أنَّه الأب الروحى لـ "أسامة بن لادن" مؤسس "القاعدة" الذى كان يُفاخر  بكونه ابن الأرض التى باركها الرسول؛ فوالدته من الشام ووالده من اليمن، ولقنه "عزام" حديث مقاتلى "عدن – أبين" الذين ينصرون الله ورسوله، وحديث النار التى تخرج من قعر عدن لتقود الناس إلى المحشر، مُفسراً له النار بالحرب التى تندلع شرارتها من عدن حتى تعم الجزيرة وتبلغ أرض العراق والشام، وبموجب هذين الحديثين أسس أسامة بن لادن عام 2009 تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، لكن مشروع عبدالله عزام لم يكتمل، وبعد سقوط الإتحاد السوفيتى سقط مُضرجاً بدمائه، لتبداً بمقتله مرحلة مُختلفة وجديدة .
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق