ذكرى حريق الإسكندرية.. حين دمر الأسطول البريطاني عروس البحر (صور)

الخميس، 12 يوليو 2018 06:00 ص
ذكرى حريق الإسكندرية.. حين دمر الأسطول البريطاني عروس البحر (صور)
دمار مدينة الإسكندرية
كتب محمود حسن

«كأني فلاح من جيش عرابي.. مات ع الطوابي وراح في بحرك».. بهذه الكلمات تغنى المطرب الكبير محمد منير، فى أغنيته «يا إسكندرية» من تأليف أحمد فؤاد نجم، تمجيدا لذكرى 11 يوليو، ولكن قبل 136 عاما، ففى مثل هذا اليوم أطلقت مدفعية الاسطول الإنجليزى بقيادة الجنرال سيمور نيرانها على مدينة الإسكندرية، لتحول المدينة إلى قطعة خراب كبيرة ومدرة تماما وقد كانت درة البحر المتوسط وأكبر مدنه وأجملها.

فيما الفلاحون من أبناء جيش عرابى ماتوا على طوابيهم، ووسط مدافعهم التى اسكتتها البحرية البريطانية، فى الحرب «الإنجليزية - المصرية»، التي بدأت مثل هذا اليوم بقصف الإسكندرية، وانتهت بهزيمة أحمد عرابى فى سبتمبر من عام 1882 فى معركة التل الكبير، وهى المعركة التى خلفت الهزيمة فيها احتلالا بريطانيا لمصر دام 72 عاما.

الإيطالى لويجى فيوريللو مصور الخديوى توفيق، كان متواجدا طوال هذه المعارك، حيث التقط عشرات الصور للمدينة ليوثق لنا هذا اليوم العصيب فى تاريخ مصر.

الدمار فى شارع سيزوستريس بمحطة الرمل
الدمار فى شارع سيزوستريس بمحطة الرمل


الثورة العرابية.. اللحظات الأولى لإدراك الوعي بالقومية المصرية
ورط الخديوى إسماعيل مصر فى ديون باهظة، نتج عن ذلك التدخل السافر لبريطانيا وفرنسا فى الحكم المصرى، حيث كان لكل من البلدين مندوبا فى الحكومة، يعتمد المصاريف ويراقب الواردات، وكانا تقريبا هما المتصرفين فى الشأن المصرى، وانتهى الأمر بعزل الخديوى اسماعيل، فى هذه اللحظات كانت هناك مطالب واضحة بدأت تتشكل، ووعيا قوميا بأننا لسنا تابعين لخليفة يقيم فى الاستانة، وأننا شعب مصرى من حقنا أن يكون لنا كيان ودولة ودستور، وارتفعت المطالب بأن تتحول مصر إلى «الملكية الدستورية» بمعنى أن الملك أو الخديوى يحكم ولا يملك.

شارع مسجد العطارين وقد تحول إلى ركام
شارع مسجد العطارين وقد تحول إلى ركام

إلا أن كل هذه المطالب التى تعالت سريعا ما أجهضتها الدولة العثمانية، وبريطانيا وفرنسا، اللتان أرسلتا أسطولا إلى مصر يدعى حماية مصر من الانهيار الأمنى، وظل الاسطول يرتقب الفرصة المناسبة للتدخل.
 

«العربجى» الذى أشعل فتيل الحرب واحتلال مصر
فى عصر يوم 11 يونيو 1882، ركب شخص أجنبى من مالطا التى كانت واقعة تحت الحماية البريطانية، حنطورا من ميدان المنشية، وطلب منه المرور فى شارع السبع بنات والذى كان شارعا مليئا بالمقاهى والحانات، وكلما مر الحنطور على حانة، نزل المالطى وطلب من السائق الانتظار حتى يتناول كأسا، وبمرور الوقت فى يوم حار طلب "المكارى" أو سائق الحمار من المالطى أجرته وأن يجعله يغادر، فأعطاه أجرا زهيدا وهو قرش واحد، ووقعت بينهما مشادة، فأخرج المالطى سكينا وطعن به المكارى المصرى، فأرداه قتيلا.

شارع شريف - صلاح سالم حاليا -
شارع شريف - صلاح سالم حاليا -

 

وعلى أثر هذا النزاع اندلعت أعمال الشغب فى المدينة بين أبناء البلد والأجانب، تقول الوثائق والبلاغات أن القنصليتين البريطانية والفرنسية شوهدتا توزعان الأسلحة النارية على الأجانب لمواجهة الأهالى المتسلحين بالشوم والسكاكين، وليومين انتشرت أعمال الشغب فى المدينة قبل أن تنجح قوات الأمن فى إيقافها مخلفة وراءها حوالى 300 قتيل، منهم 75 أوربيا و250 من أهالى الاسكندرية.

مسجد العطارين وقد طاله القصف
مسجد العطارين وقد طاله القصف

 

أعطى الاسطول البريطانى المرابط أمام المدينة تحذيرا لعرابى الذى شغل فى هذا الوقت منصب ناظر الجهادية بالتدخل، لكن التدخل توقف، فأخذ الاسطول يتحجج بقيام عرابى بتحصين طوابى المدينة وطالبه بالتوقف، لكن عرابى رفض هذا الإنذار، وفى 11 يوليو من عام 1882 انطلقت الطلقة الأولى تجاه الطوابى.

طابية الأطة وقد انهارت
طابية الأطة وقد انهارت


قصف ودمار وحرائق وإعدامات جماعية فى ميدان المنشية
ليومين متتاليين ظل الأسطول الإنجليزى يضرب المدينة من البحر، حتى خمد آخر مدفع موجود على طوابى الإسكندرية، لم يستطع سلاح الجيش المصرى وقتها مضاهاة الأسطول البريطانى، من الجانب البريطانى لقى 6 جنود فقط مصرعهم، أما فلاحو عرابى على الطوابى فمات منهم نحو 700 شخص، واضطر عرابى إلى التقهقر، وبحلول عصر اليوم الثانى من القصف اشتعلت النيران فى أجزاء واسعة من المدينة التى هاجمها البدو لنهبها.

الدمار بقلعة قايتباى
الدمار بقلعة قايتباى

انتشرت أعمال السلب والنهب والحرائق فى المدينة لأربعة أيام متتالية، وأخيرا اطمأن الجنرال سيمور بهدوء الأمور ، مع انسحاب أحمد عرابى وتقهقهر إلى مدينة كفر الدوار وتحصينها لمواجهة جديدة مع الإنجليز، وطأت أرض الإنجليز أرض الإسكندرية، وبدأوا فى القبض على عدد من الأهالى واتهموهم بإثارة الشغب.

محطة الرمل مدمرة
محطة الرمل مدمرة

 

أما مبنى البورصة القديمة فى الإسكندرية، أو ما أضحت بعدها مبنى الاتحاد الاشتراكى الذى خطب منه عبد الناصر خطاب التأميم الشهير، أقام الإنجليز محكمة سريعة لعدد من الأهالى، وتمت عمليات إعدام على عجل، وكانت الجثامين تدفن حتى فى الميدان دون تكلف عناء نقلها.

 

اطلال مدينة الإسكندرية
اطلال مدينة الإسكندرية


مقاومة باسلة وهزيمة خادعة
تراجع عرابى بجنوده على ترعة المحمودية، ليرابط خارج الإسكندرية على طوال المنطقة من كفر الدوار، والبيضاء، وخورشيد، منتظرا الجنود البريطانيين، وفى 5 أغسطس التقى الجيشان المصرى والبريطانى فى معركة انتهت بهزيمة الجيش البريطانى وإجباره على التراجع، والمحاولة من الناحية الأخرى وتحديدا من المجرى الملاحى لقناة السويس.

طابية راس التين وجثمان أحد جنود عرابى
طابية راس التين وجثمان أحد جنود عرابى

 

استطاع دليسيبس أن يقنع عرابى بأن البريطانيين لن يستخدموا المجرى الملاحى لقناة السويس للهجوم، وفى الوقت نفسه استطاع الخديوى توفيق استمالة عدد من قادة جيش عرابى، وعدد من بدو محافظة الشرقية، وفى هجوم خاطف يوم 13 سبتمبر 1882 استطاع الإنجليز مباغتة جيش عرابى، وهزيمته، وألقى القبض على عرابى وجرى نفيه إلى سرنديب أو سريلانكا حاليا، حيث بقى هناك لمدة 20 عاما قبل أن يعود إلى مصر عام 1903 بعد العفو عنه، ويتوفى بعدها بـ 8 أعوام فى سبتمبر 1911.

 

عمليات محاكمة لمصريين ألقى القبض عليهم فى المدينة
عمليات محاكمة لمصريين ألقى القبض عليهم فى المدينة

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق