الدولار يأكل الملاذات الآمنة.. لهذا السبب لا يجب أن تشتري ذهبا في الأيام المقبلة
الخميس، 12 يوليو 2018 08:00 ص
ستة أيام مضت على سريان القرارات الحمائية الأمريكية بفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 34 مليار دولار، سارت الأمور في الأيام الخمسة الأولى منها بشكل غير متوقع، قبل أن تتفجر الفقاعة.
كان متوقعا في الأيام الأولى أن تنعكس القرارات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين على أسواق المال والنفط والذهب بشكل مباشر، في ضوء المخاوف المتوقعة والمكاسب المأمولة، ليقفز النفط والذهب، الأول مدفوعا بالتوترات السياسية ونقص الإمدادات، والثاني مستفيدا من موقعه كملاذ استثماري آمن، وتتراجع أسواق المال هروبا من الرصاص الطائش الذي سيتطاير من الجانبين الأمريكي والصيني ليستقر في جسد العالم دون استثناء وفرز.
المدهش أن الآثار المتوقعة لم تتحقق، النفط ارتفع لثلاثة أيام متتالية بضغط مباشر من اختلال ميزان العرض والطلب، ثم عاد للتراجع في تداولات الأربعاء، والذهب حافظ على استقراره عدة أيام ثم تراجع، بينما شهدت أسواق المال انتعاشة لا تنسجم مع الآثار الاقتصادية المحتملة للحرب، والضربات التي ستتلقاها كثير من المراكز الاقتصادية والشركات الكبرى.
آثار مخالفة للتوقعات
سجلت أسعار النفط في تداولات الأربعاء انخفاضا ملحوظا، وصل إلى دولار في البرميل، فسجل خام القياس العالمي "برنت" انخفاضا قدره 65 سنتًا بنسبة 0.8%، ليقف عند مستوى 78.21 دولار للبرميل، كما تراجع الخام الأمريكي الوسيط "غرب تكساس" 43 سنتا، بنسبة 0.6% وصولا إلى 73.68 دولار للبرميل، في أداء مغاير لكل التوقعات والتحليلات المتتبعة لتطورات سوق النفط وما تحيط به من توترات.
على صعيد أسواق المال فقد شهدت انتعاشة ممتدة على مدى أربعة أيام، رأى البعض أنها فقاعة تغذيها التوقعات قصيرة المدى لفرص تحقيق أرباح نتيجة الآثار العاجلة للحرب التجارية، وتقودها المضاربات وتدفقات الأموال الساخنة، وهو ما بدا صحيحا نوعا ما مع تسجيع تراجع حاد في تداولات الأربعاء، إذ انخفضت الأسهم الأمريكية بشكل ملموس، فهبط مؤشر داو جونز الصناعي 130.18 نقطة، وستاندرد آند بورز 500 بمقدار 14.02 نقطة، وناسداك المجمع 60.69 نقطة بمقدار 0.78 نقطة، كما تراجعت الأسهم الأوروبية فانخفض مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 1%، وتراجع مؤشر داكس الألماني 1.2%، وفايننشال تايمز 100 البريطاني 1%.
أسعار الذهب التي حافظت على استقرار حرج في الأيام الأولى، لم تستجب للتوقعات المرجحة لاتخاذ منحى تصاعديا باعتبار المعدن الأصفر ملاذا آمنا في هذه التوترات، فانخفضت أسعار الذهب في التعاملات الفورية بنسبة %0.3 وصولا إلى 1251.43 دولار للأوقية، كما هبط في العقود الأمريكية الآجلة تسليم أغسطس المقبل 0.3% مسجلا 1252.30 دولار للأوقية.
الدولار يربح على حساب اليوان
رغم التكافؤ الاقتصادي الكبير بين الولايات المتحدة والصين، بشكل يُرجح منطقيا أن يحتدم الصراع دون آثار قاسية على أي من البلدين، مع قدرة كبيرة لهما على مواصلة "عض الأصابع" لمدى طويل، يبدو أن الحرب التجارية المحتدمة تصب في صالح الولايات المتحدة بصورة أكبر، وأنها تمتص المكاسب المحتملة للصراع، وتهرب بهدوء من فاتورته القاسية.
في تداولات سوق العملات الأربعاء، هبط اليوان الصيني في الأسواق الخارجية لصالح الدولار الأمريكي بأكثر من 0.5%، ليسجل الدولار 6.6918 يوان، وتقترب العملة الصينية من أدنى مستوياتها في 11 شهرا، الذي سجلته الثلاثاء قبل الماضي.
في التصور الأول يبدو تراجع اليوان أمرا إيجابيا بشكل نسبي للصين، التي طالما ناضلت للحفاظ على عملتها أقل سعرا مقابل العملات الرئيسية، لضمان ميزات تنافسية في العلاقات والتعاملات مع الشركاء التجاريين، لكن عمليا فإن التراجع الأخير يخرج من دائرة هذه الحسابات التجارية المتفائلة، ليحضر هذه المرة كتعبير مباشر عن حجم الآثار المباشرة للضربات الأمريكية، وعن الاتجاهات المتوقعة في الفترة المقبلة لمسار الحرب الدائرة بين البلدين.
الذهب في انتظار مزيد من الخسائر
الآن يتجاوز المشهد التوقعات السابقة بتسجيل الذهب مكاسب في التداولات العالمية، إلى التوجس من تكبده خسائر أكبر في الأيام المقبلة، في ضوء أن موقعه كملاذ استثماري آمن يحتله الدولار باستقرار وثبات، ولا يبدو أنه سيُغادره في القريب، وفي ضوء النجاحات التي تحققها العملة الأمريكية، وأدائها المستقر أمام العملات الأخرى، خاصة اليوان، فإنه من المرجح أن يفقد الذهب مزيدا من قيمته.
الأثر المباشر لارتفاع الدولار على أسعار الذهب أثر سلبي، حتى لو كانت الأجواء الدولية مشتعلة والمستثمرون في حاجة لملاذات آمنة أو مخازن قيمة أكثر استقرارا، إذ إن ارتفاع سعر الدولار يُشكل ضغطا كبيرا على مستثمري الذهب في البلدان الأخرى، في ضوء أنه يرفع تكلفة حيازة المعدن النفيس بالعملات الأخرى، باعتبار الدولار العملة المعيارية في تداولات الأسواق العالمية عامة، وسوق الذهب بشكل خاص.
لا يُنصح بشراء الذهب
في هذا المناخ المرتبك لا يمكن التنبؤ بالمستقبل القريب لأسواق المال، خاصة أنها حققت مكاسب كبيرة في الأيام الماضية، وربما يكون تراجعها الأخير عارضا وتعود للانتعاش ثانية، وبطبيعة الحال لا يمكن التنبؤ بمستقبل سوق النفط، في ظل ضغوط على أوبك لتوظيف احتياطياتها الإنتاجية في سدّ عجز المعروض، واستعداد ليبيا لضخ أكثر من 500 ألف برميل كانت محبوسة بسبب التوترات والمعارك التي شهدتها منطقة الهلال النفطي، قبل أن يضع الجيش الليبي يده عليها في الأيام الأخيرة، وتواتر مؤشرات عن مراجعة الولايات المتحدة لحزمة عقوباتها بحق إيران، وموافقتها على استثناء بعض الدول من هذه العقوبات.
رغم هذا يمكن بالتأكيد التنبؤ بمستقبل سوق الذهب، فالمعدن الأصفر قد يشهد فترة من الاستقرار إذا استقرت الأوضاع السياسية والاقتصادية، ووضعت الحرب التجارية أوزارها أو خففت واشنطن وبكين من قصفهما المتبادل، لكنه بالتأكيد سيشهد اهتزازا ضاغطا على أدائه ومكاسبه السابقة، حال تصاعدت أجواء الحرب ولجأ البلدان لتطوير الصراع، وتورطت دول أخرى فيه.
لن يغامر المستثمرون الذين لا يحوزون سيولة دولارية بتحمل تكلفة كبيرة لحيازة الذهب وسط هذا المناخ المضطرب، ولن يقرر كثيرون منهم حبس أموالهم في المعدن الأصفر وافتقاد القدرة على المناورة والتعامل العاجل مع التطورات التي تشهدها الأسواق، وبطبيعة الحال سيطمع كثيرون منهم في مغانم الاستثمار في الدولار، مع الأداء الإيجابي للسندات الأمريكية، وتلقي الدولار دفعات تعزيزية مهمة من المؤسسات المالية في واشنطن.
هكذا لا يبدو أن اللجوء للاستثمار في الذهب قد يكون خيارا جيدا في الفترة المقبلة، وحتى لو شهد المعدن الأصفر انتعاشة قريبة في الأيام المقبلة، فإنها قد تكون فقاعة عارضة بسبب مضاربات بعض التجار، أو التضارب والارتباك في تقييم المشهد، وقد يعاود الهبوط سريعا، لهذا لا يُنصح بشراء الذهب قبل أن تضع واشنطن وبكين البنادق ويعلن البلدان إنهاء الحرب.