بين الاتفاق المعلن والخداع المستتر.. هل تأخذ أمريكا كل شيء من كوريا بدون مقابل؟
الأحد، 08 يوليو 2018 11:00 م
فاتورة كبيرة تحملتها كوريا الشمالية نتيجة المُضيّ قُدما باتجاه تحقيق طموحها في امتلاك سلاح نووي، بدأ الأمر من الأب كيم جونج إيل، وواصل الابن كيم جونج أون المسار، وتحملت بيونج يانج المتاعب.
لسنوات طويلة عانت كوريا الشمالية حصارا سياسيا وعسكريا، وعقوبات اقتصادية واسعة المدى، ربما لم تنمكن من عبورها والإبقاء على هيكلها السياسي ثابتا، إلا بفضل قدر من الدعم الصيني، وهو الدعم الذي حمى الاقتصاد من الانهيار، وردع الولايات المتحدة عن التدخل المباشر.
بعد هذه المتاعب الممتدة يبدو أن بيونج يانج استشعرت قدر الضغوط التي يتسبب فيها هذا الطموح، أو امتلكت السلاح النووي بالفعل، المهم أن مسار تعاملها مع الملف تغير تماما، أو بالأحرى انقلب بصورة كاملة إلى الوجهة المضادة.
خلال الشهور الأخيرة صدرت تصريحات وإشارات متتابعة من النظام الكوري الشمالي، عن الاستعداد للتخلي عن البرنامج النووي، وبدء صفحة جديدة مع الجارة الجنوبية، ومع القوى الإقليمية والعالمية المعترضة على النشاط النووي لبيونج يانج، وتطور الأمر لتعبير الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون عن استعداده للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في بادئ الأمر تعامل الجميع مع تصريحات كيم جونج أون بشكل ساخر، لكن تطورت الأمور سريعا حتى التقى الرئيس الأمريكي بالفعل في قمة مشتركة استضافتها سنغافورة، في وقت سابق من الشهر الماضي، اتفق فيها الطرفان على رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على كوريا الشمالية، لقاء تخلي الأخيرة عن برنامجها النووية وتفكيك ترسانتها بشكل كامل.
بقدر التفاؤل الذي أثارته القمة في نفوس المهتمين بالملف الكوري الشمالي، حملت الأيام التالية لها إشارات قد لا تبدو إيجابية بصورة كبيرة، عبر تصريحات أمريكية رسمية عن عدم التحرك باتجاه رفع العقوبات قبل إنجاز كوريا الشمالية لعملية تفكيك برنامجها النووي بشكل كامل، مع يُعني اضطرار بيونج يانج لتقديم كل شيء عمليا، لقاء وعود مُجردة ومُعلقة في الهواء، وقبل الحصول على أي شيء ملموس.
التصريحات الأمريكية أكدتها تصريحات كورية جنوبية، طالبت جارتها الشمالية بإنجاز تعهداتها بشأن الترسانة النووية، ورهنت رفع العقوبات وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بهذا الأمر، وبادرت باتخاذ خطوات أكثر تشددا بمطالبة بيونج يانج بتحريك قطع عسكرية ومنصات صواريخ على الحدود المشتركة عشرات الكيلو مترات داخل أراضيها، بشكل يفقدها فاعليتها في ضوء مداها وقدراتها على الوصول.
كوريا الشمالية من جانبها لم تُعلق على هذه المواقف، ولم تُصدر أي تصريحات تتضمن رفضا أو انتقادا أو ملاحظات بشأن هذه المواقف المتشددة، بينما واصلت الولايات المتحدة تأكيداتها للأمر بين وقت وآخر، وآخرها ما قاله وزير الخارجية مايك بومبيو، خلال وجوده في طوكيو اليوم الأحد، وتأكيد أن حزمة العقوبات المفروضة على بيونج يانج ستبقى سارية حتى انتهائها من تفكيك ترسانتها النووية بشكل كامل.
في المؤتمر الصحفي الذي جمع "بومبيو" بنظيريه الياباني والكوري الجنوبي، عقب جلسة مباحثات ثلاثية مشتركة، شدد وزير الخارجية الأمريكية على أن العقوبات سارية بكاملها لحين "نزع السلاح النووي بالكامل وعلى نحو يُمكن التحقق منه بشكل تام" مشيرا إلى أن رؤية الولايات المتحدة للأمر تتصل بفكرة "نزع السلاح النووي بالمعنى الواسع. أي بما يشمل المجموعة الكاملة للأسلحة"، لافتا إلى أن الكوريين الشماليين يفهمون ذلك ولم يُعارضوه.
التصريحات المتشددة للوزير الأمريكي في طوكيو، جاءت بعد زيارة استمرت يومين للعاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج، وهو ما يُمكن ردّه إلى حالة الارتباك والتعقيد التي أحاطت بملف السلام والتفاهمات الجارية بين واشنطن والنظام الكوري الشمالي أمس السبت، في ضوء رفض الأخير الموقف الأمريكي واعتباره "أشبه بعقليّات العصابات".