استلهم مصممه وجه أمه وجسد حبيبته.. قصة تمثال الحرية في أمريكا
الأربعاء، 04 يوليو 2018 10:00 محسن شرف
يعد تمثال الحرية الواقف شامخا على مدخل نيويورك الأمريكية، أكثر المعالم شهرة، إذ يستقطب ملايين الزوار إلى نيويورك في كل عام، ويجهل البعض أن الفرنسيين هم من صنعوا التمثال وأهدوه إلى أميركا، وذلك في عهد الإمبراطورية الفرنسية الثانية.
دعا المؤرخ الفرنسي إدوار دولابولاي، الأستاذ في الكوليج دي فرانس والمتخصص في تاريخ أميركا، إلى اكتتاب وطني يذهب ريعه إلى تقديم هدية ملموسة إلى مواطني الولايات المتحدة الأميركية في مناسبة العيد المئوي الأول لاستقلال بلادهم، في 4 يوليو 1876.
احتاج دولابولاي إلى 15 عامًا كي يجمع المال اللازم لصنع تمثال نحاسي يبلغ طوله 46 متراً ووزنه 100 طن، وبعدها كلف الفنان أوغوست بارتولدي (1834 – 1904) صنع تمثال الحرية الأميركي.
واعتمد بارتولدي نموذجين عزيزين عليه في حياته، هما أمه وحبيبته ليصنع على غرارهما تمثاله، حيث اختار وجه أمه ليكون وجه التمثال، وجسم حبيبته ليكون جسمه.
وبارتولدي، الذي يرتبط اسمه بالفناء الذي صممه عام 1856 لمدخل قناة السويس، كان يعرف أن تمثال الحرية الأميركي هو تحدٍ جديد له في صنع المنحوتات الضخمة.
وفي عام 1869 قام بارتولدي بتصميم نموذج مُصغر لمنارة على شكل فلاحة مصرية مسلمة تلبس الثوب الطويل ترفع يدها حاملة شعلة يخرج منها ضوء لإرشاد السفن، وتحمل شعار Egypt Carrying the Light to Asia" - مصر تحمل الضوء لأسيا".
كانت أشعة الشمس على الرأس مستقاة من عملة مصرية تاريخية تظهر بطليموس الثالث الحاكم الثالث من البطالمة في مصر، وعرضه على الخديوي إسماعيل ليتم وضع التمثال في مدخل قناة السويس، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبول اقتراح بارتولدي نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع، ليتم تقديمه كهدية من الفرنسيين إلى أمريكا.
حقق بارتولدي التمثال قطعة بعد قطعة، وبعدما اتخذ العمل الفني شكل نموذج حبيبة النحات، التحق به غوستاف إيفل الذي صمم برج إيفل الشهير، ليضع الحديد المشبك للتمثال، وتم صنع التمثال الضخم الذي لم تقع العين على مثله منذ عصر المصريين القدماء.
أما ثياب التمثال فقد صنعها بارتولدي من أوراق ذهبية متداخلة بعضها في بعض بحيث يمكن نزعها بسهولة وتنظيفها وإعادتها إلى مكانها من جديد.
وفي 4 يوليو 1884، أعيد تقطيع التمثال إلى أجزاء صغيرة تم وضعها في مئتين وعشرة صناديق نُقلت في قطار خاص إلى مدينة روان ثم إلى الايزير.
وفي 19 يونيو 1885، رحل تمثال الحرية الأميركي على ظهر باخرة إلى مدينة نيويورك، إذ استقبلها في مرفأ المدينة جمهور غفير راح في ذروة حماسته يلوّح لها ويصفق.
ونظرا للصعوبات المالية التي واجهت اللجنة الفرنسية – الأمريكية، المشرفة على التمثال، توصل الفرنسيون إلى حل بإصدار ثلاثمئة ألف ورقة يانصيب لصالح بناء قاعدة التمثال وجمع أجزائه نهائياً وتركيبه، وهكذا استطاع جوزيف بوليتزر مدير صحيفة "ذي وورلد" أن يجمع مبلغ مئة ألف دولار لهذا الغرض، وقام المهندس ريتشارد هنت بتنفيذ بناء القاعدة التي بلغ ارتفاعها خمسين متراً.
ودشن تمثال الحرية في 28 أكتوبر 1886، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم راح ملايين الزوار يتسلقون الدرجات المئة وسبع وستين المؤدية إلى قدم التمثال، ويتسلقون مئة وإحدى وسبعين درجة المؤدية إلى الشعلة في يده، علهم يتنفسوا الحرية التي طالما حلم بها المهاجرين إلى الأرض الموعودة.