قانون الصحافة ينتصر على دعاة الفوضى الإعلامية
الإثنين، 02 يوليو 2018 01:16 م
من حق الجماعة الصحفية أن تبدى ملاحظاتها على القانون الجديد للصحافة والإعلام، وأن نرى معارضين لهذا القانون، لأنه لا يوجد قانون عليه إجماع كامل، لكن هذه الملاحظات والاعتراضات إن وجدت لا يمكن مطلقاً أن تقلل من أهمية القانون الذى أتاح لنا مزايا عدة طالما طالبنا بها طيلة السنوات الماضية، دون أن نجد أذنا صاغية، واليوم وجدنا من يستجيب ويقول للصحفيين والإعلاميين هذا هو قانونكم، وهذه هى مطالبكم.
القانون فى مجمله حقق لنا كصحفيين وإعلاميين ضمانات قانونية تصب فى صالح العمل الإعلامى والصحفى، ولا أعتقد أنه يوجد من يعترض على هذه الضمانات والحصانة أيضاً، حتى من يعترضون على بعض بنوده، لأن القراءة الموضوعية للقانون تستوجب علينا أن نقولها صراحة إنه أداة مهمة لتمكين الإعلام المصرى بالفعل بأن يكون إعلاما موضوعيا بعيدا عن التجاوزات، وقادرا على كسب ثقة المجتمع ومحافظا على أصول المهنة وأخلاقياتها، وردع كل جهد سيئ يكون له تأثير على الرأى العام، هذه هى فلسفة القانون التى أفهمها وأتفهمها أيضاً، فهو يضع حاجزاً ما بين الفوضى والتنظيم، ونحن فى أشد الحاجة للتنظيم، خاصة فى ظل الكثير من التجاوزات التى عشناها وعايشناها طيلة السنوات الماضية، فى ظل وجود شخصيات لا ترى نفسها إلا فى ظل الفوضى الإعلامية، لذلك كانت شديدة الحرص على ألا يرى هذا القانون النور، لأنه ببساطة شديدة يمنع الفوضى الإعلامية والصحفية، ويضع قواعد تبنى فى مجملها قواعد مهنية تحافظ على مكانة الصحافة والإعلام فى المجتمع.
لا أريد أن أتحدث كثيراً عن الراغبين فى أن تظل الفوضى الإعلامية كما هى، لكن أقول لهم كلمة واحدة، ألم يكن هذا القانون ترسيخًا لأحكام الدستور، الذى أقسمنا جميعاً على احترامه، أم أن هذا القسم مجزأ وفقاً للأهواء الشخصية أو الانتماءات الحزبية والسياسية الضيقة؟.. ألا تعترفون بأن القانون تمت صياغة مواده بشكل متوازن، لتفعيل اختصاصات الهيئات الإعلامية، ودحض أوجه الالتباس والتداخل فيما بينها؟.. ألم يشارك فى صياغته والإعداد له كبار مشايخ وشباب المهنة، وتم الأخذ باعتبار لكل وجهات النظر فى كل ما ذكر فيه، ومناقشة القانون كل مادة على حدة؟ هل لديكم طريقة أخرى لصياغة القانون، غير طريقة الفوضى التى تتمنوها دائماً؟!
فلنترك دعاة الفوضى الإعلامية لأوهامهم، ولنتحدث قليلاً عن القانون الذى شهد أكبر حالة من النقاش المجتمعى امتدت لثلاث سنوات تقريباً، شهدت مشاركة الجميع دون إقصاء لأحد، فالقانون الذى نحن بصدده الآن يصحح أخطاء الماضى، خاصة تلك التى كانت موجودة فى القانون 96 لسنة 1996، خاصة أن هذا القانون تم وضعه فى ظل ظروف لم تعد موجودة الآن، وحدثت مستجدات لم تكن فى حسبان واضعى القانون القديم قبل 22 عاماً، فلم تكن السوشيال ميديا موجودة، ولم يكن للإعلام الإلكترونى هذه السطوة الموجودة له الآن، حتى الصحافة المستقلة والحزبية لم تكن بالصورة التى عليها الآن، فخلال السنوات الماضية جرت مياه كثيرة فى نهر الصحافة والإعلام ليس فى مصر فقط، وإنما فى العالم كله، ووصلنا إلى مرحلة جديدة ومتطورة فى الأداء، بفضل تطور تقنيات الاتصال والبث الرقمى التى أحدثت ثورة فى أشكال العمل الإعلامى والصحفى، بشكل جعل القانون القديم عديم الجدوى والأثر، وجعلنا أمام رغبة بل مطلب شعبى ودستورى بإحداث التغيير المنشود فى البيئة التشريعية التى تحمى العمل الصحفى والإعلامى وتحدد آليات عمله.
هذا التغيير أجده متمثلاً فى القانون الجديد الذى يوازن بين الحقوق والواجبات العامة المحمية بنصوص الدستور، والفلسفة العصرية لتأسيس أداء إعلامى ناضج ومحافظ على قيم المجتمع التى يريد البعض أن يهدمها مستخدماً الفوضى الإعلامية كأداة للهدم، وهو ما تنبهت له الجماعة الصحفية منذ سنوات، لذلك أجد كل الصحفيين والإعلاميين مساندين للقانون الجديد، كونه يراعى الاعتبارات المهنية والنقابية فى ضوابطه لمواجهة الاختلالات التى قد تصيب جسد المهنة.
ألم يوفر القانون الجديد الحماية المطلوبة للصحفيين للحصول على المعلومات بطريقة قانونية؟ والأهم من ذلك يحمى صناعة المهنة التى تتعرض لأزمة خطيرة بسبب السوشيال ميديا، فالقانون استجاب للمرة الأولى لمطالب مشروعة بفرض ضرائب على حصيلة الإعلانات التى تحققها المواقع الأجنبية من السوق المصرية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى، التى تلتهم حاليا الحصة الكبرى من سوق الإعلانات، فبحسب نص المادة 66 من مشروع القانون «لا يجوز بث المحتوى الخاص بالوسيلة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية على الهواتف الذكية، أو غيرها من الأجهزة أو الوسائل المماثلة، قبل الحصول على موافقة بذلك من المجلس الأعلى وفق الإجراءات والقواعد التى يحددها. ولا يجوز فى جميع الأحوال لأى موقع إلكترونى جلب إعلانات من السوق المصرى، ما لم يكن مقيدا بالمجلس الأعلى، وخاضعا لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1991 بشأن التهرب الضريبى».
القراءة الموضوعية للقانون تؤكد أنه يوجه ضربة قاضية لدعاة الفوضى الإعلامية، لذلك لا أتعجب حينما أراهم وهم يحاولون تصدر المشهد الرافض للقانون، لأنهم فى النهاية لا يريدون إلا الفوضى.