أمريكا تطالب وروسيا تتحرك وإيران تهدد.. آبار النفط ومستقبل «أوبك» في مهب الريح
الإثنين، 02 يوليو 2018 07:00 م
رفعت روسيا إنتاجها من النفط إلى 11 مليونا و60 ألف برميل يوميا خلال يونيو المنقضي، من مستوى 10 ملايين و970 ألف برميل في مايو، والأمر نفسه فعلته المملكة العربية السعودية، بالوصول إلى 10.7 مليون برميل، بزيادة 700 ألف عن مستويات مارس.
الزيادة الروسية ربما لا تبدو ملفتة، إذ إن 90 ألف برميل رقم ضئيل قياسا على إجمالي الإنتاج الروسي، وعلى حجم الإنتاج والاستهلاك العالميين، لكن الزيادة السعودية تبدو قفزة كبيرة، بالنظر إلى قرار أوبك السابق بتخفيض الإنتاج لضبط حالة السوق ومستويات الأسعار، الذي شمل تقليص إجمالي إنتاج الأعضاء والحلفاء الـ24 حوالي 1.8 برميل، وحينما قررت التراجع خطوة للخلف أقرت في اجتماعها الأخير، السبت الماضي، زيادة الإنتاج مليون برميل فقط اعتبارا من يوليو.
كانت أوبك قد أخذت قرارها السابق ولم تحدد حصص الأعضاء والشركاء من خارج المنظمة في الزيادة الجديدة، بينما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من السعودية زيادة إضافية، فبحسب ما نقلته وكالات أنباء فإن "ترامب" طالب المملكة بزيادة مليوني برميل عن معدلات إنتاجها.
الزيادة السعودية الأخيرة بواقع 700 ألف برميل زيادة مرتفعة وتقترب بإنتاج المملكة من مستويات قياسية سابقة، بجانب الرقم المنتظر في حصتها من زيادة أوبك التي يبدأ تطبيقها مطلع الشهر الجاري، كما أن الطلب الأمريكي حال تحققه سيعيد المملكة لصدارة قائمة المنتجين العالميين، التي غابت عنها منذ 2016 لصالح روسيا، والخطوتان تشيران إلى اتجاه مباشر لضبط السوق والحفاظ على مستويات الأسعار، وتجنب مزيد من الاشتعال في سوق النفط، لكنها تشير في المقام الأول إلى خطط عملية لتقليص الأثر الذي قد تشهده الأسواق مع بدء سريان العقوبات الأمريكية على طهران وتطبيق قرار وقف استيراد النفط الإيراني اعتبارا من نوفمبر المقبل.
في تقارير صحفية نُشرت خلال الأيام الأخيرة، تحدثت أطراف متصلة بسوق النفط عن اتجاه المملكة العربية السعودية لضخ ما يصل إلى 11 مليون برميل يوميا في يوليو الجاري، أي أننا بصدد زيادة مرتقبة لا تقل عن 300 ألف برميل، ربما تتبعها زيادات أخرى في الأسابيع المقبلة.
الحديث عن تدابير لتعويض آثار الحصار المرتقب على النفط الإيراني، يُعني أن السوق في حاجة إلى ثلاثة أضعاف الزيادة السعودية الأخيرة، فإيران التي تنتج تقريبا 5 ملايين برميل يوميا، تصل صادراتها اليومية إلى مليوني برميل، وحال عدم تعويض هذا الرقم قبل بدء سريان العقوبات وقرار الحظر، يُعني أن السوق ستشهد اشتعالا كبيرا، وتشير التقديرات إلى أنه حال نقص هذا الرقم فإن سعر البرميل قد يتجاوز 80 دولارا.
على الجانب المقابل لا يبدو أن أزمة إيران ستسير بهدوء وفق السيناريو الأمريكي، فالبلد الذي يخوض صراعا طويل الأمد مع الولايات المتحدة أصبح يملك خبرة كبيرة في الالتفاف على العقوبات والتهرب منها، بمعاونة بعض الجيران، في مقدمتهم تركيا التي طالما سهّلت تصدير النفط الإيراني رغم الحصار الأمريكي، ووظفت مصارفها وتجارها في إنجاز الأمر مقابل عمولات ومكاسب متبادلة، وحتى الآن تنظر المحاكم الأمريكية واحدة من القضايا المتصلة بهذا الأمر، يواجه فيها تاجر الذهب رضا ضراب و"خلق بنك" التركيان اتهامات مباشرة بالتحايل على العقوبات ودعم النظام الإيراني.
مناورة طهران لا تتوقف على قدرتها على الالتفاف على العقوبات، وضخ صادراتها النفطية في الأسواق العالمية، بشكل قد يؤثر على مستويات الأسعار خاصة إذا تدخلت الدول الكبرى المنتجة للنفط بزيادة إنتاجها وتعويض حصة إيران، ما يُعني أن المعروض سيتجاوز الطلب بما يفوق مليوني برميل، بشكل قد يهبط بالأسعار لمستويات أقل من 70 دولارا، وإنما طوّرت طهران استراتيجية مبكرة للتعامل مع الأمر، عبر التلويح بالانسحاب من "أوبك" على لسان مندوبها في المنظمة، راهنا الأمر بتنفيذ السعودية طلب واشنطن بزيادة الإنتاج.
انسحاب إيران من منظمة الدول المصدرة للبترول قد يمثل تحولا كبيرا في أسواق النفط، إذ إنها تنتج ما يتجاوز 5% من إجمالي النفط العالمي، وتُعد واحدا من كبار المنتجين والمصدرين في العالم، وبقاؤها بعيدا عن المنظمة التي تمثل الأداة الأهم لضبط سوق النفط وتحقيق التوازن بين مصالح المنتجين والمشترين، يُعني أن طهران قد تصبح عنصر قلق خطيرا، وقد تُهدد هذا التوازن الحرج.
بإمكان إيران إذا خرجت من "أوبك"، ومع ما يتوفر لديها من خبرات في التحايل على العقوبات الدولية، أن تزيد تدفقاتها النفطية في الأسواق بشكل يتجاوز حصصها التصديرية، ويُحدث حالة من التعويم غير المنضبط للسوق، مع تضخم المعروض وعجز السوق عن امتصاص هذا التدفق أو سدّ منابعه، ما قد يزيد من حالة النزيف أو يضطر الدول المنتجة لتقليص إنتاجها وتكبد مزيد من الخسائر.
المتوقع بطبيعة الحال أن خطوة تقدم منتجين آخرين لملء الفراغ الذي قد ينتج عن حصار الصادرات النفطية الإيرانية ستثير غضبا عارما لدى طهران، لكن إمكانات ترجمة هذا الغضب لفعل مؤثر داخل أروقة "أوبك" وبين الدول المنتجة تظل ضعيفة، ما يجعل فكرة الانسحاب من المنظمة الحل الوحيد المتاح لدى النظام الإيراني.
هكذا يبدو أن "أوبك" تستعد لاستقبال أيام صعبة، فبين غضب أمريكي من إيران ومطالبات وضغوط على الدول المنتجة لزيادة الإنتاج، ورغبة لدى المنظمة وأعضائها للحفاظ على المكاسب المتحققة والإبقاء على مستويات الأسعار في مستوى الجدوى الاقتصادية، وقدرات إيران نفسها على المناورة وتهديد قبضة المنظمة على سوق النفط، ربما تسير الأوضاع إلى تطورات درامية حادة، قد تكون خطوة أولى باتجاه تقويض "أوبك" ووضع مستقبلها، ومستقبل قطاع النفط، في مهب الريح.