مصيبة اسمها مجدي عبد الغني
السبت، 30 يونيو 2018 02:05 م
آفة الناس ألا يعرفوا متى يتحدثون ومتى يصبح الصمت واجبا، وأكبر الآفات ألا يكون لديهم ما يقولونه أصلا، وبينما يُصدّعون أدمغة غيرهم بما لا قيمة فيه ولا طائل من ورائه، يخيب سعيهم في الحياة وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
قبل ثلاثة عقود تقريبا كان مجدي عبد الغني لاعب كرة جيد المستوى، مرت عليه الأيام وغادر الملاعب إلى مهنة أخرى، أصاب حظا في البيزنس وأغرته حظوظ أكبر في قطاع الرياضة، فقرر أن يواصل اللعب بطريقة أخرى.
بين النشاط الإداري والإعلامي سارت خطى اللاعب السابق، كما سار غيره، لكن الفارق الكبير أن مجدي عبد الغني يثير الغبار أينما سار، ربما لأن علاقاته متوترة بزملاء اللعب، وربما لأنه لا يُحسن السير من الأساس، والاحتمالان كانا يُوجبان عليه في كل الأحوال أن يُراجع نفسه.
ربما لا يتوفر متسع في هذا المقام لتتبع رحلة الرجل، وحصر ما شهدته من شجارات ومماحكات وحروب تافهة، مضت على أية حال، والأولى أن نلتفت لما يُشعله الآن من معارك، بعضها ينال منه شخصيا ويخصم من اسمه وسمعته، لكن الجانب الأكبر منها ينال من صناعة كرة القدم في مصر، وهو أحد المسؤولين المباشرين عنها حاليا.
في موقف شهير قبل أسابيع سرّب أحد الأشخاص مقطعا مصورا بكاميرا هاتف محمول من كواليس أحد البرامج الرياضية، بينما يتحدث مجدي عبد الغني مع اللاعب السابق أحمد حسام «ميدو» في موضوعات خارجة، ويتبادلان السباب بألفاظ غير مهذبة، ويتحدثان عن تبادل صور و«مقاطع ساخنة».. كعادة مصر والوسط الرياضي مر الموقف بشكل عادي بعدما شغل الناس يومين، وأثار قدرا من اللغط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكعادة مجدي عبد الغني لم يستوقفه الأمر ولم يردعه عن ممارساته المحاطة بالتساؤلات والشبهات.
أول الملاحظات، الظهور الإعلامي الكثيف الذي يصر عليه مجدي عبد الغني، سواء كان لديه ما يقوله أو كان مجرد ظهور فارغ لا قيمة له، بعض هذا الظهور استعراض وتوظيف لمنصبه وصفته الرسمية في معارك شخصية، وبعضه دفاع عن النفس في مواقف شبهة، وكثير منه ظهور فني مدفوع، لا يهتم مجدي وهو يمارسه بفكرة التعارض التي قد تكون حاضرة بقوة بين عضويته بمجلس إدارة اتحاد الكرة، وإطلالته على الشاشات ضيفا ومحللا، أقلها أنه لا يمكن تجاهل أن حصة من هذه الاستضافات موجهة لعضو الجبلاية وليس للكفاءة الرياضية، للموقع والصفة وليس لاسم مجدي عبد الغني، ربما في إطار مصالح شخصية لدى موجهي الدعوة، سنفترض أن مجدي عبد الغني لا يعلم عنها شيئا، ولكن حساسية موقفه ومنطق اتقاء الشبهات كافيان لدفعه بعيدا عن هذه الدائرة، خاصة أنه اختبر في مواقف سابقة قبل دخول مجلس الجبلاية أن هذه الدعوات لم تكن حاضرة بالكثافة الحالية، ما يُعني أنه ليس مطلوبا لذاته، ولا لأنه كفء ومهم في هذا المضمار، وعدم التفاته لهذا الأمر فيه شبهة إقرار ورضا بالاستفادة من موقعه بالاتحاد، في تلميع اسمه أو الحصول على مكاسب شخصية.
بعيدا عن مرات الظهور الفني قياسا إلى إجمالي الحضور الإعلامي، فإن أغلب إطلالات مجدي عبد الغني تعبير مباشر عن مشكلات عميقة في قطاع الرياضة، الرجل طوال الوقت إما يبرر مواقفه ويدفع عن نفسه اتهامات الآخرين، أو يشكك في مواقف غيره ويوجه لهم الاتهامات، وبين هذين المسارين لا يعترف بأي خطأ ارتكبه، ولا بأخطاء اتحاد الكرة، ويلعب دورا مباشرا ضمن سياسة مجلس الجبلاية لتخدير الجماهير وغسيل أيدي الأعضاء من كل ما أقروه وصنعوه وتورطوا فيه من كوارث.
قبل انطلاق كأس العالم بأيام اشتعلت مشكلة في أروقة الجبلاية، قالت مصادر بالاتحاد إن الكابتن مجدي عبد الغني - الذي كان مُقررا أن يكون نائبا لرئيس البعثة - حاول اقتحام مخزن الملابس، واعتدى على أحد العاملين، وزاد البعض توسعا في الحكاية إلى حد اتهامه بسرقة الملابس، وفي ضوء هذا اللغط أصدر رئيس الاتحاد هاني أبو ريدة قرارا باستبعاده من البعثة، لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
في اليوم نفسه ترددت أنباء عن تهديد مجدي عبد الغني لزملائه في مجلس الاتحاد بفضح ما يحدث في كواليس الجبلاية حال الإصرار على استبعاده من البعثة، وهو التهديد الذي أشار له أحمد شوبير في برنامجه، وانتقده من باب ربط مجدي عبد الغني لفكرة كشف المخالفات والتجاوزات بموقف الاتحاد باستبعاده أو الإبقاء عليه، ما يعني ضمنيا «الطرمخة» على بعض الأمور حال سفره إلى روسيا، لنفاجأ به بعد أيام مع البعثة في كأس العالم بالفعل.
في روسيا لم يظهر مجدي عبد الغني إلا في موقفين: الأول وهو يصلي في الملعب خلال أحد تدريبات المنتخب، في موقف استعراضي شوهاتي غير مفهوم، خاصة مع الحضور الواسع للصحفيين وكاميرات القنوات التليفزيونية، ما يُعني أن الكابتن الذي اختار الملعب ساحة صلاة، ولم يُؤد فريضته في إحدى الغرف أو المنشآت بعيدا عن الكاميرات، كان يقصد توجيه هذه الرسالة بالصورة التي وصلت للجمهور وتداولتها الصحف ومواقع التواصل، ويصطنع ورعا وسمتا دينيا خارج مجاله ومكانه الطبيعيين، بينما كان الموقف الثاني الأكثر استفزازا من مدرجات مباراة روسيا، كانت النتيجة تقدم روسيا بثلاثة أهداف مقابل هدف، بينما تقتنص الكاميرا الكابتن مجدي عبد الغني وهو في حالة من الانبساط والمرح، كأنه روسي الجنسية، أو شامت في المنتخب، وكل ما يهمه وعلّق عليه أن هدف مصر الذي أحرزه محمد صلاح جاء من ركلة جزاء مثل هدفه في كأس العالم 1990، وهو موقف لن يحتار مجدي عبد الغني في تبريره، كما اعتاد اللف والدوران والتبرير بسطحية واستغفال للناس، طالما لا أحد يُحاسبه أو يردعه، لكنه في العمق موقف كاشف للضحالة وانعدام الإحساس بالمسؤولية، ولا معنى لأن ترى أحد المسؤولين عن حضور مصر الباهت في البطولة العالمية الأكبر، مغرقا في فاصل هستيري من الضحك، إلا أنه من نوعية لا تصلح للمسؤولية، أو أنه لا يعنيه المنتخب ولا الاتحاد ولا صناعة الكرة من الأساس.
بعد عودة البعثة من روسيا مبكرا جدا، نظم اتحاد الكرة مؤتمرا صحفيا موسعا، تخيل المتفائلون أنه استجابة لحالة الغضب الشعبي الواسعة، وملاحظات الجمهور والإعلام والرياضيين والفنيين على الأداء السيئ للاتحاد والمنتخب والجهاز الفني، لكن المهندس هاني أبو ريدة أبى إلا أن يواصل الاستفزاز وتحقير مشاعر الناس والاستخفاف بغضبهم، فلم يعتذر اعتذارا جادا عما حدث، ولم يعترف بأي كارثة من الكوارث التي ارتكبها، فقط كان يصر إصرارا متغطرسا على غسيل يديه وأيدي تابعيه في المجلس، وهي الحالة التي استمرأها مجدي عبد الغني، فوقف وسط المؤتمر متجاوزا طبيعة المؤتمرات الصحفية، وتمثيل أبو ريدة للمجلس وله بالطبع على المنصة، وأسئلة الصحفيين والإعلاميين الحضور، وكل ما كان يشغله هو تبرئة نفسه من الاتهامات الموجهة له، والاعتراض على قرار استبعاده من البعثة، بزعم أنه لم يفعل شيئا، وهو ما رد عليه هاني أبو ريدة مكررا موقف اقتحام مخزن الملابس، لكنه برر الأمر هذه المرة باستعجال مجدي وحماسه، وبأنه لم يكن يقصد.
هكذا يدير مجلس هاني أبو ريدة أمور كرة القدم، يديرها بالحماسة والاستعجال، ويغفر السقطات بالرهان على حُسن النوايا وعدم القصد، هكذا يخرج رئيس الاتحاد الذي كلف قطاع الرياضة عشرات الملايين، ثم بدد حلما كبيرا بطريقة ساذجة، وبصورة خاصمة من شرف المنتخب وسُمعة الكرة المصرية، وفي الوقت نفسه لا يهتم أحد أبرز الوجوه في مجلسه بكل هذه الملايين والفضائح والكوارث والملاحظات، ويشغله فقط أن يقف صارخا «أنا بريء، أنا ما عملتش حاجة»، فمن الجاني يا تُرى؟ هل جنى الاتحاد على مجدي؟ أم جنى مجدي على الاتحاد؟ أم جنوا جميعا علينا وعلى المنتخب والكرة المصرية؟!
أمس نشرت الزميلة «أخبار اليوم» عبر بوابتها الإلكترونية قائمة تتضمن عشرات القطع من الملابس وأطقم التدريب والمباريات والأحذية وحقائب السفر، ربما تتجاوز قيمتها عشرات الآلاف من الجنيهات (بالنظر للماركات وأسعارها في الأسواق) وقالت في تقريرها إن القائمة صورة ضوئية بخط أمين مخازن الاتحاد للملابس التي حصل عليها مجدي عبد الغني قبل السفر لروسيا. في مساء اليوم نفسه خرج مجدي في أحد البرامج مزمجرا ونافخا نارا ودخانا من فمه ومنخريه، وهدد بسجن أحد الزملاء الصحفيين؛ لأن القائمة بحسب قوله مختلقة وغير حقيقية، لكنه لم يُفوّت الفرصة للقول إن اللاعبين حصلوا على 35 طقم ملابس لكل منهم قبل المونديال، وإن رؤساء بعثات المنتخب في التصفيات المؤهلة لكأس العالم والمباريات الودية في مرحلة الإعداد كانوا يحصلون على عشرة أضعاف هذه القائمة، وإن الاتحاد يُخرج بعض الهدايا من هذه الملابس، هكذا تخيّل مجدي أنه برّأ نفسه، لكنه فجّر في وجوهنا كارثة تُجبرنا على اتهامه - بجانب كل زملائه في مجلس الاتحاد - والتساؤل: لماذا يحصل كل لاعب على 35 طقم ملابس في ثلاث مباريات والطبيعي طقم أو اثنان فقط في كل مباراة؟ ولماذا يحصل رئيس بعثة في رحلة لا تتجاوز عدة أيام على عشرات الأطقم والأحذية بعشرات الألوف من الجنيهات؟ - كما قال مجدي - ولمن تذهب الهدايا؟ ولماذا؟ ومن المسؤول عن هذا؟ وهل لا يدين مجدي عبد الغني نفسه بالصمت الطويل على كل هذه الأمور سيئة الرائحة، ثم ذكرها الآن فقط وهو يبحث عن أي مبرر سطحي لتبرئة نفسه من الاتهامات التي تلاحقه؟
بالتأكيد لن نحصل على أجوبة عن هذه الأسئلة وغيرها، كما اعتدنا من اتحاد الكرة وأعضائه وأصدقائهم وداعميهم، ولن يفسر لنا أحد كيف سافر مجدي عبد الغني إلى روسيا بعد قرار استبعاده من البعثة؟ ومن تحمل تكلفة السفر ونفقات الكابتن ومن رافقه؟ وهل كان السماح بسفره استجابة لتهديداته بفضح كواليس الجبلاية؟ وهل قدّم مجدي شيئا آخر مقابل السفر غير الصمت؟ ومن يضمن لنا انضباط الأمور وقانونيتها داخل الاتحاد، وسط أجواء من التهديد إذا طال الأمر مصالح الأعضاء، والطرمخة إذا حصلوا على ما يريدون؟
كل الأمور والتفاصيل، في مصر أو الشيشان أو روسيا، في المؤتمر الصحفي أو خناقات الأعضاء في الاجتماعات والإعلام، في التلويح بالاستقالة أو التراجع عنها، في إدانة كوبر وتحميله مسؤولية الفشل ثم الترتيب لتكريمه وشكره، كلها تؤكد الحاجة الماسة لفتح ملفات اتحاد الكرة رقابيا وقانونيا، وإذا كانت لوائح الفيفا ترفض تدخل جهة الإدارة التنفيذية في الاتحادات الوطنية، فإنها لا تغلّ أيدي مؤسسات الرقابة والقانون عن مواجهة الفساد، حال ثبوت مخالفات وتجاوزات إدارية ومالية، وإذا كان الاتحاد متورطا في عشرات المصائب التي تحتاج تحقيقا موسعا، وكشفا للكواليس بالتفاصيل والأرقام، فإن ما يفعله الكابتن مجدي عبد الغني مصيبة أخرى ضخمة لا تقل عن هذه المصائب، سواء في عدم تحمل المسؤولية والاستهانة بالخسارة والعودة المبكرة، بدرجة تقترب من الشماتة في المنتخب، أو اهتمامه باسمه ومصالحه على حساب المنظومة والصالح العام، أو تورطه في سقطات عديدة لا تليق بمسؤول من الصف الأول في صناعة كرة القدم، ومحصلة عشرات الملاحظات والشبهات والمواقف الاستفزازية التي يمكن رصدها للرجل، تؤكد أنه يتعامل باستخفاف مع الجميع، وكأنه فوق القانون والأخلاق والرقابة والمساءلة، وكأن «محدش مالي عينه» أو «ملوش كبير» حتى لو كان هذا الكبير هو احترام النفس والتزام المسؤولية والانصياع للقانون، وهذه مصيبة في الحقيقة، مصيبة تلخص أداء اتحاد الكرة وكوارث أعضائه جميعا دون استثناء، بين المعلن والمستخبّي، ما فوق الترابيزة وما تحتها، الشعارات والفعل الماسخ، الخطأ والتنصّل منه، انعدام الرؤية وادّعاء الكفاءة، الجناية على المنتخب ثم السخرية منه ومن الجمهور، مصيبة يتقاسمها هاني أبو ريدة وشلّته وتابعيه والمسبحين باسمه، ويمكن تلخيصها كاملة في اسم مجدي عبد الغني.