الدور المفقود والأمل المنشود
السبت، 30 يونيو 2018 09:00 ص
الفلسفة الكونفوشيوسية التي نشأت في الصين، وامتدت إلى البلاد المجاورة كاليابان وكوريا وغيرها، ساهمت في وضع لبنات الاستقرار الداخلي للصين وتلك الدول، وأنشأت جيلا يشعر بالمسؤولية تجاه بلده، وكان لصاحبها كونفوشيوس الفضل الكبير في الإصلاحات الفكرية والسياسية والأخلاقية التي عرفتها الصين الحديثة، بعد أن دعا إلى مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية الرفيعة، وحاول أن يغير واقع بلاده آنذاك، حين شهدت اضطرابات سياسية وفوضى اجتماعية كبيرة، وكان محور المشروع الإصلاحي الذي جاء به هو ( الإنسان) والسمو بأخلاقه وسلوكه.
وتلك المبادئ هي ذاتها ما يحتاج إليها مجتمعنا الآن، بعد كل أصابه من عطب أخلاقي وسلوكي، وهو الدور الذي نأمله من وزارة الثقافة في المرحلة المقبلة، باعتبارها من أهم الوزارات على عكس ما يتصوره البعض. لقد وقعت على أذني كلمات الرئيس السيسي أمام البرلمان مؤخرا بضرورة الاهتمام بالتنمية البشرية كوقع السحر وملأتني بالأمل والتفاؤل، فها نحن نتجه أخيرا لبناء الإنسان الذي بدونه لن يجدي أي بناء ولا أي حصاد مالي.
إن الثقافة هي «ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة» على حد قول ألبرت أينشتاين ، لذا فتثقيف وغرس مكارم الأخلاق بداخل الإنسان قد يكون أهم من تلقينه معلومات قد ينساها فيما بعد.
ومن هنا فإن تدقيق وزيرة الثقافة في اختيار فريق عملها ومعاونيها يعد أمرا غاية في الأهمية من وجهة نظري، ويجب أن تكون له معايير جديدة تتناسب مع توجهات المرحلة، فنحن بما نعانيه من مأساة أخلاقية وسلوكية لا نحتاج لوزير فنان فقط، بل نحتاج لفريق من المتخصصين في علم النفس والتنمية البشرية كي يستطيعوا مجتمعين وضع يدهم على داء المجتمع الفكري وسبل شفائه، فإذا كنا نبحث عن فرص جديدة للاستثمار فيجب أن نعلم جيدا أن الاستثمار في الانسان هو الأهم، حتى وإن كانت ثماره تجنى على المدى البعيد.
إن دور وزارة الثقافة أكبر بكثير من حفلات دار الأوبرا وتنظيم مهرجان الطبول، فتوعية الإنسان ونقله من العشوائية الفكرية والسلوكية المسيطرة عليه إلى الوعي وتقدير قيمة العمل والوطن، وعودة مصر أرض الحضارة ومهد الثقافة والعلم والفنون يجب أن يكون الهدف الأهم، فالثقافة ليست ترفا عقليا بل ضرورة بشرية يجب وضعها على رأس الأولويات.
بالتدقيق سنجد أن هذه الوزارة الهامة تعد شريكا أساسيا لجميع الوزارات، فإذا كنا نتحدث مثلا عن أهمية دور وزارة الإسكان في التخلص من ظاهرة العشوائيات السكنية، فدور وزارة الثقافة متواز معها للقضاء على العشوائيات الفكرية والثقافية فلا يكفي أبدا نقل الإنسان كجسد من مكان لمكان دون نقل عقله وفكره وروحه.
وإذا كان الجيش يحارب ويقاتل لأجل الوطن بجنوده وأسلحته، فسلاح وزارة الثقافة لا يقل قوة في توعية المواطن منذ نعومة أظافره بقيمة الوطن والجيش الوطني وضرورة الوقوف بجانبه والحفاظ عليه. ولنَقِس على ذلك دورها التشاركي مع باقي الوزارات إذا أردنا منظومة نجاح شاملة للدولة ككل.
آمالا كبيرة معقودة عليها في المرحلة المقبلة، لذا من الضروري زيادة ميزانيتها كي تتمكن من القيام بدورها في إنتاج برامج وأفلام هادفة ومؤثرة في توجيه المجتمع، ونشر المكتبات الدائمة والمتنقلة في كل مكان حتى في القرى والمناطق المنسية، وإقامة الندوات التثقيفية في ربوع مصر، والمساهمة في التطوير السلوكي لسكان العشوائيات الذين انتقلوا للمجتمعات السكنية الجديدة، ووضع الخطط والبرامج المُحقِقة للهدف الأسمى وهو بناء مواطن صالح.
المهمة صعبة لكنها غير مستحيلة، كل ما تحتاجه رغبة حقيقية وتحرك سريع، فعندما تريد شيئآ، وتعمل بجِد لتحقيقه يتواطأ الكون كله لصالحك.