ورد النيل.. من الرش بالمسحوق الأصفر إلى إهدار المياه
الجمعة، 29 يونيو 2018 08:00 ص
عندما كٌنّا أطفالاً صغاراً نسبح طوال موسم الصيف ببحر يوسف،أحد فروع نهر النيل،الواصل لقريتنا "منهره" مركز إهناسيا المدينة محافظة بنى سويف،لم نكن نتخيل أو نتوقع أن هذه النباتات،ذات الزهور البنفسجية الجميلة ،التى كانت تشاركنا ــ وقتها ــ السباحة فى النيل بهذه الخطورة،وتحوى هذا الكم الهائل من المضار والفوائد فى نفس الوقت،كانت هذه النباتات ــ ومازالت ــ تنتشر بكثرة،فى بحر يوسف و فى نهر النيل والترع والمصارف والمجارى المائية،ونشاهدها طوال النهار ونتسابق فى الوصول والركوب عليها،ومنّا من كان يأخذ استراحة عليها ويقطف من أزهارها،ويعود للشاطىء حاملاً هذه الزهور،وكأنه فارس منتصر عائد من معركة.
سيارات المسحوق الأصفر
فوق مياه بحر يوسف،وعلى أحد أقدم الكبارى العلوية على مستوى الجمهورية ببنى سويف،لاحظنا ــ ونحن أطفال ــ أنه من وقت لآخر،كانت تأتى عدد من السيارات مابين 30 – 50 سيارة لرش مياه البحر كل 6 أشهر،بمسحوق أصفر من الساعة الـ 8 صباحاً وحتى حوالى الساعة الـ 3 عصراً،وما أن يختلط هذا المسحوق بالمياه،فتبدأ الأسماك فى الظهور على سطح الماء شبه "سكرانة"،وهى تسبح مسرعة بطريقة دائرية رافعة رأسها فى الهواء،كانت أمنياتنا فى هذه الفترة،أن نصطاد الأسماك البياض والقراميط وثعبان السمك فقط،ولا ندرى أن هذه السيارات لم تكن تأتى لتساعدنا فى عمليات الصيد،بل كانت تأتى لمهمة وطنية وقومية أخرى،وأن المسحوق الأصفر الذى كانت تقوم برشه فى البحر كان للقضاء على وباء ومرض "البلهارسيا"،والذى كان منتشراً وقتها بصورة خطيرة فى ربوع مصر،وكان التركيز وقتها على ورد النيل لأن قواقع المرض تتعلق به وتسكن فيه.
ورد النيل وكوارثه
بعد أيام الطفولة و السباحة على ورد النيل،جاء الدور على أن نعرف أن هذا النبات الذى تزينه زهور بنفسجية رائعة ،يخفى من الأسرار والأضرار الكثير والكثير،وأنه ليس بالبراءة ولا البساطة التى كُنّا نظنها،فهو أحد أنواع الحشائش الضارة والمنتشرة علي ضفاف نهر النيل، وفي المسطحات المائية والمصارف،وهو من أخطرها ضرراً على الإنسان والبيئة في العالم وخاصة مصر،وأنه أحد النباتات المائية التى تطفوا وتتكاثر بسرعة كبيرة ،وتستهلك كميات كبيره من الماء والأكسجين الذائب في الماء،وهو ما يغير من الخواص الطبيعية للماء فى الطعم والرائحة لتصبح كريهة،مع ارتفاع تكاليف المكافحة الميكانيكية لهذا الوباء،وأن النبات الواحد من ورد النيل ينتج فى الشهر 48 ألف نبات،وهو ما يشبه السرطان سريع الانتشار،و يؤدى إلى تبخير كميات هائلة من المياه ،تقدرها بعض الدراسات والخبراء بحوالى 3 مليارات متراً مكعباً من المياه،وهو ما يكفى لزراعة مساحات واسعة من الأراضى، ومن أخطاره أيضا تكاثر أنواع من الذباب والبعوض والقواقع التي تعتبر العائل الناقل لمرض البلهارسيا التى تلتصق بالجذور، علاوة على أنه يشكل بيئة مناسبة وطبيعية لإيواء التماسيح والثعابين.
امتصاص المعادن الثقيلة من المياه
كانت بداية جلب ورد النيل إلى مصر،من موطنه الأصلى فى المناطق الاستوائية بأمريكا الجنوبية ،فى عهد الخديوى توفيق 1879-1892،هدفها الأساسى أزهاره المتفتحة الرائعة ذات اللون الجميل لتزيين نافورات القصور،غير أن الفوائد التى ظهرت لهذا النبات مع مرور السنين،بعد ذلك كانت كثيرة، رصدتها أقسام بحوث المياه فى عدد من الكليات والمعاهد ومراكز البحوث المصرية،ومنها أن هذا النبات يعتبر جهاز طبيعى ينقي مياه الأنهار والترع والمصارف،ولديه القدرة الكبيرة أيضا على امتصاص بعض المعادن الثقيلة والسامة،مثل الذهب والفضة والكوبالت والرصاص والزئبق والنيكل والكادميوم،كما أثبتت الدراسات أن 97% من الكادميوم والنيكل يتركز فى جذوره خلال يوم واحد فقط،كما يمتص المركبات العضوية الموجودة فى مياه الشرب و الخاصة بالمدن الكبرى، فهو جهاز لتحسين خواص مياه النيل ،كما ينقى ورد النيل مياه الصرف الزراعى ، ويقلل من مستوى الملوثات بنسبة من 75 – 80% ، من فوائد ورد النيل أيضا،أن أقسام"السليولوز" وأعلاف الحيوان،فى كليات الزراعة والمراكز البحثية،وخاصة المركز القومى للبحوث بالدقى،تعج بعشرات الدراسات عن استخدام ورد النيل،فى صناعات عديدة مثل الأعلاف الحيوانية والورق وغيرها،وتحتاج فقط إلى من ينفض الغبارعنها لترى النور على صورة صناعات تخدم وتفيد المواطن المصرى.