مشهد احتجاجات الفقراء وإضراب البازار، يفصله عن مظاهرات الفقراء نحو 5 أشهر، إلا أن الشعارات كانت واحدة، حيث رفع المحتجون سواء فى احتجاجات ديسمبر أو فى إضراب البازار شعارات «الموت للديكتاتور.. الموت لروحانى.. واتركوا سوريا وانظروا لحالنا.. واخرجوا من سوريا.. لا غزة ولا لبنان روحى فداء لإيران.. غادروا سوريا».
ورغم أن شعارات ديسمبر فرضت على طهران مراجعة سياساتها ولو على مستوى مراكز صنع القرار فى الداخل، إلا أن الدولة الإيرانية نجحت فى إخماد احتجاجات الفقراء بالقوة وقمعت الشرطة المتظاهرين، ولم تعالج أسباب الاحتقان من الجذور فباتت الإضرابات والاحتجاجات المتفرقة والفئوية والعمالية منها احتجاجات سائقى الشاحنات مايو الماضى وغيرها من الوقفات التى بدت تفتت فى عضد الدولة من الداخل، إلى أن انفجر الوضع مجددًا فى الـ 24 من مايو الجارى على واقع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
على ما يبدو أن سياسة التمدد التي تدعمها إيران أصبحت تؤرق شعبها، فسياسة مد النفوذ الإيرانى واستخدام جماعات وفصائل موالية لها فى البلدان العربية، واستنزاف أموال الشعب الإيرانى فى الخارج، وانفاقها على حلفاءها فى سوريا والعراق ولبنان لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة فيما تركت شعبها فريسة للفقر والغلاء، ضريبة دفعت ضمنها الدولة الإيرانية من خلال الأزمة الاقتصادية تعصف بها منذ أشهر، إضافة إلى عودة العقوبات الأمريكية المشلة للاقتصاد الإيراني.
وجاءت النتيجة أن تراجعت العملة الإيرانية الوطنية (التومان) إلى أدنى مستوياتها وفقدت أكثر من 60% من قيمتها، وأدى الهبوط الحاد للعملة الإيرانية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى التى تخطت الـ 9 آلاف تومان للدولار الواحد، إلى ارتفاع ملحوظ فى أسعار السيارات والعقارات والسلع والبضائع المستوردة، مما تسبب فى ارتفاع معدل التضخم مجددا إلى 10% بحسب إحصائيات غير رسمية، وعليه تأثرت معيشة الفرد فى المجتمع الإيرانى الذى أنهكته الأزمة وضرب الكساد تجار البازار.
أكدت شعارات تجار البازار والفقراء فى إيران على أن حكومة بلادهم تركز جهودها وتنفق أموالها على القضايا الإقليمية وبسط نفوذ النظام فى المنطقة، عبر التدخل في سوريا ودعم طهران لأذرعه فى المنطقة وعلى رأسها حزب الله وحماس، بدلا من التركيز على تحسين ظروف مواطنيها، وجاء «حزب الله اللبنانى» الموالى لإيران فى مقدمة الأذرع الإيرانية التى تلتهم أموال الإيرانيين.
تنفق إيران بشكل رئيسى سنويا على حزب الله نحو 800 مليون دولار سنويا، بحسب دينيس روس مساعد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما الذى كشف سبتمبر العام الماضى عن فاتورة دعم إيران لميلشيا «حزب الله» اللبنانى، والذى قدرتها الإدارة الأمريكية، بنحو 800 مليون دولار سنويا، وأكد المسئول الأمريكى أن واشنطن ترصد بدقة التمويلات التي ترسلها «طهران» إلى عدد من مليشياتها المسلحة فى بلدان الوطن العربى.
وتشير تقارير أجنبية، إلى أن الحزب بدأ يتلقى نحو 100 مليون دولار سنويا نقدا من ايران فى بداية التسعينيات، وتضاعف هذا المبلغ مع حلول العام 2000، بالإضافة إلى الأسلحة، والتدريب، والدعم الاستخباراتى، والمساعدة اللوجيستية وغيرها، ويستحوذ القطاع العسكرى فى الحزب على الحصة الأكبر من الدعم، فضلا عن انفاق طهران نحو 25 مليون دولار لإعادة بناء طرق وترميم البنية التحتية فى لبنان عام 2007.
كل هذا الكم الضخم من الأموال والتكلفة العالية التى تتكبدها طهران، ويحرم منها الإيرانيون، يرى النظام أنه سيحصد ثمار ما أنفق، عبر بسط نفوذه فى لبنان، وتقوية الحزب ليشكل دولة داخل الدولة يكون له الكلمة العليا فى كافة الشئون السياسية، ويمكن طهران من أن تملى عليه سياساتها، الأمر الذى حدث بالفعل وتسبب فى أزمات عدة مرات بها لبنان، بداية من أزمة الفراغ الرئاسى الذى عاشته لبنان ما يزيد عن عامين والنصف حتى انتخاب الجنرال ميشال عون فى 2016 ، وصولا إلى أزمة استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريرى نوفمبر الماضى، احتجاجا على ممارسات الحزب، وجر لبنان نحو التورط فى الحرب الدائرة فى سوريا بذريعة محاربة الإرهاب لتنفيذ أجندة طهران.
وفى سوريا أمدت إيران الحكومة السورية بالدعم المالى واللوجيستى، فضلا عن إمدادها بفيالق الحرس الثورى الإيرانى وأشهرها فيلق القدس، وأشارت التقارير إلى أن متوسط إنفاق إيران فى سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويا، بحسب المتحدثة باسم المبعوث الدولى إلى سورية ستيفان دى مستورا جيسى شاهين، ما يعنى أنها دفعت 36 مليار دولار خلال ستة أعوام من الحرب السورية، فيما تحدث مسئولون فى الجيش الإسرائيلى عن أرقام أخرى الدعم المالى الإيرانى لسوريا، وقال جابى ايزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، يناير الماضى أن طهران أنفقت منذ عام 2012 المليارات فى سوريا.
فى النهاية تحطمت طموحات مد النفوذ الإيرانية فى العالم العربى، تحت أقدام المحتجين الذين ضاقوا ذرعا من انفاق الحكومة السواء الأعظم من الأموال على أجندتها الخارجية، دون أن يستفاد الشعب بها، الذى بات يئن من أزمة اقتصادية تعصف بحياته.