العالم ليس مدينة فاضلة.. 115 سنة على مولد رائد الديستوبيا وصاحب "مزرعة الحيوانات"
الإثنين، 25 يونيو 2018 04:00 م
ليست مبالغة إذا وصفنا "جورج أورويل" المولود يوم 25 يونيو، عام 1903، بأنه سيد أدب الديستوربيا، بعدما تسببت روايته الأشهر 1984، في أن تكون رواية رائدة لهذا اللون الفني الممتع، وكان جورج أورويل قد كتب 1984، عام 1949، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات، فبيع منها ملايين النسخ، وترجمت إلى عشرات اللغات، وظلت في قلب وعقل الروائيين الكبار، والصغار.
جورج أورويل
وتوفي جورج أورويل عام 1950، إلا أنه عاش بفضل إبداعه المهم لعقود، ففي عام 2008، وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية ضمن قائمة أعظم 50 كاتبا بريطانيا منذ عام 1945، واستمرت تأثير أعماله على الثقافة السياسية، بل لقد صك السياسيون مصطلح "الأورويلية" لوصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي.
واسم أورويل الحقيقي هو "إريك آرثر بلير" لكن جورج أورويل يظل هو الاسم الذي اختاره صاحبه لممارسة عمله الصحفي، والأدبي، ويقال أنه اختار هذا الاسم المستعار، لتجنب إقحام عائلته فيما يكتب، أو الزج باسمهم، وكذلك لاستنكاره بعض ممارسات أفراد عائلته، التي اتسمت بالتعالي على الطبقات الأخرى، إذ كان ينتمي جورج أوريل إلى عائلة تعيش في مستوى اجتماعى عال، جعلها تستعلي بممارستها على الطبقات الأدنى منها.
يقول جلال أمين في كتابه "تجديد جورج أورويل" الصادر عن دار الكرمة للنشر في القاهرة، إن معظم الكتب يطويها النسيان بعد فترة طويلة، أو قصيرة، وقليل جدا من الكتب ما يظل عالقا بالأذهان، رغم مرور الزمن، تُطبع ثم يعاد طبعها، تظل نسخ منها على رفوف المكتبات، لأن أصحابها واثقون من أن هناك من سيأتي لطلبها، ولا تتوقف الإشارة إليها في الكتب والمجلات والصحف، دون حاجة إلى التعريف بها، إذ يُفترض أن القراء يعرفونها ولديهم فكرة ما عن مضمونها.
ويواصل جلال أمين: من هذا النوع الأخير من الكتب بلا شك رواية 1984، للكاتب الإنجليزي جورج أورويل التي مر على صدور أول طبعة منها ثلثا قرن، 66 عاما، ولا تزال تُعاد طباعتها المرة بعد المرة، وبمختلف لغات العالم.
أتم جورج أورويل كتابة الرواية في عام 1948، ويقال أن هذا سبب تسميتها بـ1984، بقلب موضعي الرقمين الأخيرين، ونشرت روايته في السنة التالية، ومات أورويل بعد أشهر قليلة من نشرها في يناير 1950، في سن صغير، إذ لم يتجاوز السابعة والأربعين، وكان مريضا بالسل، قبل أن يُكتشف لهذا المرض علاج فعّال.
كان يعرف جيدا وهو يكتب روايته أنه لم يتبق له إلا وقت قصير، وكان يعتبر الانتهاء من كتابة الرواية أمرا بالغ الأهمية، فأخذ يكتب بسرعة وبطريقة محمومة، وفي أسوأ الظروف، وهو ما جعله يصف الرواية بعد أن انتهى من كتابتها بأنها فكرة جيدة ولكنني أفسدتها.
بالتأكيد لم يفسد جورج أورويل روايته الأشهر العظيمة، التي حلت في محل ريادة الأعمال الديستوبية، وبالتأكيد كان قد قسا على نفسه في هذا الوصف.
لم يكتب أورويل لتسلية نفسه، أو لتسلية قارئه، بل ولم يكتب لمجرد الوصول إلى فهم أعمق للحياة، أو الطبيعة الإنسانية، إنه يكتب بهدف الإصلاح دائما، وكان غاضبا غضبا شديدا، على ما يراه، وخائف أشد الخوف مما يمكن أن تتطور إليه الأمور، خاصة من ازدياد قهر الدول الشمولية للفرد وحريته، وعلى الأخص حريته في التفكير.
وهذه الرغبة القوية تلديه في الإصلاح جعلته يتجاوز شروط الرواية ويعطي أولوية لرسالته، على حساب بعض التكنيكات الروائية المعروفة، وربما هذا يفسر لماذا شاعر عظيم مثل "ت.إس.إليوت" أوصى برفض نشر الرواية، عندما طلب أحد الناشرين رأيه فيها، على حد قول جلال أمين في كتابه، إذ يرجح الأخير أن هذا هو سبب أن ناشر الرواية طلب من أورويل حذف الملحق الخاص باللغة الحديثة "نيو سبيك".
غلاف كتاب تجديد جورج أورويل
يقول جلال أمين: لنا أن نتصور الآن مالذي يمكن أن يشعر به إليوت الآن، بعد مرور ستين عاما على نشر الرواية، وتحقيقها كل هذا النجاح، وما الذي كان يمكن أن يشعر به الناشر الذي طلب حذف الملحق، ولم ينشره إلا بعد تصميم أورويل.
من بين أعمال جورج أورويل الأخرى، التي نالت شهرة لا تقل عن شهرة روايته "1984"، روايته "مزرعة الحيوانات"، و"رحلة إلى كاتالونيا" كما كتب كتابا عن المشردين، والفقراء، عنونه "حياة التشرد في لندن وباريس"، وكتب كتابا عن الممارسات الاستعمارية الكريهة في "بورما" بعنوان "أيام بورما" تفضح طريقة تعامل الاستعماريين الإنجليز مع السكان الأصليين في آسيا.