شيرين سيف الدين تكتب:
عشاق الحياة
الأحد، 24 يونيو 2018 12:00 م
السعادة إحساس داخلي ينفث أريجه من الداخل إلى الخارج وليس العكس، لذا نجد أن عشاق الحياة لا يقهرهم غلاء ولا فقر ولا مشكلات ، فهم يبحثون في كل قبح عن جمال .. يبصرون بقلوبهم النور حتى في الظلام .. يقهرون الظروف ويقررون الحياة واقتناص لحظات السعادة متى ظهرت .. يحلون المشكلات بالبناء والإيجابية لا بالهدم أو السلبية .. حقا من يخش الحياة يعش محروما .
كانت هناك نصيحة لديل كارينجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة تقول إذا أردت التوقف عن القلق والبدء في الحياة إليك بهذه القاعدة (عدد نعمك وليس متاعبك )، ومن الجميل أن غالبية الشعب المصري يعملون بتلك النصيحة بشكل فطري ، فنحن من الشعوب العاشقة للحياة ، وبالرغم من ظهور نماذج كارهة لأنفسها ، إلا أنها لا تستطيع أن تعكس تشاؤمها وكرهها للحياة على الغالبية العامة ، الشعب المصري شعب واع ولديه قرون استشعار تفرق بين الخطر وبين المشكلة ، لذا تجده وقت الخطر حائط صد ، أما وقت المشاكل فلديه دائما حلول بديلة ، ولا تمنعه الظروف من الاستمتاع بحياته وبجمال وطنه ، ومن الفرحة مادامت ممكنة .
نحن لا نحيا في الجنة ، ولا أحد يدعي أن حياته لا يعكر صفوها شيئ ، إلا أننا أيضا لا نعيش في جحيم ، نعم نحلم بالأفضل دائما إلا أن الله قد حبانا بنعم كثيرة قد لا يستشعرها البعض لأنه استسلم لنسيان الموجود والتركيز فقط مع المفقود ، قد تكون البركة أحيانا أعظم المنح الإلهية ، فالبركة في الصحة والأبناء والمال حتى وإن قَلْ تحول الإنسان لملك .
رأيت بعيني ولمست بإحساسي عشق الشعب للحياة وتمسكه بالفرح خلال العيد المنصرم ، فلظروف خاصة قضيت العيد في القاهرة ولم أسافر ككل عيد ، واضطررت لقضاء بعض المشاوير في ثالث أيام العيد في منطقة الزمالك مرورا بوسط المدينة حيث أرض الواقع وتنوع الطبقات ، وبعيدا عن مواقع التواصل الاجتماعي أو العالم الافتراضي ، وبعيدا أيضا عن عالم الطبقة الواحدة ، فقد مررت ليلا على ميدان التحرير وإذا به يكتظ بعدد لا يحصى من البشر للاحتفال بالعيد ، وأضعافهم يملأون طول كورنيش النيل يحتفلون على طريقتهم الخاصة وبقدر ما تسمح لهم إمكانياتهم المادية به ، والفلوكات تملأ نهر النيل بالأضواء والأغاني وضحكات الركاب ، جميعهم يستمتعون بما منحهم الله من نعم وطبيعة وأرض ووطن آمن متناسين همومهم وراضين بأقدارهم .
وعلى الجهة المقابلة حيث الفنادق المطلة على النيل تستطيع أن تجد المطاعم أيضا مكتظة برواد من طبقة أخرى مختلفة ، يستمتعون بنفس الإطلالة للنهر الذي يشاهده السائرون على الأقدام ، كل منهم قرر اقتناص لحظات سعادة حسب قدراته .
ارتسمت على وجهي ابتسامة اطمئنان أثناء تفقدي لحالة السعادة والرضا الغالبة على الوجوه ، واشتراك الأغلبية في حب الحياة والرغبة في تخطي العقبات وتناسي المشكلات .
كان هذا العيد برغم كل شيء مؤشرا يؤكد أن هذا الشعب عاشق للحياة ، وعاشق لتراب وطنه ونسمات هوائه وتسري عليه مقولة يا جبل ما يهزك ريح .
وإذا الشعب يوما أراد الحياة لابد أن يستجيب القدر ، ونحن شعب يعشق الحياة لذا سيجبر القدر على الاستجابة ، كل ما نحتاج إليه هو الصبر والعمل والبذل بإخلاص وتفاني ، ومن يريد أن ينتصر في الحياة عليه أن ينتصر أولا على نفسه وعلى تواكله وكسله وأنانيته ، وأن يبدأ بنفسه ويعدل من سلوكه كي تتكامل المنظومة ويتحقق الأمل المنشود بغد أفضل ، وصدق رسول الله حين قال تفاءلوا بالخير تجدوه ، وكلي ثقة بأن الخير قادم بإذن الله ، فالرضا لمن يرضى .