الأسباب الحقيقية لما حدث للمنتخب في روسيا
الأربعاء، 20 يونيو 2018 09:32 ص
لا تنتظروا المعجزة، ولا تبحثوا عن المستحيل، ولا تدعوا الله أن يعطيكم ما لا تستحقون، فالسماء لا تستجيب دعوات المتسولين.. وحسابات العقل والمنطق تؤكد خروجنا من مونديال روسيا 2018. بينما يتبقى أمل، فرغم كونه مستحيلًا، إلا أن ربك «يحيي العظام وهي رميم»!
للأسف، نحن لا نتعلم من أخطائنا. في كل مرة نكتب نفس المقدمات وننتظر نتائج مختلفة. أي هراء هذا؟ مَنْ قال إن النجاح يأتي لطالب فاشل لم يستعد جيدًا للامتحانات؟ مَنْ قال إن المجتهد يتساوى مع المهمل؟ وهل يستوي الذين يفكرون ويخططون يعملون ويلتزمون والذين لا يفكرون ولا يخططون ولا يعملون ولا يلتزمون؟ بالقطع لا. فالله لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملًا.
بعيدًا عن العازفين على ربابة الروح القتالية للاعبين، والتغني بسلوك بعثتنا والوفد المصري والجماهير المصرية الغفيرة التي أبهرت الروس، وأشاعوا الدفء في روسيا الباردة، فإن الحقيقة الوحيدة التي سيكتبها التاريخ في صفحاته أننا خرجنا من الباب الخلفي لكأس العالم.
لكن مَنْ يتحمل هذه النتيجة؟ وما أسباب هذا الخروج المهين؟ هل هو المدير الفني وطاقمه التدريبي؟ هل اللاعبون؟ هل اتحاد الكرة؟ هل الشركة الراعية؟ أم فساد المنظومة بأكملها؟
ظني أن ما وصلنا إليه لم يكن إلا نتيجة عوامل عدة، منها:
أولًا: غياب التخطيط والاحتراف الحقيقي. نعم نحن- وبدون زعل- لا علاقة لنا بالاحتراف ولا بالتخطيط السليم، ليس في الرياضة فقط، بل في المجالات كافة. فقد أهملنا الاهتمام بالناشئين والشباب. تعاملنا معهم على أنهم «شوية عيال»، فلم نوفر لهم مدربين على أعلى مستوى، على الرغم من أنهم قاطرة مستقبل الرياضة، والسياسية، والصناعة إلخ.
ثانيًا: محاربة الكفاءات. كشأن المجالات الأخرى، فإن الأندية- إلا ما رحم ربي- تحارب الموهوبين الذين لا ظهر لهم، ويقدمون عليهم أنصاف اللاعبين، لمجرد أن أباهم فلان، أو عمهم علان.. كما تُحارب الكفاءات في الأجهزة الفنية والإدارية، ويتصدر المشهد أشخاص فقيرو الموهبة، عديمو الكفاءة.. والأندية والمنتخبات مليئة بهذه النماذج.
ثالثًا: احتقار الرياضة. يقول غاندي: «احتقرت الرياضة في شبابي؛ فاحتقرتني في شيخوختي»، ونحن شعب أهمل الرياضة. ماذا تنتظر من دولة لا تعترف بـ«حصة الألعاب» في مدارسها، وتعتبرها مضيعة للوقت؟ ماذا تنتظر من لاعبين عديمي الطموح، ويتعاملون مع الرياضة بمنطق «السبوبة»، أو «الشقط» وليس زواجًا على سنة الله ورسوله؟!
رابعًا: اللاعبون المرضى. فنحن نصنع منهن أبطالًا من الثلج. نرفعهم إلى عنان السماء. ندللهم. «نشخلعهم»؛ فيحصلون على ملايين لا تتناسب مع عجزهم، وعاهتهم المستديمة.. باختصار، «ننفخهم» كما ننفخ البالون، وأول ما يفرقعون يفرقعون في وجوهنا.
خامسًا: «دلع بايخ». لاعبونا- خاصة مَنْ يطلق عليهم نجوم- اعتادوا على الحصول على «لبن العصفور» دون أن يكونوا ملتزمين بشيء، لا بالتدريبات، ولا السلوك داخل وخارج الملعب، ولا عدم الجمع بين الرياضة والبيزنس، أو الرياضة والعمل الإعلامي؛ لذلك ففي أول مواجهة حقيقة تكون الفضيحة بجلاجل والجرسة بحناجل!
سادسًا: الإسراف في الأحلام. فنحن ننظر إلى الواقع بنصف عين. بينما نحلم بملء عيوننا. نغرس أشجارًا على الماء، ونبني قصورًا على الرمال، وندهن الهواء دوكو.. نتعامل مع كل شيء بـ«الفهلوة»، وبدعاء الوالدين. وإذا ما فشلنا فالتبريرات جاهزة؛ اللعيبة محسودة. الحكم مضطهدنا. الرطوبة عالية. الهوا ضدنا طول الشوطين. الشمس ضاربة في عنينا. الشورت ضيق.. والبركة في الإعلام الذي رسخ هذه التبريرات والشعارات المريضة التي جعلتنا في مصاف الدول «المنهزمة نفسيًا»!
سابعًا: غياب المحاسبة. فكما يقول المأثور: «مَنْ أمن العقوبة أساء التصرف». وللأسف، العقاب والمحاسبة الدقيقة غابت عن المنظومة الرياضية على مر السنوات والحكومات المتعاقبة؛ فاستشرى الفساد في مجال لا يعترف إلا بالموهبة وبذل الجهد. لكننا رأينا وسمعنا عن «مجاملات» في اختيار بعض اللاعبين؛ إرضاءً لبعض الأشخاص، ولو على حساب بلد بحجم ومكانة مصر.
ثامنًا: تعاملنا مع أكبر وأشهر مسابقة عالمية في كرة القدم كما لو كانت بطولة «شد الحبل»، أو كأنها فرح «محسن الأجرب»، والجميع يريد أن يرى «عروسته»، ويلتقط معها الصور التذكارية، ويعمل لها «زفة بلدي».. فلم نوفر للمنتخب لا هدوءًا ولا تركيزًا.
تاسعًا: انعدام الطموح. اللاعب المصري- إلا مَنْ رحم ربك- واخد على الأكل والرحرحة. اقصى طموحه أن يحقق الحد الأدنى من النجاح. فهو يريد أن يكون مثل «ميسي، أو رونالدو، أو نيمار، أو صلاح»، لكنه لا يريد أن يبذل الجهد الذي يبذلونه.. ثم إن الرياضة لا تعترف إلا بالعطاء طول المباراة.. بينما لاعبونا «نفسهم مقطوع»، و«جهدهم على أدهم»، ويادوب بيكملوا التسعين دقيقة ببركة دعاء الوالدين. فهل صدقنا أننا كنا سنفوز على روسيا؟!
عاشرًا: أما أخطر أسباب الهزائم تلاحقنا دومًا، وجعلتنا نتقدم إلى الخلف، هو انقلاب المعايير، وتزييف الحقائق، وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها. فالهزيمة هزيمة، وليس لها اسم دلع آخر. لكن نحن- إن لم أكن مخطئًا- أول مَنْ بررنا الهزائم باختراع تعبير مريض يسمى «الأداء المشرف»، و«الهزيمة بشرف». ثم نستقبل اللاعبين استقبال الفاتحين، ونقيم لهم الاحتفالات؛ لمجرد أنهم شاركوا في بطولة وخرجوا منها صفر اليدين.. فإلى متى نستمر في خداع أنفسنا وخداع جماهيرنا المتعطشة لأي فرحة؟ ثم ماذا ننتظر من الفاشل وهو يُكَرَّم على فشله كل مرة؟
**
تقول النكتة العميقة: «ذهب أحد المساطيل لتقديم واجب العزاء، فقال لأهل الميت: كويس إنها جات على أد كده»!
تلك النكتة تعبر عن فرحنا بأداء المنتخب رغم هزيمته، وقس على ذلك في شتى المجالات؛ لذا لن نتقدم أبدًا، وسنظل مهزومين ما لم نغير حساباتنا. فهل هذا كثير؟!