ذكرى جريمة قتل كادت تشعل حربا أهلية في أمريكا.. هل تعرف اللاعب سيمبسون؟

في مثل هذا اليوم من عام 1994 ألقي القبض على أشهر لاعب كرة قدم أمريكية، وهو «أوجي سيمبسون» بتهمة قتل زوجته وعشيقها، وهي القضية التي أصبحت واحدة من أهم وأكبر الأزمات السياسية والعرقية في تاريخ المجتمع الأمريكي، بعدما شغلت قضية «سيمبسون» الرأي العام الأمريكي، وحظت بمتابعات واسعة من الإعلام الأمريكي، حتى أنها وصفت بأنها «محاكمة القرن».

محطات التليفزيون الأمريكي حينها، قطعت البث عن نهائي دورى كرة السلة لتذيع الحكم على «سيمبسون»، فيما تعطلت حركة السير في شوارع المدن الكبرى مثل نيويورك، حيث اصطف الناس في الشوارع أمام أجهزة التلفاز في الشوارع وفي ميدان تايم سكوير لمتابعة الحكم، وسط جو مشحون بالعنصرية والكراهية، الأمر الذي استدعى من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وقتها، أن يخرج عقب الحكم مباشرة ليخطب في المواطنين الأمريكيين مطالبا إياهم بالهدوء، وعدم السقوط في فخ الكراهية، وهي أيضا القضية التي أثبتت هشاشة المجتمع الأمريكي.
 

أفريقي يتزوج سيدة بيضاء

نال «سيمبسون» في ثمانينات القرن الماضي، شهرة كبيرة نتيجة كسره للعديد من الأرقام القياسية الخاصة بلعبة كرة القدم الأمريكية، وهي اللعبة الشعبية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية، جعلته اللاعب الأهم في تاريخ هذه اللعبة. في عام 1986 تزوج من نيكول براون الأمريكية «البيضاء» صاحبة الأصول الأوربية، وهو الزواج الذي استمر 7 سنوات، وكان زواجا متوترا حيث اتهمته لأكثر من مرة بالاعتداء بالضرب، وفي نهاية المطاف طلبت منه الطلاق، كما وقعت في غرام شخص آخر.

أوجي وزوجته

في صباح يوم 13 يونيو عام 1994 عثر على نيكول براون، وعشيقها رون جلدمان، مقتولين بجوار شقة الزوجة، طعن الزوجان بسكين حاد، كما شقت حنجرة العشيق حتى أن الرأس كانت معلقة بالكاد، وبتفتيش مسرح الجريمة عثر على قفاز اللعبة الخاص بسمبيسون في الفناء الخلفي لبيت الزوجة، وبتحليل الـ DNA عثر على الحمض النووى الخاص بسيمبسون، فتم إصدار أمرا باعتقاله لكنه تمكن من الهرب، بعد مطاردة مثيرة انضمت إليها 9 طائرات هليكوبتر تابعة لقنوات تليفزيونية استمرت لساعات حتى أن وقود الطائرات قد نفذ.

الطريف فى الأمر أنه وأثناء المطاردات كانت هناك 5 مباريات لكرة القدم الأمريكية، شوهدت من قبل 90 مليون أمريكي، أما المطاردة فقدر عدد مشاهديها بـ 95 مليون أمريكى، وذكر موقع «دومينوز بيتزا» وقتها أنه سجل أعلى نسبة مبيعات في تاريخه، نتيجة طلب الأمريكيين للبيتزا وعدم تفرغهم لإعداد الطعام لمتابعة المطاردة، وبالأخير، نجح سمبسون في الهرب لكنه بعد مفاوضات قرر تسليم نفسه صباح يوم 17 يونيو عام 1994.

أثناء تسليمه لنفسه كان هناك أكثر من 1000 صحفى أمام مركز شرطة لوس أنجلوس، وفى 20 يونيو بدأت المحاكمة الكبرى، وكانت أدلة الإدانة أكثر من أن تحصى، أحد باعة أدوات المائدة أكد أنه باع سيمبسون سكينا مماثلا لسلاح الجريمة، القفاز الملطخ بالدماء الموجود فى الفناء والذي يحمل الحمض النووي لسميبسون، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الزوجة التي أعربت أكثر من مرة عن خوفها من أن يقتلها.

العنصرية تحكم المحاكمة
اعتمد دفاع سيمبسون بشكل أساسي على التأكيد، أن موكله يتعرض لاضطهاد على أساس عرقي، كما اعتمد على اختيار هيئة محلفين من الأقليات، وكان للموافقة على الانضمام إلى هيئة المحلفين فعلى الفرد الإجابة من استطلاع مكون من 75 صفحة، لمعرفة موقفه تحديدا من قضية السود، وبدأت الأصداء تنعكس على الشارع الأمريكي الذي انقسم بشكل مخيف.

كانت الأجواء كلها محاطة بالخوف من اندلاع أعمال شغب ضد العنصرية، فقد عاشت لوس أنجلوس عام 1992 أعمال شغب مماثلة بعد تبرئة أربعة من ضباط الشرطة من تهمة ضرب مواطن أسود، وانتشر رجال الشرطة في محيط المحكمة وفي لوس أنجلوس كلها لمواجهة أعمال شغب متوقعة بسبب القضية، وأبلغ خلال أيام المحاكمة عن حوادث مشاجرات فردية بين سود وبيض بسبب المناقشة حول القضية، بل إن متابعة القضية نفسها التي عرضت على التلفاز امتازت بانقسام في المشاهدة، فخصصت حانات للبيض فقط لمشاهدة المحاكمة، بينما خصصت حانات أخرى للسود فقط لمتابعة هذه المحاكمة، وشهد محيط المحاكمة مظاهرات من السود مؤيدة لسيمبسون، ومظاهرات أخرى من البيض تطالب بالعدالة لزوجته البيضاء.

وساعد في زيادة المسألة العرقية ما قامت به مجلة «التايم» الأمريكية، التي قامت بـ «تغميق» بشرة سيمبسون لتظهر داكنة وأكثر قتامة أكثر من طبيعته، لكن المشكلة أنه في نفس اليوم صدرت نفس الصورة لسيمبسون على صدر مجلة «نيوزوييك» لتظهر الفارق وحجم العنصرية، وكيف أن البعض يعتقد أنك كلما ازدادت بشرتك سوادا كنت أكثر شرا!، لاحقا قدمت مجلة التايم العريقة اعتذارها عن هذه الصورة.

محاولة هروب هيئة المحلفين

ويعتمد الحكم بالأساس فى النظام القضائي الأمريكى على اختيار هيئة محلفين مكونة من 12 شخصا من المواطنين الأمريكيين، وهو واجب إجبارى يؤديه كل مواطن أمريكي مرة في حياته، وخلال المحاكمة يقيم المحلفين في فندق ويمنعون من التواصل مع عائلاتهم، كما يمنعون من متابعة الإعلام لعدم تأثر آرائهم، وبعد 101 يوم من الاحتجاز نظم المحلفين ما يشبه بـ «ثورة»، وحاولوا الهرب من احتجازهم، وقامت الشرطة بمطاردتهم والقبض عليهم وإعادتهم من جديد إلى الفندق، وظهروا في الجلسة التالية مرتدين ملابس سوداء احتجاجا منهم على طول أمد المحاكمة.

هيئة المحلفين تردي الأسود في المحاكمة

خلال تفاصيل كثيرة من المحاكمة التي اعتمدت بشكل كبير على الحمض النووي لسيمبسون في القفاز، طلب الدفاع من سيمبسون ارتداء القفاز، لتظهر المفاجأة الكبرى أمام الحضور، أن القفاز أصغر من يد سيمبسون، واعتمد الدفاع على إثبات أن الحمض النووي الذي كان حديث الظهور وقتها تم العبث به ومعاملته بشكل غير صحيح في المختبر، كما كشف عن أن الشاهد الرئيسي في القضية وهو الضابط الذي وجد القفاز، يعاني تاريخا كبيرا من العنصرية، وبأنه تفاخر بضرب الشباب السود ووصفهم بـ «الزنوج»، وهي كلمة عنصرية ممنوعة في الولايات المتحدة.

سيمبسون يرتدى القفازات
 

خطة لتأمين البلاد

في صباح يوم 3 أكتوبر من عام  1995 أعلن المحلفون وصولهم للحكم في القضية، لكن القاضى أجل تلاوة الحكم لحين مراجعة كافة الإجراءات الأمنية من قبل أعلى سلطات في البلاد، حيث أطلع الرئيس الأمريكى بيل كلينتون على الإجراءات الأمنية التى سيتم اتخاذها في حالة وقوع أعمال شغب في كافة أنحاء البلاد، وتوقفت الحياة في البلاد كلها لمتابعة الحكم الذي شاهده على الهواء مباشرة 100 مليون شخص.

وتظهر الإحصائيات الأمريكية، أن مكالمات الهاتف أثناء الحكم انخفضت بنسبة 58%، وأغلقت الكثير من المصالح والشركات أبوابها خوفا من أعمال الشغب، كما انخفض حجم التداول في بورصة نيويورك بنسبة 41%، بل وسجلت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر انخفاض في استخدام المياه بتاريخها خلال ساعة الحكم، حيث تجنب الناس الدخول إلى الحمامات!، وألغى الكونجرس اجتماعاته للسماح لأعضائه بمتابعة الحكم.

عضو المحلفين يؤدى تحية عنصرية لأو جي

وأصدر المحلفين قرارهم ببراءة سيمبسون، واستمرت أصداء هذه القضية لسنوات، خاصة أن العديد من ظروفها كانت غير طبيعية، ومنها مثلا أن أحد المحلفين قام بتحية سيمبسون بتحية مخصصة لأحد الحركات السوداء المتطرفة! كما أن أغلب المحلفين لم يكونوا حاصلين على تعليم جامعى الأمر الذي لم يجعلهم قادرين على فهم أدلة الطب الشرعي، وأظهرت الاستطلاعات أن حوالي 75% من الأمريكيين السود كانوا يعتقدون أن سيمبسون قتل زوجته بالفعل لكنهم كانوا يتمنون له البراءة!

نالت القضية أكبر تغطية إعلامية في التاريخ، فظلت أخبارها على صدر صحيفة لوس أنجلوس تايمز لمدة 300 يوم متصلة، ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت منخرطة في حرب البوسنة في ذلك الوقت، كما حدث واحد من أكبر الأحداث الإرهابية في تاريخ الولايات المتحدة إذ تم تفجير مبنى حكومة أكلوهوما، الذي تسبب في قتل 168 أمريكيا، إلا أن متابعة قضية سيمبسون كانت أكبر من التغطية للحرب والتفجير الإرهابى!

كما أشارت الإحصائيات، أن القنوات التى تقدم المسلسلات اضطرت إلى تغيير مواعيدها كي لا تتعارض مع مواعيد المحاكمة، إذ أن متابعى المسلسلات انصرفوا لمشاهدة المحاكمة، وأعربوا أنها أفضل كثير من المسلسلات.

تباين مدهش بين ردود أفعال البيض والسود أثناء نطق الحكم

لقد ظهر الأثر العرقي للمحاكمة فيما بعد، ففي عام 2008 اعترف مايك جيلبرت، وهو ضابط سابق وصديق لسيمبسون في كتابه «كيف ساعدت أو جي على الهرب» كتابا أكد فيه أن سيمبسون اعترف أثناء شربه الكحول بقتل زوجته، كما منحت المحكمة عائلتي الزوجة والعشيق، تعويض مدني قدره 46 مليون دولار اعتقادا منهما بأن سيمبسون قتل الزوجة.

وفي عام 2007 اتهم سمبسون بارتكابه جريمة خطف وسطو مسلح في محاولة لإعادة أشياء قد سرقت منه وتم الحكم عليه بالسجن 33 عاما، وفي عام 2017 تم الإفراج عنه بإطلاق سراح مشروط، رغم وقوع الحادث منذ 24 عاما إلا أن القضية ظلت مثار اهتمام التليفزيونات، وتم إنتاج أكثر من 20 فيلما ومسلسلا وثائقيا وروائيا عن القضية، كان آخرها مسلسل عرضته شبكة «نتفليكس» العام الماضى، تحت عنوان «أو جيه جريمة أمريكية»، والمصنف حاليا في المركز 178 ضمن أعلى المسلسلات في التاريخ بحسب قاعدة أفلام الإنترنت.