الرحمة تجمع شمل شمال سيناء.. دواوين الإفطار إعلان انتصار على الإرهاب (صور)
الإثنين، 11 يونيو 2018 05:00 ممحمد الحر
رغم ما خاضته شمال سيناء من رحلة معاناة مع الإرهاب، نجحت القوات المسلحة وعناصر الشرطة بالتعاون مع أهالي المحافظة، في استعادة هذا الجزء الغالي ودحر الإرهاب، والدليل عودة الحياة لطبيعتها.
في منتصف قرية «بالوظة»، بمحافظة شمال سيناء، ظهر سربا مغردا من سكان وأهالي مدينة سيناء، يتناقلون فيما بينهم الأحاديث الجانبي والكلمات الدينية، متجهين صوب منزلا، لم يكن قد بلغ من الجمال الصورة القصوى، ولكن لذلك المنزل طقوسا خاصة.
بوابات المنزل عادية لا تحمل أي جديد- فهو باب من الحديد لم يُطل بعد - واجهة البناية لم تكن قد اكتملت بعد، حتى إن المنزل من الداخل على «المحارة»، إلا أن الشعائر الرمضانية في ذلك المنزل- المكون من طابقين فقط- تنضح من كل مكان.
بخطوات ليست هادئة، وكلمات ترحيب لا تتوقف، دخلت السروب المغردة من الوافدين على ذلك المنزل- الديوان- لتلبي نداء سنويا يطلقه أبناء القبائل في سيناء، بالتجمع في دواوين بعضهم البعض- والديوان هو جزء في المنزل أشبه بالمندرة عند بعض المصريين- لقضاء يوما رمضانيا وتناول وجبة الإفطار مع بعضهم البعض.
«ديوان القبيلة بمثابة المدرسة التي تعلمنا بها ونعلم أولادنا أصول (المرجلة) وأصول العزة، وإكرام الضيوف والأقرباء.. ولكل من تحمله قدماه إلى الديوان».. بهذه الكلمات بدأ الشيخ عبد الحميد الأخرسي، أحد رموز قبيلة الأخرسي، في شمال سيناء- وبالتحديد في قرية بلوظة- حديثه.
ويشير «الأخرسي»، إلى أن قبيلة «الأخارسة» تحرص في شهر رمضان- من كل عام- على الإفطار بالديوان، حيث يحمل كل رجل متزوج طعام أسرته الرمضاني إلى ساحة الديوان للإفطار بصحبة رجال العائلة والقبيلة.
ويوضح أن أبناء العمومة يتناوبون الإفطار يوميا على موائد أبناء عمومته في صورة إنسانية واجتماعية رائعة، لتوطيد أواصر العلاقات الاجتماعية، لجانب انه يتم إشعال النار مبكرا بالديوان لتنبيه عابري السبيل لمكان الديون ودعوتهم للإفطار بالديوان.
ويقول المحامي أسامة حجاب، أحد رموز عائلة «حجاب» بمدينة العريش إنَّ عادة الإفطار الجماعي بالدواوين والمقاعد الخاصة بالعائلات من أروع مشاهد شهر «رمضان» ليجتمع الرجال حول الموائد للإفطار لأنَّها تعيد العلاقات والمشاعر الطيبة بين أبناء العائلات. ويضيف أنَّه يحرص على المشاركة في الإفطار الجماعي للعائلة الذي يحضره رجال وشباب عائلات العريش حفاظًا على عادات الآباء والأجداد.
ويؤكَّد محمود سالم حجاب، أحد رموز العائلات، أنَّ الاجتماع السنوي للإفطار في «رمضان» يحرص على حضوره مع أبناء العائلة لتناول الطعام مع أبناء عمومته، لافتًا إلى أنَّه بفضل هذا الإفطار تعلم عادات وتقاليد خاصة يجب إتباعها ويلتزم بها الجميع.
«تعلمت أصول مهمة لتناول الطعام في ديوان العائلة منذ صغري وهي ألا يمد الشخص الذي يتناول الطعام يده أمام غيره، ولا يأكل بواقي الطعام ويأكل بيده اليمنى فقط، ولا يأكل باليسرى لأي سبب من الأسباب، وأحيانًا توضع اليد اليسرى خلف ظهره أثناء تناول الطعام».. يقول محمد حجاب.
في شهر رمضان المبارك يتحول «الديوان» عند القبائل إلى خلية نحل مع ساعات ما بعد العصر، حيث يجتمع كل أبناء العشيرة من الشباب والرجال والشيوخ، للتجهيز للإفطار الرمضاني، الذي تحرص قبائل سيناء على تناوله، داخل ديوان كل قبيلة وعشيرة، وسط جموع الأهل والأقارب وفي طقوس اجتماعية بدوية يحرص أبناء قبائل سيناء على استمرارها.
في مقعد عشيرة «الربايعة» إحدى عشائر قبيلة «البياضية»، بقرية الخربة بمركز مدينة بئر العبد بشمال سيناء، التقينا الشيخ محمد الزملوط، الذي يؤكد أن الإفطار الجماعي بالدواوين والمقاعد من أروع مشاهد شهر رمضان حيث يجتمع الرجال حول الموائد للإفطار، بحضور كل أبناء العائلة، حيث يتوزعون على الموائد، وتلك العادة عند البدو لحرصهم على الروابط الاجتماعية.
ويشير «الزملوط» إلى انه تمسكا بعادة الأجداد ما زال ديوان (مقعد) الربايعة من قبيلة البياضية يحتفظ بالطقوس الرمضانية بإفطار الرجال داخل الديوان، وجرت عادة العائلات البدوية في رمضان منذ الأزل بأن يفطر الرجال داخل الدواوين حتى يتمكن عابر السبيل من الانفطار في أي مكان أدركه فيه أذان المغرب.
ويؤكد «أبو مروان»، أن هذه العادة الحميدة تتميز بتبادل الأماكن على الموائد المختلفة كنوع من إطعام الطعام وإفشاء السلام المجتمعي ونشر روح الألفة والود، وبعد الانتهاء من الإفطار وأداء صلاة المغرب يجلس الجميع شبابا وشيبا للتسامر ومناقشة بعض الأمور العامة والخاصة حتى أذان العشاء.
ويقول شعبان الفضالي، إن الإفطار الذي جمعه مع أبناء عمومته بالعريش لا يمكن وصف مشاعره عندما التقى عدد من أبناء عمومته وأولادهم من الأطفال والشباب في الديوان على الإفطار خلال شهر رمضان وسعدت كثيرا بهذا الجمع الرائع الذي جاء بعد غيبه طويلة.
ويوضح أن الاجتماع بالديوان، فرصه لمناقشه مشاكل أبناء العائلة والصعوبات التي تواجه شبابها في أعمالها وفي حياتهم اليومية، ويتم مناقشه أحياء صندوق العائلة لخدمه أبنائها، وهذه الاجتماعات العائلية يحرص عليها الكثير من أبناء سيناء في المدن والقرى وهي من الطقوس التي تعد علامة مميزه للعلاقات الأسرية التي قد لا تتوافر في مجتمعات أخري.
ويؤكد «الفضالي» أن الإفطار بالدواوين هو بمثابة أحياء عادات وتقاليد الآباء والأجداد في سيناء الحبيبة الذين كنا ونحن صغار نراهم حريصون عليها في كل المناسبات وفي كل الأحوال توطيدا للعلاقات ومحاوله مد العون لكل محتاج داخل العائلة وحل مشاكل أي فرد داخل العائلة سواء مشاكل ماليه أو عائليه أو مشاكل مع أشخاص من عائلات أخرى.