في ذكرى تنحي عبد الناصر.. يوم أقسم المصريون على عدم الرحيل
السبت، 09 يونيو 2018 09:00 م
بكاء لم ينقطع ونواح نساء هز بصداه أرجاء المحروسة، بيوت نامت غير مكتملة، وأسر أقبل عليها الليل بدون رجالها، منهم من مات ومنهم من خرج صوب الجبهة ينتظر العائدين من حرب الأيام الستة.
ليل 9 يونيو 1967، كان حزينا درجة أن النجوم تبكى، فلم تعد تتمايل على القمر كما غنى لها عبد الحليم حافظ «النجمة مالت على القمر فوق في العلالي.. قالتله شايفة يا قمر أفراح قبالي»، وقع الهزيمة كان صعبا حتى على الطيور التي رفضت العودة لعششها، كذلك على الرجال الذين تملكهم اليأس.
لم يكن يصدق المصريين مرارة الهزيمة، ينتظرون أن يخرج لهم «ناصر» ليكذب الهزيمة، ويزيل عنهم غبار الغارات التي طمست بيوتهم، الكل يفتح الراديو ينتظر الإعلامي أحمد سعيد - توفي في ذكرى نكسة 67 الـ 51- ليقدم أمل المصريين -آن ذاك.
في مساء 9 يونيو 1967، أطل عبد الناصر، تنفس المصريون الصعداء عساه يحمل أخبارا غير التي سمعوها، لكن صوته كان مليء بالحزن، يقول: «لقد تعودنا معاً فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة؛ أن نجلس معاً، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتاً».
أكد عبد الناصر الهزيمة، قائلًا: «ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعاً نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية. لكننا - أيها الإخوة - نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع؛ لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى وصولها إلى ما وصلت إليه».
آخر أمل للمصريين أنهاه عبد الناصر، حينما قرر تنحيه عن رئاسة الجمهورية باعتباره يتحمل المسؤولية الكاملة عن الهزيمة، يضيف: «هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسئولية فى تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق - وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة - فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأي مواطن آخر».
تنحى عبد الناصر
لم ينتظر المصريون أن يكمل عبد الناصر خطابه، حتى خرجوا إلى الشوارع يقسمون عليه بالبقاء لأجلهم، منادين «لا تتنحى»، يكمل رئيس الجمهورية: «إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحاً أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر».
يتابع: «القوى المعادية لحركة القومية العربية تحاول تصويرها دائماً بأنها إمبراطورية لعبد الناصر، وليس ذلك صحيحاً؛ لأن أمل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر، وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر، ولقد كنت أقول لكم دائماً: إن الأمة هى الباقية، وأن أى فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه فى قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية، وتطبيقاً لنص المادة 110من الدستور المؤقت الصادر فى شهر مارس سنة1964 فلقد كلفت زميلى وصديقى وأخى زكريا محيى الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية، وأن يعمل بالنصوص الدستورية المقررة لذلك، وبعد هذا القرار فإننى أضع كل ما عندى تحت طلبه، وفى خدمة الظروف الخطيرة التى يجتازها شعبنا».
أجبر المصريون «عبد الناصر» على عدم الرحيل، رغم محاولاته اليائسة في خطابه لرفع روحهم المعنوية: «إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية. إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعاً؛ أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدى»، لكن الشوارع امتلأت ولم يعد لكلمات الزعيم الراحل صدى في الميادين.
«عدّى النهار والمغربية جاية.. تتخفى ورا ظهر الشجر، وعشان نتوه فى السكة.. شالت من ليالينا القمر»، كلمات للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي غناها الراحل عبد الحليم حافظ ولحنها بليغ حمدي، جسدت حالة الهزيمة، قيل أنهما كانا يريدان الغناء مع المتظاهرين في ميدان التحرير.