حياتهم أهم من الامتحانات.. كيف نحمي أبناءنا من الانتحار هربا من بعبع الثانوية؟
الأربعاء، 06 يونيو 2018 09:00 مزينب عبداللاه
مسلسل يتكرر كل عام، مأساة تشهد على بشاعة ما نرتكبه في حق أبنائنا طلاب الثانوية العامة، مع كل حالة انتحار لطالب خوفا من الامتحانات، حين تدخل الأم على ابنها فتجده معلقا في سقف حجرته، مشنوقا ومنهيا حياته بيده ليهرب من هذا الشبح والكابوس المرعب الذي يطارد طلاب المرحلة الثانوية، وحين تقفز فتاة في عمر الزهور من شباك غرفتها أو تلقى بنفسها في النيل أو من أعلى أحد الكباري أو تتناول سما، مفضلة الموت عن أداء الامتحان أو لصعوبة الامتحانات وعدم حصولها على الدرجات المنشودة التي تحلم بها أسرتها.
هكذا أصبحت أخبار انتحار طلاب الثانوية العامة أمرا معتادا في موسم الامتحانات أو مع إعلان النتائج، تتكرر طوال سنوات ولا زالت مستمرة، حتى أن إحدى الإحصائيات أشارت إلى أن 21.5% من طلاب الثانوية العامة يفكرون في الانتحار خوفا من الامتحانات أو بسبب النتيجة.
وبمجرد بدء ماراثون امتحانات الثانوية العامة هذا العام، انتحر طالب وطالبة بسبب الخوف من الامتحان، ففي الإسكندرية انتحرت طالبة بالقفز من الطابق الخامس من مسكنها، خوفا من الذهاب للامتحان، وعندما دخلت الأم غرفتها لتوقظها استعدادا للذهاب إلى اللجنة لم تجدها، فخرجت للبحث عنها لتفاجئ بجثتها ملقاة في منور العقار.
وفي كفر الشيخ، شنق طالب نفسه في غرفته قبل ساعات من بدء الامتحان من شدة خوفه من الامتحانات، رغم تفوقه وهدوء طباعه، ليفجع والدته حين دخلت غرفته لتجده معلقا في السقف فاقدا الحياة.
عشرات الحوادث وحالات الانتحار تكررت خلال السنوات الماضية لنفس الأسباب، بل أن هذه الحوادث لم تفرق بين طالب متفوق وأخر متعثر دراسيا، فالرعب واحد والشبح يدمر الجميع، سواء قبل الامتحان أو بعده أو بعد ظهور النتيجة.
تنقل الأسرة قلقها إلى أبنائها، تشعرهم بأن الامتحانات هي حياتهم ومستقبلهم، وحصيلة صبر العائلة، وإذا فقدها فقدت الأسرة- وليس هو فقط- كل الآمال والطموحات، بل فقدت معنى الحياة.
تحبس الأسر أبنائها في سجن الثانوية العامة، تعزلهم عن الحياة، تشعرهم بأن الحصول على المجموع المطلوب مسألة حياة أو موت، ومن شدة الضغوط يختار الأبناء الموت في غفلة من الأسر التي لا تتخيل أنها تقتل أبنائها في هذا السجن اللعين، وهذا العبث الذي يحصد الأرواح، ولا يفلت منه حتى الطلاب المتفوقون.
تحلم أغلب الأسر بأن يلتحق أبنائها بما نسميه «كليات القمة»، تقتطع من قوت يومها لتوفر ميزانية الدروس الخصوصية، وتعلن حالة طوارئ دائمة، قبل أن يبدأ العام الدراسي، فيزداد قلق الأبناء وتوترهم، ويصبحون على شفا الجنون، حتى وإن كانوا يبدون هادئون أو اشتكت الأسر من أنهم لا يعبئون بخطورة المرحلة التي يمرون بها، حتى تفاجئ بعض الأسر بهذا المشهد البشع وهذه الصدمة التي لا تضاهيها صدمة حين يقرر الأبناء الانسحاب من الحياة بسبب هذا الكابوس.
تظن الأسر أن الأبناء لا يشعرون بحجم الضغوط التي تعيشها من أجلهم، وتتهمهم بـ«ألامبالاة»، تدمر ثقتهم في أنفسهم، بينما ينهار الأبناء بسبب حجم المسئولية التي تضعها الأسر في أعناقهم، تصبح رغبتنا في أن يكونوا أفضل منا عبئا عليهم، فندخلهم رغما عنهم في سباق عبثي للحصول على درجات أكبر في نظام تعليمي فاشل، نقسو عليهم لتحقيق أحلامنا فيهم، نريدهم كما نرغب ولا ننظر إلى ما يريدون وأحيانا لا نجد وقتا حتى كي نسألهم عن أحلامهم.
كثيرا ما ننقل لهم إحساسا بأنهم عبء يضاف إلى أعبائنا، تطحننا ظروف الحياة ومشاغلها فنقسو ونجور عليهم، وندخلهم دوامة قلق دائمة، حتى نفاجئ بهم وقد كرهوا الحياة ورحلوا إلى عالم آخر، ننسى أن نأخذهم في أحضاننا، وأن نضحك في وجوههم أو نخبرهم بأننا نحبهم، ونندم حين لا ينف الندم.
مرحلة كئيبة يعيشها كل طلاب الثانوية العامة بدءا من إرهاق الدروس والمناهج، مرورا بالامتحانات وما يعانيه معظم الطلاب من هزات نفسية تصل إلى حد إصابة بعضهم بالأمراض النفسية والعضوية، أو انتحار البعض بعد وصولهم إلى أقصى درجات الضعف والانهيار.
ويستمر هذا المسلسل الكئيب ليصل إلى ذروته مع إعلان النتيجة، حالة من الحزن والحيرة تصيب أغلب الطلاب وأسرهم، ويتساوى في ذلك طلاب حصلوا على مجموع 95% وآخرين حصلوا على مجاميع أقل بدءا من 50% وحتى 90 %.
يجرى الجميع وراء أوهام وأصنام صنعناها ولا زلنا نطوف حولها، وأكبر هذه الأوهام كليات القمة، التي لا زلنا نعبدها كما عبدها آباؤنا الأولون رغم أن سوق العمل اختلف، ورغم أن الكثيرين من خريجيها لا يزالوا عاطلين لا يجدون عملا يناسب مؤهلاتهم، ومنهم خريجي طب وهندسة وإعلام وصيدلة وسياسة واقتصاد.
بينما يمتلئ سوق العمل بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير في حصد درجات عالية في الثانوية العامة، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التي عملوا فيها، لأنهم عرفوا مواهبهم وطوروا مهاراتهم.
على الأسر أن تدرك أنها تقتل أبنائها بقلقها وبحبسهم في سجن بعبع الثانوية العامة، وحرصها على حصد أعلى الدرجات، بصرف النظر عن رغبات الطالب وقدراته.
وحتى لا نجد أبنائنا معلقون على مشانق الثانوية العامة ونندم حين لا ينفع الندم، على الأسر ألا تنظر في اتجاه واحد، وأن تتحرر من عبودية كليات القمة، وأن تعلم أبنائها أن النجاح في الحياة لن يتحقق بالمجموع فقط، وأن تجعلهم يفتشون عن مواهبهم ويحددون رغباتهم، وتشجعهم على تطويرها.
لا تقهر أبنائك أو تجبرهم على الدوران في ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التي تريد أن يلتحقوا بها، حررهم من قهر الثانوية العامة ودرجاتها، ودعهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها، لا تسفه من اختياراتهم، ولا تخطئ في حقهم وحق نفسك وترسم لهم المستقبل بمعايير الماضي، فهونوا على أنفسكم وعلى أبنائكم حتى لا تسلموهم للموت هربا من شبح صنعناها بأيدينا ليلتهم أحلامهم وبراءتهم.