رزان النجار.. شهيدة «عرجت» بروحها إلى السماء من أرض «الإسراء»
السبت، 02 يونيو 2018 06:16 م
يمر الوقت على وهن، درجة يشعرك أن السماء تختلق العذر؛ لتمنع شروق الشمس، على أمل أن يتوقف نزيف الدماء في أرض المحشر.
الخيط الأبيض يتعفف الظهور، والأسود في السماء احتدم، وأذان فجر اليوم السادس عشر من رمضان يتردد صداه في أذن كل من طغى، ليشد مأذره ويتحين قدوم الحالمين بعودة البقاع الطاهرة (فلسطين) ليطلق عليهم رصاصاته.
الحالمون بالعودة ركع سجود، تسحروا، يتمنون عودة أرضهم بمسيرات أسموها «العودة الكبرى» أو الشهادة مع شمس اليوم الجديد، فكلاهما جنة ينتظرون خازنها.
من بين الحالمين كانت فتاة في عمر الزهور، تداوي الجرحى تارة وتغمض أعين الشهداء أخرى، يراها الناظرون باسمة - أو كما يسمونها في الريف المصري «وش موت» - لا تمل رغم الدماء المتناثرة على ردائها الأبيض «البالطو» طوال أيام مسيرات العودة التي بدأت في 30 مارس الماضي.
21 عاما انتهت أمس الجمعة، باستشهاد المسعفة رزان النجار في «خانيونس» جنوب قطاع غزة، برصاصات إسرائيلية «متعمدة» الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملها على الحدود الشرقية للمدينة.
شاركت رزان في إسعاف المصابين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، قالت في بيان نعت في استشهادها: «عملت مع الطواقم الطبية منذ انطلاق فعاليات مسيرة العودة الكبرى في 30 مارس الماضي، وكانت شاهدة على جرائم الاحتلال بحق الأطفال والنساء والطواقم الطبية والصحفية والمدنيين العزل».
أخر ما نشرته «رزان» على صفحتها بـ «الفيسبوك» في تاريخ 20 مايو الماضي: «حاربي من أجل أحلامك ولا تلتفتي لأحد يقلل من شأنها، فالذين يسخرون منها اليوم سيكونون في الغد ضمن طابور المصفقين».
خلال مسيرات العودة تضرر أكثر من 37 سيارة إسعاف، إضافة لإصابات داخل الطواقم الطبية أخرها استشهاد رزان.
الطواقم الطبية في الأساس محمية بحكم القانون الدولي، فجميع الطواقم الإنسانية في أماكن النزاع يجب أن تعمل بحرية ويُمنع استهداف الطواقم الإنسانية عموما، وليست الطواقم الطبية فقط بل كل من يعمل في الجانب الإنساني والإغاثي هو محمي بحكم القانون والأعراف الدولية واتفاقية جنيف الرابعة.
بحسب المادة (63) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949، فإنه يجوز للجمعيات الوطنية للصليب الأحمر (والهلال الأحمر والشمس والأسد الأحمرين) المعترف بها، أن تباشر الأنشطة التي تتفق مع مبادئ الصليب الأحمر التي حددتها المؤتمرات الدولية للصليب الأحمر، ويجب تمكين جمعيات الإغاثة الأخرى من مباشرة أنشطتها الإنسانية في ظروف مماثلة.
وفي الفقرة الثانية من المادة لا يجوز لدولة الاحتلال أن تقتضي إجراء أي تغيير في موظفي أو تكوين هذه الجمعيات مما قد يضر بالجهود المذكورة أعلاه، وتطبق المبادئ ذاتها على نشاط وموظفي الهيئات الخاصة التي ليس لها طابع عسكري، القائمة من قبل أو التي قد تنشأ لتأمين وسائل المعيشة للسكان المدنيين من خلال دعم خدمات المنفعة العامة الأساسية، وتوزيع موارد الإغاثة، وتنظيم عمليات الإنقاذ، وبالتالي لا يحق منع المسعفين وعمال الإغاثة من مباشرة عملهم.
تقول وزارة الصحة الفلسطينية إن فريق المسعفين، الذين يلبسون المعاطف الطبية البيضاء تقدموا لإجلاء المصابين، رافعين أيديهم، تأكيدا على عدم تشكيلهم لأي خطر على القوات الإسرائيلية، التي قامت بإطلاق الرصاص بشكل مباشر على المسعفة التي أصيبت في منطقة الصدر.
التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي دارت حول عبارات مفادها: «كم جرح ضمدته يد رزان النجار، وكم فلسطيني كتبت له الحياة على يدها، جعل الله لها ذلك شفيعًا»، حكت «رزان» عن أصعب ما قابلته في عملها، قائلة: إن أصعب ما واجهته موقفين الأول إنقاذ إصابتين وإنقاذ الشهيد تعاملت معهم ميدانيا على خط التماس مع العدو، وفشلت في إنقاذ الشهيد، والثاني تحرير «جثمان أبو سبلة» مرابط أبكم.
نجت رزان من الموت وأصيبت 3 مرات باختناق غاز، رفضت آن ذاك نقلها إلى المستشفى وبقيت داخل الميدان، حتى أنهم أسموها «ممرضة العودة»، دونا عن أقرانها.
كأنها تودع نفسها قالت: «بروح معنوية بشتغل رغم كل الضغوط الاجتماعية من المواطنيين، واللي بيحاولوا منعي من الذهاب، غير أن أكمل لأني أنا بديت المشوار لحد ما أنهيه»، متابعة: «كل يوم هنا بيولد شهيد».