أساطير كأس العالم.. بوشكاش القائد العسكرى الذى نفته المجر ليتوج إمبراطوراً للكرة الأوروبية
السبت، 02 يونيو 2018 09:00 مكتب شريف إبراهيم
كأس العالم هو طريق مهم للغاية لقياس اللاعبين الجيدين واللاعبين الكبار، إنه الاختبار الحقيقى لظهور لاعب عظيم".. بتلك الكلمات الملهمة اختتم أيقونة كرة القدم الذهبية والمهاجم البرازيلى الأسطورى بيليه، حواره مع جلين مور، المحرر الرياضى لصحيفة الإندبندنت البريطانية فى العام 2006، كاشفاً أسباب كون هذه البطولة العالمية هى المقياس الحقيقى لأفضل لاعبى كرة القدم، وكيفية تعامل اللاعب مع الضغوط ليصبح بعدها الأكثر احترامًا على هذا الكوكب، لا توجد كلمات كافية يمكن أن تصف بطولة كأس العالم، التى تعتبر حتى الآن أكبر منافسة رياضية فى العالم والتى تنجح فى توحيد الشعوب من جميع مناحى الحياة كل أربع سنوات، وعلى الرغم من أن تلك البطولة تمثل مهمة شاقة، إلا أن بعض اللاعبين الكبار تمكنوا خلالها من صناعة المجد وملامسة النجوم، عادة ما يجذب اللاعبون الجيدون انتباه الملايين من عشاق الساحرة المستديرة حول العالم، أما اللاعبين الكبار يأسرونهم تمامًا، وقد نجح إيدسون أرانتيس دو ناسيمنتو (المعروف بـ "بيليه") فى أن يكون أبرز اللاعبين تحقيقا للنجاح فى جميع مباريات كأس العالم الأربعة التى لعبها، ليضع نفسه على رأس قائمة أفضل من انجبتهم ملاعب كرة القدم على الإطلاق، وعلى خطى بيليه وفى درب أساطير اللعبة ظهرت أسماء رنانة كانت ولاتزال محفورة بأحرف من نور داخل أذهان الجماهير على مر السنين.
خلال القرن الماضى، شهدنا العديد من اللاعبين الجيدين يحققون العظمة فى كرة القدم، لكن يبقى السؤال المحورى هنا، ما الذى يحدد عظمة اللاعب فى كرة القدم؟ هل الأرقام؟ الجوائز؟ أم مجرد الهتاف باسمه من قبل الآلاف فى الملاعب والملايين حول العالم؟.. كل اللاعبون ينتظرون أربع سنوات لوضع بصماتهم فى كأس العالم، يفشل البعض فى القيام بذلك، وبعضهم لا يتأهل حتى، ولكن بالنسبة لأولئك الذين فعلوا ذلك، فإنهم أذهلوا الجماهير فى كل مكان، فكأس العالم هى بطولة يتابعها المليارات، حتى غير المتابعين لكرة القدم، لكن بعض من أساطير تلك اللعبة ممن قدموا عروضاً لا تُنسى،أصبحوا مجرد هوامش فى كتب التاريخ ومواضيع كأس العالم، لذلك خلال الفترة الجارية والتى تسبق نهائيات كأس العالم 2018 قررنا فى "صوت الأمة" أن نسلط الضوء على أفضل لاعبى العالم الذين يستحقون الأضواء بسبب أدائهم الرائع فى كأس العالم - سواء من الثلاثينيات أو القرن الحادى والعشرين، ونقدم لكم تقريراً يومياً عن كل لاعب أسطورى من التاريخ الذهبى لكأس العالم، وتتضمن القائمة لاعبين من الماضى والحاضر. منذ أيام الاستماع إلى مآثرهم عبر الراديو، مروراً بمن تم مشاهدتهم على التلفزيون الأبيض والأسود، إلى من نراهم الآن على الـ smart tv.
بوشكاش الاعب الأفضل فى كل العصور
كان ولا يزال اسماً لامعاً بقوائم أفضل لاعبى كرة القدم فى كل العصور، وإمبراطوراً لكرة القدم الأوروبية فى معظم فترة الخمسينيات، على الرغم من أنه لم يكن يبدو كأنه رياضى طبيعى بسبب بعض المشاكل فى البنيان، إلا أنه كان أسطورة منتخب بلاده وأحد أبرز نجوم الجيل الذهبى لمنتخب المجر الذى اقترب كثيراً من الفوز بكأس العالم عام 1954، فضلاً عن كونه نجماً ساطعاً لفريق ريال مدريد الإسبانى الذى هيمن على البطولات الأوروبية لسنوات، وحتى اليوم يعيش اسمه فى جائزة بوشكاش التى يقدمها الاتحاد الدولى "فيفا" سنوياً لأفضل هدف فى العام.
صناعة نجم.. عندما يؤمن الأب بالإبن ويخرج موهبته للنور
ولد فيرينك بورتكولد فى 1 أبريل 1927 فى مدينة بودابست، وغير والده اسم العائلة إلى بوشكاش بعد عشر سنوات، وكان لوالده الفضل الأول فى صقل موهبته الكروية وخروجها إلى النور، حيث عمل مدرباً لفريق الناشئين بنادى كيبسيت المجرى، وانضم بوشكاش إلى فريق الناشئين بنادى كوبانيا المتواضع، برفقة أصدقاء لعب الكرة فى الشارع ورفيقا العمر الثنائى الشهير لازلو كوبالا وجوزيف بوشيك، ليصير الثلاثة من أبرز نجوم المنتخب المجرى فيما بعد، وبخلاف ذلك لقد عانى بوشكاش فى مطلع مسيرته الكروية من عدة جوانب فنية حيث بدا لاعباً قصيرًا وبديناً إلى حد يجعله بعيداً تمام البعد عن أن يصبح لاعبًا بدورى الدرجة الأولى المجرى، فضلاً عن كونه غير قوى بدنياً وعدم اجادته لألعاب الهواء وضعف قدمه اليمنى. لكن بوشكاش الأب كان حازما فى تدريب ابنه، وأراد أن يجعل منه نجما، ولأن تحقيق هذا الهدف يتطلب عملا جبارا ومجهودا ضخما، عانى بوشكاش الابن كثيرا مع أسلوب أبيه القاسى، ويروى أنه كان مجبراً على تعلم تسديد الكرة بالرجل اليمنى، ومر على تمرينات عديدة قبل أن يصير يتقن اللعب بالرجلين، من بينها لعب التنس، وقد ساعدته التدريبات إلى جانب مهاراته الكروية على التغلب على نقاط الضعف هذه، حتى بخلاف تطور جسمانه وقدمه اليمنى، كان بوشكاش يحمل رصاصة قاتلة داخل قدمة اليسرى، التى كانت قوية بشكل لا يصدق.
حول فريقه من الكفاح بالدورى لعملاق يحصد البطولات
وعلى الرغم من أن بوشكاش كان صغيرا على القيد فى قوائم الدورى المجرى، إلا أنه اضطر لاستخدام اسم مستعار، ووقع رسمياً لفريق نادى كيبسيت المجرى فى سن الثانية عشرة، ولعب فى الفريق لأول للنادى عندما كان عمره 16 عاماً فقط، حتى أنه بعد تصعيده بالفريق الأول لنادى بيدفيست المكافح، وهو ابن الـ 16 عاماً، تمكن من تسجيل 14 هدفاً، ولم يكن فريق كيبست أحد أقوى الفرق بالمجر إبان فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن أداء بوشكاش المثير سرعان ما مكنه من اللعب بصفوف المنتخب الوطنى للمجر، وبدأ ظهوره لأول مرة مع بلاده فى أغسطس 1945، وقاد المنتخب لتحقيق فوزاً كبيراً بنتيجة 5-2 على النمسا فى بودابست، وقد تمكن فريق كيبست بفضل نجمه بوشكاش الذى كان هدافاً للدورى فى موسم 1947-1948 باحرازه 50 هدفاً، من أن يصبح أحد الفرق المتنافسة على الألقاب المجرية خلال أواخر الأربعينيات
بعد الاستيلاء الشيوعى.. حكاية "القائد السريع" والهروب من أحضان الوطن
بعد الاستيلاء الشيوعى على المجر فى عام 1949، تم تغيير اسم كيسبست إلى بودابست هونفيد. وأصبح فريقًا عسكريًا، وتم منح اللاعبين رتبة عسكرية، ومنح بوشكاش لقب القائد السريع أو قائد الفرقة السريعة Galloping Major، وهو لقب مرتبط بالرتبة العسكرية التى كان يحملها اللاعب فى الجيش،وخلال العام 1956، بلغ نادى بودابست هونفيد العسكرى أقاصى مجده الرياضى عندما تأهل لبطولة دورى أبطال اوروبا لنسختها الثانية، فى الدور الأول تقرر أن يواجه المجريون أتليتيك بيلباو، ليخسروا فى إسبانيا بنتيجة إثنين لثلاثة، وقبل أن يشد لاعبى هونفيد الرحال نحو بودابست للعب مباراة العودة إندلعت الثورة المجرية، وكالعادة، الثورات تغير كل شيء، وقرر لاعبو المجر عدم العودة للمجر، ولعب مباراة العودة فى بلجيكا، حيث تعادلوا بنتيجة 3-3، وينتهى الحلم الأوروبى مبكرًا، وترُك لاعبو المجر بلا وجهة وبلا قرار، مثل التائهين فى الأرض.
أسطورة الفريق للملكى وإنتفاضة رياضية فى أوروبا
لاعبو المجر استدعوا أسرهم من مدينة بودابست، وقرروا عدم العودة للمجر والإنضمام لناديهم لممارسة عملهم الطبيعى على الرغم من معارضة الفيفا والسلطات فى المجر، وأنطلق كل لاعب إلى وجهة مختلفة، ولكن بمجرد استقرارهم تمت مواجهتهم بعاقبة فعلتهم ورفضهم العودة لناديهم، وتم إيقاف كلًا منهم لمدة عامين، وقد واستقر بوشكاش فى إسبانيا، وتحديدًا فى إقليم كاتالونيا، وباشر التدريبات رفقة فريق إسبانيول، ولعب معهم بضعة مباريات غير رسمية، وخلال فترة الإيقاف تنقل بين النمسا وإيطاليا، وعندما إنتهى الإيقاف حاول البحث عن نادٍ فى إيطاليا، ولكن المهاجم الذى يبلغ من العمر 31 عامًا لم يجد ناديًا من أندية القمة فى إيطاليا يفتح له أبوابه، فهو عجوز وزائد الوزن، لذا قرر أن يعثر على ضالته فى أرض أخرى، وقد كان المأوى الوحيد نادى ريال مدريد والذى كان يقود إنتفاضة رياضية فى أوروبا بقيادة سانتياجو بيرنابيو وجيل العظماء وأميرهم ألفريدو دى ستيفانو، ومنذ ذلك الحين تحول بوشكاش إلى اسطورة للملكى محققاً معه خمسة ألقاب ليجا متتالية، و3 كؤوس أوروبية، ومسجلًا الهاتريك والسوبر هاتريك والميجا هاتريك كعلامة مسجلة بإسمه، وبعدها فتحت إسبانيا بابها على مصراعيه بإعادة بوشكاش للصورة الدولية وضمه لمنتخب إسبانيا الأول عام 61، ولكن 4 مباريات فقط كانت كل ما قام به بوشكاش مع منتخب الماتادور.
تدريب المصرى البورسعيدى ووضعه بقائمة رموز اللنادى
بعد تقاعده كلاعب فى صيف عام 1966، بدأ بوشكاش مسيرته التدريبية التى طافت ست قارات مختلفة، كان من أبرزها تدريبه لنادى باناثينايكوس اليونانى، الذى فاز معه ببطولة الدورى فى عامى 1970 و 1972 ووصل إلى نهائى كأس أوروبا ضد أياكس فى عام 1971، وهو الفريق اليونانى الوحيد الذى تمكن من الوصول لتلك المراحل، وحظى بوشكاش على شعبية إضافية فى مصر عندما شغل منصب المدير الفنى فى نادى المصرى البورسعيدى عام 1979 وسجل حينها رقماً قياسياً فى رواتب المدربين بالكرة المصرية حيث حصل حينها على راتب كبير حينذاك قدر بـ3500 دولار، إلا أنه لم يحقق أى نجاح يذكر مع الفريق، وكانت أكبر نتائجه حصد المركز الثالث فى الدورى المصرى موسم 79 ــ 80 ورغم ذلك وضع لتفسه مكانه كبيرة لدى قلوب البورسعيدية الذين لا يزالوا يفتخرون بقيادته لفريقهم وأصبح من رموز النادى المصرى على مر التاريخ.
العودة لأحضان للوطن والرحيل
سنوات بوشكاش فى المنفى بعيدا عن وطنه المجر ظلت لسنوات حتى عام 1981 وبعد سقوط النظام الشيوعى، تمت دعوته لتقديم مباراة استعراضية مع نجوم الجيل الذهبى فى المجر، ليتمكن أخيرا من العودة إلى وطنه بشكل دائم، وأصبح مديرًا مدرباً للمنتخب الوطنى فى عام 1993، وهى أخر مراحلة التدريبية، وبعد معركة طويلة مع مرض الزهايمر، توفى بوشكاش فى نوفمبر 2006 عن عمر يناهز 79 عاما. وتم تسمية استاد بودابست الرئيسى على شرفه، كما وتم اطلاق اسمه على أكبر شوارع مدينة بودابست وبات بوشكاش رمزا تاريخياً لكل شيء مجرى.