مصر في معركتي البقاء والبناء.. قراءة في خطاب الرئيس على هامش أداء اليمين الدستورية

السبت، 02 يونيو 2018 11:32 ص
مصر في معركتي البقاء والبناء.. قراءة في خطاب الرئيس على هامش أداء اليمين الدستورية
الرئيس السيسي في كلمته أمام مجلس النواب
حازم حسين

في جلسة لم تستغرق أكثر من 50 دقيقة، أدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية أمام أعضاء مجلس النواب لولاية رئاسية ثانية، صباح اليوم السبت، وألقى كلمة للنواب والشعب، حملت رغم إيجازها عددا من الرسائل المهمة.

472898-السيسي-يصل-البرلمان-(5)

الملمح الأول في مراسم أداء اليمين الدستورية، أن هذا المشهد لم يحدث منذ الانتخابات الرئاسية 2005، التي شابتها ملاحظات وقتها رأت القوى السياسية والأحزاب أنها تخصم من نزاهتها، بينما أدى الرئيس السيسي اليمين الدستورية لولايته الأولى في العام 2014 أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، في ظل عدم وجود مجلس نواب وقتها، عقب شهور من حل المجلس الذي سيطرت عليه جماعة الإخوان الإرهابية، وجاء تشكيله مخالفا لضوابط الدستور بحسب حكم للدستورية العليا.

503931-السيسي-يؤدي-اليمين-الدستورية-(4)

إذا تجاوزنا الجانب البروتوكولي في كلمة الدكتور علي عبد العال وتهنئته للرئيس عبد الفتاح السيسي، فسنجد عددا من الرسائل المهمة التي ألقى الرئيس الضوء عليها في كلمته الموجزة، ربما أولها دعوته النواب والوزراء والشخصيات العامة الحضور للوقوف دقيقة حدادا، ليس على أرواح الشهداء فقط كما جرت العادة، وإنما تقديرا لتضحيات وبطولات الأمة وما تحمله المواطنون والدولة، وهو تصور جديد في النظر للأمور، يحتفي بالشهداء وتضحياتهم، ولكنه يحتفي بالأحياء أيضا، في رسالة مباشرة لأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن جهود الدفاع عن الدولة المصرية ومؤسساتها، تتعانق مع جهود وتضحيات عموم المواطنين، الذين يتحملون فاتورة ربما تكون قاسية من أجل تجاوز المحن الاقتصادية، وإصلاح اختلالات هيكلية في البنية الاقتصادية والمالية، وعبور الميراث الثقيل الذي يكبل الدولة ومؤسساتها.

 

558813-السيسي-يصل-البرلمان-(11)

لعل أبرز الرسائل التي حملتها كلمة الرئيس، هي الإشارة إلى ترافق جهود محاربة الإرهاب مع جهود الدماء، والتأكيد في أكثر من موضوع على أن الدولة المصرية تخوض صراعا جادا وعميقا، لا من أجل البقاء فقط، وإنما من أجل البناء أيضا، وأن معركتي البقاء والبناء تسيران معا، وهو ما أكده بالعبور أكثر من مرة على أحاديث الأمن والبناء مترافقة ومتتابعة، فأشار إلى الإرهاب الغاشم وما خاضته الدولة من صراع معه، وإلى التيارات والتنظيمات التي تتاجر بالدين وتلوث وجه العقيدة والوطن، وبالقدر نفسه أكد إصرار الدولة على عبور الظرف الاقتصادي كما عبرت المرحلة العصيبة وانطلقت نحو مستقبل أكثر ثباتا واستقرارا.

727738-0000

ضمن ما أشار له الرئيس في كلمته الموجزة، أنه وضع مع توليه المسؤولية في العام 2014 خطة طموحا لمواجهة الإرهاب والأطراف المهددة للدولة، وفي الوقت نفسه وضع رؤية تنموية تتضمن مخططا شاملا للإصلاح الاقتصادي، مع شبكة حماية اجتماعية للتعامل مع الآثار السلبية الضاغطة لهذه الإصلاحات على الفقراء ومحدودي الدخل، وهو ما أكد أنه سيتواصل مع تعظيم أكبر لحضور الفئات الأولى بالرعاية ضمن اهتمامات الدولة، ما يؤكد أننا بصدد رؤية متماسكة لاستكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي وضبط الهياكل المالية ومؤشرات أداء الموازنة، وفي الوقت نفسه إعادة توجيه مخصصات الدعم والرعاية الاجتماعية للفئات الأكثر استحقاقا لها، بعيدا عن إهدار جانب من فاتورة الرعاية الاجتماعية لفئات من غير المستحقين.

732632-99

ملف العلاقات الدولية حضر بوضوح في كلمة الرئيس السيسي، إذ أعاد تأكيد محددات واستراتيجيات السياسة الخارجية المصرية، مشددا على رؤية مصر في احترام السيادة الوطنية للدول ضمن التدخل في شؤونها، مع مراعاة المصالح العليا للدولة المصرية، والعمل في إطار رؤية للتكامل مع الدوائر الإقليمية والعالمية، بما يضمن لمصر تحقيق مصالحها ضمن شراكة حقيقية ومتكافئة مع كل الأطراف.

الدوائر المتتابعة التي اشتبك معها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته، تحمل ضمن دلالاتها العديدة إشارات لمحددات الملفات السياسية والاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وإن كانت لا تختلف مع ما شهدته الولاية الرئاسية الأولى، إلا أنها تتضمن تثبيتا لأمور، وتعميقا لأمور أخرى، إذ إن الحديث عن دوائر السياسة الخارجية، والتأكيد أكثر من مرة أن منطق المصالح المشتركة واحترام السيادة هو الحاكم لمصر في تحركاتها إقليميا ودوليا، يحمل تأكيدا مباشرا لأن مصر تنأى بنفسها عن التورط في الملفات الساخنة إقليميا، أو دخول صراعات مباشرة تخصم من سيادة بعض الدول الشقيقة، وهو ما أكده الرئيس السيسي في أكثر من موقف سابق، وبحضور هذا الخطاب بجانب خطاب مواجهة الإرهاب واستكمال خطط التنمية، فإننا بصدد تقديم لمعركتي البقاء والبناء على حساب الصراعات المجانية التي لا طائل من ورائها، وقد تخصم من قوة الدولة المصرية وقدرتها على التحرك قُدما وتحقيق مزيد من النمو والقفزات الاقتصادية.

1016043-9

من المواقف الطريفة التي شهدتها الجلسة، مقاطعة أحد الحضور لكلمة الرئيس، ملقيا قصيدة شعر يهنئ فيها السيسي بالفوز ويمتدح إدارته وأداءه في الملفات المختلفة، وهو ما رد عليه الرئيس قائلا: "طول ما ربنا مع البلد دي هو اللي حاميها.. لا السيسي ولا غيره" ورغم بساطة الموقف وما رسمه من ابتسامات على وجوه الحضور، إلا أنه في معناه العميق، وبالرد العفوي السريع من الرئيس، يؤكد أننا بصدد قيادة سياسية تعي طبيعة دورها والتزاماتها، وأن الرئيس بعيد عن آفات الغرور، ويوقن تماما أن ما حققته الدولة المصرية في السنوات الأخيرة يعود الفضل فيه لحالة التكاتف والوفاق بين جموع المواطنين، وهي رسالة مبشرة بشأن الفترة الرئاسية الثانية، وحجم الشراكة المنتظر تحقيقه في ملفات السياسة والإدارة، خاصة ونحن بصدد انتخابات محلية ثم انتخابات برلمانية جديدة خلال هذه الولاية التي تمتد حتى 2022.

p (66)

رغم أن خطابات أداء اليمين عادة ما تكون خطابات بروتوكولية مخلصة للمراسم أكثر من التفاصيل السياسية والتنفيذية، إلا أن الرئيس السيسي تناول عددا من التفاصيل المهمة في كلمته، منها ما يخص المشروعات القومية الجاري تنفيذها، وغيرها مما تستعد الدولة لإنجازه ضمن رؤيتها الشاملة للتحديث والبناء، كما تناول ما يخص الحرب على الإرهاب وتجديد الخطاب الديني ومواجهة الجماعات المستغلة للدين، وكانت إحدى أهم النقاط في الخطاب تأكيد الرئيس أن ملفات التعليم والصحة والثقافة ستكون في مقدمة اهتماماته خلال الولاية الثانية، وهو ما يترافق مع النظام الجديد للتعليم، والاستعداد لبدء التطبيق التجريبي لنظام التأمين الصحي الشامل، وربما تكون هذه الإشارة هي الأولى للثقافة التي لم تحضر من قبل على اهتمامات أي رئيس مصري، رغم أهمية هذا الملف واتصاله المباشر بالأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا نظرنا لمجموع العناصر الثلاثة فسنجد أنها عناصر بناء للإنسان، وإعادة صياغة لشخصيته وقدراته المعنوية والمادية، ما يُعني أن معركة البناء التي أشار لها الرئيس في كلمته لا تخص المشروعات والطرق والمصانع، أو بناء الأحجار فقط، وإنما تبدأ البناء من قاعدة الهرم، بالالتفات للإنسان والاشتغال الجاد على بنائه.

p (73)

ربما لا تبدو الصورة العامة مشرقة، رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها الدولة المصرية وما زالت تحققها على أصعدة عدة، وهو ما أشار له الرئيس بعبوره على عدد من التحديات والمصاعب، وفي مقدمتها استمرار الحرب على الإرهاب، مع توغلنا بعمق أكبر في معركة البناء، وهي الجبهات المفتوحة التني تشهد نجاحات يومية، وربما في ضوء هذه النجاحات لم يقترب الرئيس من المشكلات كما اعتاد مصارحة المواطنين من قبل، وإنما ركّز بشكل أكبر على الفرص والتحديات المستقبلية، وعلى نجاح مصر في عبور مراحل الأزمة الحرجة والوصول إلى ضفة مستقرة، كما كان الرئيس حريصا على إشاعة حالة من التفاؤل في خطابه، عبر اعتماد لغة هادئة ومتزنة، بعبارات قصيرة وواضحة، وانتقال سلس وبسيط بين الموضوعات والملفات المختلفة، مع صوت هادئ وقور، وأداء لا يخلو من الابتسامات والوقفات اللطيفة والاشتباك المبهج مع الحضور، كما في موقف مقاطعة أحد الموجودين بالقاعة لكلمته بقصيدة شعر. 

p (74)

ملخص جلسة مجلس النواب التي استمرت 50 دقيقة، وكلمة الرئيس التي لم تتجاوز 15 دقيقة، أننا ونحن بصدد بدء ولاية رئاسية ثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن كثيرا من ركائز الدولة المصرية ما زالت قائمة ومستقرة، أولها مواجهة الإرهاب بشكل جاد، ورفض أي استغلال أو توظيف سلبي وعنيف للدين، والعمل على صعيد السياسة الخارجية وفق رؤية تنتصر للمصالح الوطنية وتتأسس على احترام سيادة الدول وعلاقات الشراكة الإيجابية معها، وأيضا مواصلة معركة البناء والتنمية، التي تترافق فيها جهود الإصلاح وضبط أداء الدولة الاقتصادي والمالي، وإصلاح الاختلالات والمشكلات الهيكلية في الموازنة العامة وعلاقة الإيرادات بالمصروفات، بجانب استكمال المشروعات القومية الجارية، وإطلاق مشروعات أخرى جديدة على كل المحاور، في رؤية متكاملة لإعادة بناء مصر، وهي الرؤية التي تؤكد أن الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي (2018 - 2022) ستكون مختلفة بصورة كبيرة عن الولاية الأولى، وإن اشتركت معها في عدد من الركائز والمنطلقات، ولكنها تتجه بقوة لتعميق جهود البناء، بعدما نجحت جهود البقاء خلال السنوات الخمس الماضية في ضبط الأداء الأمني، وتحجيم المخاطر المهددة للدولة المصرية، وتطوير قدرات القوات المسلحة والشرطة بما يضمن التعامل الجاد والفعال مع كل التهديدات، ما يضمن لمصر الاستمرار في معركتي البقاء والبناء بكامل كفاءتها، وتحقيق قفزات إيجابية على صعيدي الاقتصاد والتنمية، وهو ما ستلوح بشائره في الأفق خلال الشهور المقبلة، وربما مع بدء سريان الموازنة العامة الجديدة 2018/ 2019.

p (101)
 
p (102)
 
p (105)
 
p (106)
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق