فى أجواء شهر الصيام ومع نسماته الإيمانية العطرة نحتاج إلى تأمل رسالة القرآن والدعوة المحمدية الطاهرة، وأن نعيد فهم رسالة الدين فى أبعادها الصحيحة وليس تلك المشوهة، لماذا؟ لأنه وسط شلالات الدم التى أنتجتها تنظيمات الغلو والإرهاب باسم الإسلام الذى هو براء من هذا الفكر، وسط ثقافة داعش والقاعدة القائمة على الكراهية والكآبة والتى أنتجتها ثقافة البداوة وما يشبهها من دعوات تمتد إلى الخوارج فى سنوات الإسلام الأولى، مرورا بكل الغلاة من الفقهاء ومَن تتلمذ على أيديهم من الإرهابيين، نقول وسط هذا المناخ الممتد من سوريا إلى ليبيا مرورا بمصر.
نحتاج إلى أن نشير وبقوة إلى أن هذه الثقافة المولدة للعنف، ليست هى ثقافة الإسلام، والقرآن.. لقد كان القرآن الكريم وسيظل كتاب الله لرحمة عباده وإسعادهم وليس كتاب شقاق وفرقة وحزن، ومن ثم إرهاب..، لماذا؟ لأنه كلام الله سبحانه وتعالى وهو جوهر الدعوة المحمدية التى لم ترسل إلى البشر إلا لإسعادهم وإخراجهم من حياة الهم والغم إلى حياة الخير والتفاؤل والجمال، هكذا فهم الرسول (صلى الله عليه وسلم )وصحابته الكرام الرسالة فحملوها وأبلغوها للعالمين، إن الإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه فى كل شىء. والنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إن الله تعالى جميل يحب الجمال»، والقرآن الكريم فى العديد من آياته يلفت الأنظار إلى ما فى الكون من تناسق وإبداع وإتقان، وما يتضمنه ذلك من جمال وبهجة وسرور للناظرين، والإنسان مطبوع على حب الجمال، سواء كان هذا الجمال فى الشىء أو فى الأشخاص.
وإذا كان الله يحب الجمال كما جاء فى الحديث المشار إليه، فإن الإنسان الذى خلقه الله فى أحسن تقويم، من شأنه أيضا أن يحب الجمال، مع الفارق الكبير الذى يتمثل فى أن الله هو خالق الجمال، وخالق حب الجمال فى الإنسان.
ويعرف الجمال بأنه صفة تلحظ فى الأشياء وتبعث فى النفس سرورا ورضا، أو كما يقول ابن سينا: جمال كل شىء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له»، أو كما ينبغى أن يكون، وهذا يعنى التناسق التام والنظام الكامل، وقد اكتمل ذلك فى خلق الكون كله الذى خلقه الله فقدره تقديرا وأبدع صنعه، وأحسن كل شىء خلقه: «ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور»، ويلفت القرآن نظرنا إلى هذا التناسق فى خلق السماء بقوله: «أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج»، وجعل لنا الحدائق بهجة لأنظارنا وسرورا لأنفسنا: «وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة».
وتتكرر فى القرآن الكريم أوصاف الجمال فى خلق السماء وتزيينها لتكون بهجة للناظرين، وذلك مثل قوله تعالى: «ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح»، وقوله: «ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين». ويستنكر القرآن من يحرم زينة الله بقوله: « قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، والقرآن الكريم يدعونا لأن نتخذ زينتنا عند الخروج إلى المسجد حتى نكون فى أبهى صورة وفى أجمل حال: «يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد».
والجمال كما يكون فى خلق الكون وفى خلق الإنسان، يكون أيضا فى الأنعام كما يقول القرآن الكريم «ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون»، ويكون كذلك فى مجال الأخلاق، فى الصفح على سبيل المثال: «فاصفح الصفح الجميل»، وفى الصبر: «فاصبر صبرًا جميلًا»، وغيرهما من صفات أخلاقية، ويكون أيضا فى الأفعال: «فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلًا»، كما يكون الجمال فى الأصوات، فقد امتدح النبى عليه الصلاة والسلام صوت أبى موسى الأشعرى وقد سمعه يتغنى بالقرآن وكان جميل الصوت فقال له: « لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود»، كما كان النبى يختار أجمل الأصوات للأذان، وامتدح بلالا فى الأذان، واصفًا إياه بأنه أندى صوتًا، والجدير بالذكر هنا أيضا أن أوصاف الجنة فى القرآن الكرم تمثل صورا جمالية رائعة تجعل القلوب تهفو إليها، والنفوس تتحرق شوقًا إلى نعيمها.
ومن ذلك يتضح أن الإسلام إذا كان يدعو إلى الجمال، فإنه من ناحية أخرى يرفض القبح بجميع أشكاله وفى مقدمته فعل (الإرهاب) بكافة أشكاله والتى أبرزها اليوم الإرهاب الداعشى.
والجمال أيضا يرتبط بالفرح والسرور فى غير معصية الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الفرح فى القرآن الكريم فى مواطن كثيرة منها ما يلى:
أولًا: مواطن نهى فيها الله عن الفرح وتوعد كل من يفرح بالعذاب الشديد
قال تعالى: ((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)).
وقال تعالى: ((لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)).
وقال تعالى: ((مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)). وقال تعالى: ((فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون))
وقال تعالى: ((فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ {81} فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)).
قال تعالى: ((لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))
ثانيًا: مواطن أمر الله فيها بالفرح، ورغّب عباده فيه:
قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)).
*هل عرفنا جواب السؤال: هل الفرح مشروع فى الإسلام: الجواب يكمن فى كلمتى ((بغير الحق))، فلا يجب على المؤمن أن يفرح بغير حق، فكل فرح بغير الحق منبوذ مذموم منهى عنه محرم لا يحبه الله، فإن الله لا يحب من كان فرحه اختيالًا وفخرًا وعجبًا وتكبرًا وباطلًا، أما من يفرح بفضل الله ورحمته، وبفضل سلامة وطنه من الفتن وابتعاده عن ثقافة وفعل الغلو والإرهاب الداعشى، فهذا فرح بالحق وهو فرح مطلوب مرغوب أمرنا الله به وحببنا فيه، ونحسب أننا اليوم ووسط انتشار تنظيمات الإرهاب الملتحفة زيفا برداء الدين، ونقصد بها تحديدا (القاعدة) و(داعش) واخواتهم ومن يمولهم بالمال والفتوى من القوى السلفية المتطرفة الهادفة للقتل، وليس لعمارة الدنيا وصيانة الدين الحق، وسط هذا كله، فإن واجبنا الدينى والسياسى والوطنى، أن نعرى ونكشف، هكذا ثقافة، وألا نهادنها ونترأف بها، لأنها ساعتها ستسترد عافيتها وتنهض مجددا ناشرة الظلام والكآبة.. وبعدها.. مباشرة الإرهاب المسلح فى أوطاننا، لأن هذا (الإرهاب) هو الابن الشرعى لتلك الثقافة.. والتى يرفضها كلية الإسلام والقرآن.. ورمضان كريم ومبهج ومفرح ولو كره الداعشيون.