الشغف في سينما أحمد ذكي.. «وإن سألوك الناس عن ضيّ .. متخبيش»
الإثنين، 28 مايو 2018 08:00 م
فى محطة البحوث، يقف «زين» بملامح صارمة، يُقلب طبقات صوته بمرارة بالغة، ويلتقط أنفاسه بعيون شاردة، يُدندن بصوته المكسور بعد أن شاع في تقاطيع وجهه حنو غريب: «وإن سألوك الناس عن ضى جوه عيونك مبيلمعش.. متخبيش».
اعتاد «زين» أن يُلاحق من الشرطة أو من أفراد الجماعات الإسلامية فى محطات المترو، ورغم ضيق عيشه، غير أنه واصل طقوطته الحزينة «وأنا مش عاشق ضلمة ولا زعلت الضى! مسير الضى لوحده هيلمع.. ومسير الضحك لوحده هيطلع مبيجرحش ولا يأذيش».
اللحظات المؤلمة التى جسدها «زين» خريج معهد الموسيقى العربية، الذي انتهى به الأمر للغناء في مترو الأنفاق، بعد رحلة سعيه عن العمل، هى من الفيلم المصرى «هستيريا» من إنتاج عام 1998 بطولة أحمد زكي وعبلة كامل، وقصة وسيناريو وحوار المؤلف محمد حلمى هلال وإخراج عادل أديب.
الشغف المطبوع على محيا «زين»، هو إسقاط مجتمعى يفكك الصورة الذهنية عن الشغف بالأحلام التى يقتلها المجتمع، وكيفية مواصلة الحلم.. يقول الإذاعى الأمريكي لارى كينج: «إحلم كى تعيش».
فعندما يفشل «زين» في أداء دوره في الكورس، فيؤنبه «المايسترو» متهمًا إياه بالسقوط للقاع كغيره، بينما يدافع «زين» عن غنائه في المترو وفي الأفراح، يقول: «من حقّي أغنّي وألاقي ناس تسمعني».
دمج فيلم هستريا بين الثقافة الجمعية المترسخة فى الأذهان عن الشغف والجنون، وكيف يمكن للشغف أن يكون جذوة الإنسان للإنطلاق رغم انكساراته فى مرحلة البحث عن العمل.
ما يراه زين جنونًا لازمًا لاستمرار الحياة، يسميه «روبرت. جيه. فاليراند» في ورقته البحثية المنشورة في عام 2012 بـ«الشّغف»، ويراه عاملًا مهمًّا في «الرفه النفسي» للأشخاص.
يرى فاليراند الشغف بأنه ميل الإنسان إلى استثمار وقته ومجهوده بشكل متكرر ودائم في أنشطة يحبها ويجدها مهمّة، وتساهم في تعريفه وتحديد ذاته، وهو ما تجسد في غناء «زين»، رغم الصعوبات التي واجهها، أو عدم تفهّم من حوله لقرارات، حتى إن كانت هذه القرارات لاتدر نفعًا حقيقيًا عليهم، لكنها تمدّهم بالحياة.
تذكر الورقة في مقدّمتها أن «الرفه النفسي» لا يعني بالضرورة أن يكون الشخص بلا أزمات، لكن الأبحاث تؤكد ارتباط السعادة أو الرضى بالحياة، الذي ينشأ عن «الرفه النفسي» بالصحة البدنية للأشخاص وقدرتهم على بناء علاقات صحية مع الآخرين، وهو الأمر الذي يربط فاليراند بينه وبين قيام الإنسان بأنشطة هو شغوف بها، ويشير إلى هذا الارتباط في كتابات باحثين آخرين.
في «هيستريا»، تستثمر «وداد» عبلة كامل بعض الجنون لتصل إلى زين، الذي أحبته. لايهم كيف يراها الناس حقًا وكيف يقيّمون ما تفعله طالما تنول من أحبّت.
ويستثمر «زين» بعض الجنون أيضًا لتسيير حياته ومتابعة الغناء، لا يهم إن كان في المترو، الذّى يتجاوز فكرة ضوابط القانون، طالما أنه منفذ يعطيه الأمل ويمنحه فرصة لممارسة ما هوى وأحب.