لماذا عاد مهاتير محمد؟

الأحد، 27 مايو 2018 09:19 م
لماذا عاد مهاتير محمد؟

حينما أسست بريطانيا تنظيمات الإسلام السياسي في القرن العشرين، وعلى رأسهم تنظيم الاخوان المسلمين ، باعتباره التنظيم المركزي الذى يسيطر على الافرع الأخرى من الإسلام السياسي، كان الغرض لهذا الإسلام البديل او تلك الطائفة الإسلامية ان تكون السند الرئيسي للاستعمار الغربي عموماً وبريطانيا خصوصاً.

وحينما بدأت بريطانيا في الانسحاب من مستعمراتها واحدة تلو الأخرى عقب الحرب العالمية الثانية، كانت بريطانيا تحرص على تسليم السلطة الى عملائها من غلمان الإسلام السياسي، على ضوء حقيقة ان العميل سوف يحرس المصالح البريطانية في هذه المستعمرات، ويضمن بقاء تلك المستعمرات عقب استقلالها في دائرة السياسات البريطانية، بل وربما يفتح الباب مستقبلاً لعودة الاحتلال الغربي عموماً والبريطاني خصوصاً لهذه البلدان.

وقد قامت بريطانيا عبر الإسلام السياسي وتنظيمات الاخوان او المتأثرة بها بتسميم عملية استقلال الهند وبورما وغيرها من المستعمرات الآسيوية، كذا مستعمرات بريطانيا في جنوب شرق آسيا، حيث استطاعت بريطانيا قبل الانسحاب ان تأسلم وتأخون كافة أدوات العمل السياسي في مستعمرات جنوب شرق آسيا والتي استقلت عام 1957 قبل ان تغير اسمها عام 1963 الى ماليزيا.

في ماليزيا الطبقة السياسية الحاكمة إسلامية بالكامل، الخلافات بين الأحزاب هنالك مثل الخلافات بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا، او بين الاخوان وحزب النور في مصر عام 2012، مجرد جناحين تحت عباءة واحدة.

ولقد حاول الإسلام السياسي عبر التنظيم الدولي للإخوان إدارة ماليزيا بالشكل اللائق، من اجل تقديم ماليزيا نموذجاً اخوانياً يروج له الاخوان ومن قاموا باعتلائه في صفوف اليسار، ولكن زعامات ماليزيا راحت تتعثر واحدة تلو الاخر خاصة في ظل تبعيات حرب 1965 مع اندونيسيا والتي اسفرت عن استقلال سنغافورة عن ماليزيا.

ولم تغرب شمس بريطانيا وامريكا عن ماليزيا قط، باعتبارها دولة مهمة في تطويق الهند بوجه عام والصين بوجه خاص.

وفى 16 يوليو 1981 تولى مهاتير محمد حكم ماليزيا، باعتباره رائع رئيس وزراء في تاريخ هذا البلد فحسب، رئيساً للوزراء في ظل دولة ذات نظام ملكي برلماني، ثم جرت الانتخابات البرلمانية عام 1982 ليظفر مهاتير بالولاية الثانية، ثم الثالثة عقب انتخابات 1986 ثم الرابعة عقب انتخابات 1990 ثم الخامسة عقب انتخابات 1995 ثم السادسة عقب انتخابات 1999، قبل ان يتنحى في 31 أكتوبر 2003 بعد ان حكم ماليزيا 22 عاماً.

يسوقون لك تلك السنوات باعتبارها معجزة اقتصادية وسياسية، بينما الامر انه التشرذم والصراعات السياسية بين نخبة كلها إسلاميين كانت السبب الوحيد، فيما عدا ذلك فأن ماليزيا تتمتع بكل المقاومات التي تجعل أي سياسي يصنع بها المجد.

تعداد سكاني يبلغ اليوم 28 مليون نسمة فحسب، نتحدث عن ارقام عام 2018 فما بالك بأرقام عام 1981، هل اخبرك احدى عشاق الافيون اليساري او الاعلاف الاخوانية انه ماليزيا دولة نفطية ؟ انها في سنوات مهاتير محمد ضمن اهم 20 دولة مصدرة للنفط، وانها لم تتأخر من المرتبة 20 الى 25 اليوم الا بسبب اكتشاف النفط في بعض الدول الأخرى بمعني ان قدراتها النفطية اليومية لا تزال سارية ؟

تنتج ماليزيا يومياً 662 الف برميل نفط، بينما دولة خليجية نفطية مثل البحرين لا تنتج يومياً اكثر من 50 الف برميل نفط، او اليمن التي تنتج 22 الف برميل يومياً، والنيجر النفطية ذات الــ 13 الف برميل نفط يوميا فحسب، وبحسبة بسيطة نكتشف ان انتاج ماليزيا من النفط يومياً يزيد عن مجموع ما تقدمه دول نفطية أخرى بشهرة السودان شمالاً وجنوباً والبحرين واليمن والنيجر.

وتقدر الحكومة الماليزية عام 2016 أن بمعدلات الإنتاج الحالية ستحافظ ماليزيا على إنتاج النفط لما يصل إلى 18 عاماً، والغاز لمدة 35 عاماً، وفي عام 2004، صنفت ماليزيا في المرتبة 24 من حيث احتياطي النفط و13 من حيث احتياطي الغاز.

هكذا طيلة ثلاثون عاماً تقريباً دأب غلمان اليسار والاخوان وعناصر ما يسمى بالمعارضة المصرية مقارنة دولة نفطية بمقدار ماليزيا بدول عربية مثل مصر تمتلك تعداد سكاني أربعة اضعاف ماليزيا دون نفطها او غازها!

لن نتحدث عن السياحة وسواحل ماليزيا، او انها سواحل حرة بلا إرهاب او قوات دولية او قطاع غزة او كيان صهيوني، تجلب 26.8 مليون سائح سنوياً بحسب ارقام عام 2016، وهذا الرقم هو 250 % اعلى رقم في تاريخ السياحة المصرية الذى لم يتجاوز 12 مليون سائح، بينما تنظيمات الاخوان استهدفت السياحة المصرية بالإرهاب والتحريم منذ سبعينات القرن العشرين حتى اليوم، واستهدف اليسار الامر ذاته بصناعة ظهير شعبي للإرهاب والاخوان والدفاع عنهم امام المحاكم وتأمين تبرأتهم امام القضاء المصري وصناعة ضغط دولي حيال سجنهم.

بالطبع وهم يقصون عليك اسطورة مهاتير لا يخبرونك انه كان وزيراً للدفاع خلال السنوات الخمس الاولي من حكمه ما بين عامي 1981 و1986، ولم يكن ذلك الا رغبة من المؤسسة العسكرية في استقرار الحكم، عكس من الذين ناصبوا جيوشهم العداء منذ الخمسينات حتى اليوم، رغبة في تفكيك تلك الجيوش الوطنية وتقديمها قرباناً للغرب الاستعماري.

ورغم أن مهاتير محمد لم يربط اقتصاد بلده بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الا ان تجربته الاقتصادية اثبتت انها نمر من ورق كما الحال مع النمور الاقتصادية الآسيوية حينما ضربت ازمة الأسواق المالية الاسيوية أواخر التسعينات الاقتصاد العالمي، وطلب من مهاتير ان يتماسك ويتنحى لاحقاً وليس اثناء الازمة للحفاظ على الأسطورة.

وبالفعل عقب ثلاثة سنوات تقريبا اعلن استقالته وتنحي عن الحكم، وقد تحول الى ايقونة اخوانية يدرسونها في كل مكان لهم، خاصة انه قبل الائتلاف مع الحزب الإسلامي الماليزي الذى يتفاخر بأفكار حسن البنا، او يقرب اليه عناصر حركة الشباب الإسلامي الماليزية التي تقدس أسلوب المدارس الاخوانية المصرية.

ولم يتأخر مهاتير على تنظيمه الدولي، حيث زار وايد ودعم كل حكومة اخوانية او إسلامية حول العالم، بل وزار مصر ثلاثة مرات في سنة حكم تنظيم الاخوان وقد بارك صعودهم للسلطة وان عارض توجههم لصندوق النقد الدولي.

وعقب خروجه من الحكم على وقع تصديه الفاشل للازمة الاقتصادية، رغم انه تولى وزارة الاقتصاد مرتين اثناء الازمة، ما بين عامي 1998 و1999 ثم ما بين عامي 2001 و2003، لم يخبروك انه تلامذته هم من قادوا ماليزيا، سواء رئيس الوزراء عبد الله أحمد بدوي ما بين عامي 2003 و2009 ثم نجيب عبد الرازق ما بين عامي 2009 و2018.

إذن لماذا وقف مهاتير محمد في وجه تلامذته وتحديداً نجيب عبد الرزاق وقرر النزول ضده في الانتخابات البرلمانية ؟

في الواقع هذا الطقس الاخواني ليس بجديد، على سبيل المثال التركي نجم الدين اربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق وصاحب حزب الرفاة الذى كان من شبابه رجب طيب اردوجان وعبد الله جول، قد عاد بحزب السعادة ونزل الانتخابات البرلمانية امام حزب العدالة والتنمية محاولاً إزاحة تلامذته اردوجان وجول لحسابات اخوانية – اخوانية ولكنه لم يفلح في ذلك خلال الانتخابات البرلمانية التركية عام 2007.

وفى ماليزيا، حدث ان حكامها قد فتحوا أبواب تلك البلاد الاسيوية لكل الاخوان الهاربين من مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، ثم الذين طردوا من قطر تحت وطأة الضغوط الخليجية من السعودية والامارات والبحرين على وجه التحديد.

ويعيش حتى اليوم عناصر الجماعة الإرهابية في المنفى الماليزي بهدوء وتحت حماية الحكومة الماليزية، ولكن عقب وفاة الملك السعودي عبد الله ومجيء الملك سلمان، فأن الأخير وولى عهده الأمير محمد بن سلمان سارعوا في ضخ استثمارات في ماليزيا، وتوثيق العلاقات مع حكومتها، ورغم ان الهدف لم يكن تمشيط ماليزيا من اخوان مصر او اخوان الشرق الأوسط، الا انه في مرحلة ما فأن الملك سلمان وابنه مارسوا ضغوط على ماليزيا من اجل تضييق الخناق على تلك العناصر.

والحاصل انه نجيب عبد الرزاق رئيس الوزراء الماليزي قد قبل تلك الايدي الممدودة من الرياض، وقد سبق وان قبل بالتقارب مع السعودية عام 2009 في ملفات تتعلق بتمكين السلفية الوهابية داخل المجتمع الماليزي رغبة من اخوان ماليزيا في سحق ثقافي وفكري للقومية الصينية التي تبلغ 22.6 % من سكان البلاد، او ثقافة البوذية التي تبلغ 20 % من سكان البلاد.
 
هكذا جرى انقسام بين الإسلاميين في ماليزيا على ضوء توجه نجيب عبد الرزاق للسعودية وقبوله بدء تضييق الخناق على اخوان مصر، وتحرك التنظيم الدولي للإخوان سريعاً في محاولة للبحث عن بديل عن النظام الماليزي الحاكم، ونظراً لإفلاس الساحة الإسلامية في ماليزيا وتمسك مسلمي ماليزيا الذين يشكلون 61.3 % من سكان البلاد بالحزب الحاكم، وجد التنظيم الدولي ان عودة رجله الأول في ماليزيا مهاتير محمد هو الحل الوحيد، على ضوء الدعاية والاسطورة الاخوانية بــ 22 سنة رخاء وتنمية على يد صاحب الست ولايات في الحكم.
 
هكذا بدأ مهاتير محمد منذ عام 2016 في المعارضة عبر الحزب الوطني الماليزي، وقد وجد الشيخ الذى بلغ 90 عاماً (مواليد 10 يونيو 1925) الفرصة سانحة لتحقيق حلمه بتوريث السلطة لأبنائه، سواء مارينا مهاتير رئيسة جماعة أخوات في الإسلام التي اطلقت حملة بعنوان "لا لتعريب ماليزيا" ضد ما اسمته سياسة الملك سلمان وولى عهده لنشر الإسلام الوهابي في ماليزيا، او ابنه مقريز مهاتير حاكم ولاية كده وقد عمل نائباً لوزير التجارة الدولية والصناعة، ومقزاني مهاتير الذى يصنف في المرتبة الــ 14 في قائمة اغني مليارديرات ماليزيا حيث يدر اهم شركة نفط في البلاد.
 
واتت انتخابات 2018 وظفر مهاتير محمد بالأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الوزارة حيث أدى اليمين الدستوري في 10 مايو 2018 لبدء الولاية السابعة بعد ست ولايات على مدار 22 عاماً، حيث بدأ في تصفية النفوذ السعودي في ماليزيا في اطار الأزمة الحالية بين بعض التنظيمات الإسلامية والسعودية، وفي اطار رغبة التنظيم الدولي في تحول ماليزيا الى منفى هادئ لرجالات الإسلام السياسي الهاربين من مصر.
 
وايضاً بعد ان بدأت تركيا وتجربة رجب طيب اردوجان في الترنح منذ انقلاب 15 يوليو 2016 ثم الحائط المسدود الذى وصلت له العلاقة بين اردوجان وامريكا بعد صعود ترامب للبيت الأبيض في يناير 2017، اصبح واجباً على تنظيم الاخوان خاصة التنظيم الدولي ان يبحث عن مأوى جديد لرجالاته في تركيا، وان يبحث – وهذا هو الأهم – عن اسطورة جديدة يقتات عليها غلمان الاخوان واليسار الموالي لهم عبر شبكة هائلة من الدعاية.
 
لذا لا عجب ان نرى اليوم الدعاية الاخوانية وشبكة الصفحات الموالية لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعزف الالحان اليومية والاكاذيب ذات المبالغات الاخوانية إياها عن مهاتير محمد، لتشعر ان كذبة اعادته 50 مليار دولار الى خزينة الدولة في بضعة ساعات قد خرجت من نفس العقلية الطفولية الاخوانية الصدئة التي نسقت مع الجارديان البريطانية يوماً كذبة ان مبارك لديه 70 مليار دولار في حساب بنكي ما.
 
ولا عجب ان يتزامن صعود مهاتير مع هبوط الليرة التركية وترنح تجربة اردوجان، بل ان صعوده اتى في الوقت المناسب لصالح تنظيم الاخوان، لنقل العباءة الاخوانية والإعلامية وحتى المنافي الاخوانية من تركيا الى ماليزيا اذا ما دعت الضرورة، او ان يتلقى نظام تركيا الإخواني دعماً لوجستيا من نظام ماليزيا الاخواني لاحقاً لان تركيا اردوجان لم تعد قادرة على حمل قيادة العباءة الاخوانية بمفردها.
 
ختاماً.. مهاتير محمد طيلة حياته يدور في فلك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهم من قدموه للعالم العربي وسوقوا انه النموذج الذى يجب ان نطبقه في دولنا، وهم الذين اتخذوا قراراً بعودته لتعويض نزيفهم الاستراتيجي في تركيا ومن قبلها خسارة داعش والنصرة لسوريا والعراق ولبنان، إضافة الى انقاذ استقلالية القرار الاخواني في ماليزيا عن المداخلات السعودية في اطار الخلاف الاخواني السعودي على ضوء دعم الرياض لثورة 30 يونيو المصرية ورفضها الذهاب الى ما ذهبت اليه قطر مع مصر عقب تولى الرئيس السيسي سدة الحكم في القاهرة.
 
مهاتير محمد ليس الأسطورة التي يدعونها، بل هي مجرد ديباجات دعاية اخوانية للترويج الى رجالات يخدمون مشاريع الاخوان، مهاتير رئيس وزراء في بلد بهذا الحجم الجغرافي وتلك الكثافة السكانية الهزلية قياساً بمصر ودول الشرق الأوسط، دولة نفطية ذات عائد يومي ثابت من الغاز والنفط وعائدات السياحة ثابتة في منطقة لا تشهد إرهاب او حزام من الحروب الاهلية مثل الذى يحيط بالشرق الأوسط عموماً ومصر خصوصاً.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق