روايات من مكان الحادث.. قصة انتحار مهندس «التكفير» الملتحي وزوجته بالمريوطية (صور)
الجمعة، 25 مايو 2018 03:52 م
4:30 ص
الشارع الذي لا تدخله الشمس بسبب مبانيه الشاهقة على الجانبين هادئ كعادته، إلا من بعض المارة المتأخرين في المساجد بعد صلاة الفجر، وصوت انفجر في أرجاء المكان، تسرب إلى كل أذن كل كائن حي «يا كفرة، كلكم كفرة، شايفكم كلكم على باب جهنم».
5:00 ص
الخوف يتغلغل إلى القلوب، دبدبات الأرجل تعالت، الهمهمات في الشرفات تتعالى شيئا فشيئا، الأبصار شاخصة إلى الشرفة الكائنة بالدور السادس من العقار الكائن في شارع اللوتس بمنطقة المريوطية فيصل، شخص في بداية العقد الثالث من عمره يرتدي تيشيرت أبيض حاد الملامح كثيف اللحية، يقف في شرفة شقته يكفر ويلعن الخلق والناس «أراكم جميعا على باب جهنم، كلكم داخلون إليه، إلا من رحم ربي من عباده الصالحين، لن تسكتني عيونكم، لن يردعني كلامكم كلكم في النار، العبد الفقير إلى الله يبلغكم من ربكم أنكم على أبواب النار».
6:00 ص
ساعة كاملة لم يهدأ الصوت ولم يكل ولم يمل صاحبه، يتبادل أصحاب الشرفات استراق الأنظار إليه صغارا وكبارا، أحد الجيران تشجع وحاول التهدئة، لكن صاحب الصوت قرر التكملة للنهاية، لم يجد صاحب العقار إلا الاتصال بأحد زملائه في العمل لعله يصله بأهل هذا الشخص الهائج، فوصل أخيرا وبعد عناء بسبب ضعف شبكة المحمول إلى وليد صديقه في مخزن بيع المواد الغذائية.
7:00 ص
أصوات تكسير تخرج من الشقة التي بها الشخص الهائج، ومزيد من الدلائل القرآنية التي يسوقها على مسامع الشرفات تؤكد وجهته في تكفير المجتمع، أحد الجيران يدعى محمد تشجع وأخذ يطرق على الباب إلى أن فتحت زوجة بطل الواقعة، إلى أن الأخير أعتدى عليه ومزق رقبته بأظافره، والزوجة تستمر في العراك، لا صوت يعلو فوق صوت الصريخ واللطم والبكاء، ومزيد من التكسير والتكفير.
8:00 ص
الصوت يخفت فجأة بعد أن باءت محاولات الجيران إسكاته، ولكن سرعان ما عاد، هذه المرة بقوة وأكثر صرامة «أيها الكافرون اسمعوا واسعوا كلكم في النار حكامكم في النار، نسائكم في النار، أولادكم في النار، أموالكم في النار».
9:00 ص
أصوات صرخات النساء في الشرفات ترج الشارع الهادئ الكل يترقب ماذا يفعل هذا الشاب وزوجته، فجأة وضع قدمه أعلى سور الشقة وقال بعلو صوته «مش مصدقين إنكم كفار طيب والله لأنتحر»، ثوانٍ وألقى الشاب بنفسه أمام الناس ساقطا على الأرض جثة هامدة في التو واللحظة، لم تمر سوى 20 ثانية بعدها والزوجة العشرينية تخرج إلى ذات الشرفة وتلقي بنفسها وراء الزوج الهائج وتسقط فوق أحد سيارات الأجرة، لكن أنفاسها ما زالت موجودة، وأصوات ألم تخرج من فمها.
9:07 ص
المكان يعج بالناس، لا موطأ لقدم، أصوات الرحمات تنطلق من الشفاه، صوت يصرخ من بعيد «إسعاف، إسعاف، النجدة، الست لسة صاحية وفيها النفس».. والكل يهرول.
9:30 ص
جثة الشاب ودماؤه تغرق الأرض ومغطى بملاءات تبرع بها أحد الأهالي، وزوجته بجواره تطلق صراخات الألم والدماء تغطي وجهها، وسيدتان منتقبتان وشيخ عجوز يأتون مهرولون «أبوه ، وأخته الكبرى، وزوجة عمه».. الصدمة على الجميع الكل يرقد على الأرض من هول المشهد.
سيارة الإسعاف تأتي مسرعة بعد عدد لا بأس به من الاتصالات بالنجدة، تحمل السيدة، ودقائق وتحضر أجهزة التحقيق لتفتح المحضر في ساعته وتاريخه.
10:30 ص
فُتح المحضر:
شهدت منطقة المريوطية فيصل تحديدا شارع اللوتس المتفرع من شارع اللبيني، في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة، حادث انتحار زوج وزوجة من الدور السادس من شرفة شقتهما الكائنة بنفس العنوان.
شهود العيان أبلغوا الأمن نحو الساعة التاسعة صباحا بانتحار شاب ثلاثيني يدعى «أحمد» ملتحٍ رمى نفسه من الدور السادس، وسقط قتيلا، ثم زوجته من بعده بثوانٍ رمت نفسها هي الأخرى، إلا أن الإسعاف نقلتها إلى المستشفى قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
حضرت قوات الأمن إلى المكان المذكور وخلال التحقيق قال شهود العيان، إن الشاب خريج هندسة ولديه عمل حر في بيع المنتجات الغذائية، وقبل واقعة الانتحار بساعات خرج إلى شرفة شقته بعد صلاة الفجر مباشرة وأخذ يكفر في المجتمع بأكمله بآيات قرآنية، وأخذ يردد «كلكم كفرة كلكم في النار، أراكم عند الله، أشاهدكم كلكم الآن في النار».
وأضاف شهود العيان أن المنتحر لم تبد عليه أي علامات تثير التساؤل، «كان في حاله، ما لهوش دعوة بحد، دا حتى ما حدش بيسمع صوت شقته، هو ملتحي ومراته منتقبة، وديما بعيد عن الناس أو الاحتكاك بيهم».
وما زالت قوات الأمن والمباحث تواصل التحقيق في الواقعة للوقوف على ملابساتها كاملة، بعد حضور أقارب المذكورين من مدينة العياط... وأخذ أقوال الزوجة الراقدة في مستشفى الهرم العام.