ابن دقيق العيد.. قاضي قضاة مصر في العصر المملوكي

الجمعة، 25 مايو 2018 03:00 ص
ابن دقيق العيد.. قاضي قضاة مصر في العصر المملوكي
ابن دقيق العيد
إيمان محجوب

 
محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي، أبو الفتح تقي الدين، المعروف بابن دقيق العيد، القاضي الفقيه المحدث البارع. 
 
بينما كان العالِم الفقيه علي بن وهب المعروف بمجد الدين القشيري يأخذ طريقه لآداء فريضة الحج في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 625 هـجرية، على ظهر إحدى السفن وبصحبته زوجته كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرح الدماميني أحد كبار متعبدة الصعيد في القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق البحر الأحمر الذي كانوا يسمونه في العصر الإسلامي ببحر القلزم، وما أن قاربت السفينة الساحل حتى حمل البشير إليه نبأ أدخل السرور والبشر على قلبه، وهو أن زوجته وضعت غلاما، فرفع العالِم الفقيه مجد الدين القشيري يده إلى السماء شاكراً حامداً نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنة العظيمة. 
 
 ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يديه وطاف به البيت وهو يدعو الله سائلا أن يجعله عالما، واستجاب الله لدعائه، ووصل الفتى بجدّه وذكائه ومثابرته في الدرس وتحصيل العلوم إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي. 
 
وكان يدعى محمد بن عبد الله بن وهب، إلا أن اللقب الذي غلب عليه هو ابن دقيق العيد، وهو لقب جده الأعلى الذي كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلسانا شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا بدقيق العيد. 
 
نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص التي كانت تشتهر في ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضتها الثقافية الواسعة، تحت رعاية والده مجد الدين القشيري الذي تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، كما يشير إلى ذلك الأدفوي في »طالعه السعيد« في تراجم متفرقة. 
 
وقد عاش شبابه تقيا نقيا ورعا طاهر الظاهر والباطن، يتحرى الطهارة في كل أمر من أمور دينه ودنياه، فحفظ القرآن الكريم حفظاً تاماً، وتفقه على مذهب الإمام مالك على ، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ذهب إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته.
 
 وبلغ غايته في شتى أنواع العلوم والمعرفة الإسلامية، وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي، ومكث بالقاهرة فترة يسيرة، اتجه على أثرها إلى مسقط رأسه قوص، حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة النجيبية، وهي إحدى المدارس الشهيرة في قوص، وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، فالتف حوله المريدون يأخذون على يديه في مختلف الفنون والمعرفة الإسلامية. 
 
 وعرف بغزارة علمه وسعة أفقه، فذاع صيته بين الناس حتى إن والي قوص أسند إليه منصب القضاء على مذهب الإمام مالك، ثم اتجه بعد ذلك إلى القاهرة، وقام فيها بالتدريس بالمدرسة الفاضلية، والكاملية، والصالحية، والناصرية، وكان ثقة في كل ما يقول أو يشرح حتى بلغ في النفوس مكانة سامية مرموقة. 
 
من أشهر مؤلفاته كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، الإلمام في الأحكام في عشرين مجلدا، وشرح لكتاب التبريزي في الفقه، وفقه التبريزي في أصوله. كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله تصانيف في أصول الدين. 
 
 كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعا، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة.
مواقف لابن دقيق العيد. 
 
وقال علماء عصره عنه : «لم نري مثله فيت رأينا ، كان للعلوم جامعا، وفي فنونها بارعا مقدما في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردا بهذا الفنن النفيس في زمانه»
وقال الأدفوي عنه: «التقى ذاتا ونعتا، والسالك الطريق التي لا عوج فيها ولا أمتا». 
 
ولما عزل نفسه من القضاء، ثم طُلب ليولى، قام له السلطان المنصور لاجين لما أقبل، فأبطأ المشي، فجعلوا يقولون له: السلطان واقف، فيقول: أديني أمشي، وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه، وقبل السلطانُ يده فقال له: تنتفع بهذا
 
توفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702 هـ، ودفن السبت بسفح المقطم شرق القاهرة، وكان يوما مشهودا وصلي عليه بسوق الخيل بالقاهرة وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء وجمع غفير من الأمة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق