فخ التحول الديمقراطي
الأربعاء، 23 مايو 2018 03:53 م
حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، على لقاء الشباب في مؤتمرهم الوطني الخامس بالقاهرة، رغم جدول أعماله المزدحم، وذلك في مؤتمر اليوم الواحد، وقد أثبت المؤتمر الوطني للشباب مدى أهميته على الطاولة السياسية المصرية، وكيف أصبح خير قناة تواصل، ليس بين الرئيس والشباب فحسب! ولكن بين الرئيس والشعب، وبالفعل فإن المؤتمر وإن احتضن 1500 شابا وفتاة من شتى المحافظات، إلا انه احتضن كوكبة من أهم رجالات السياسة والصحافة والفكر والرياضة والفن والآداب والاقتصاد ورجال الأعمال والعلماء ورجال الدين.
وخلال الجلسة الأولى للمؤتمر، تم استضافة نخبة من الشباب المحسوب على المعارضة المصرية، في تقليد لا يمكن أن تراه في أي نشاط سياسي غير برلماني في أعتى الدول الديمقراطية، للحديث عن الحياة الحزبية والمشاركة السياسية في مصر.
وبعد استعراض الحياة النيابية في مصر، منذ تأسيس المجلس العالي في القاهرة عام 1824 حتى اليوم، تحدث الشباب، وأعجبني حديث إبراهيم ناجي الشهابي حول تأسيس برلمان شبابي، وتحدثه عن الاطار الذى يمكن أن يعمل به هذا البرلمان، هل هو غرفة برلمانية حقيقية أم ورشة تدريبية ؟ وأيضًا اقتراحه الثاني بتأسيس المنتدي الوطني لمناقشة السياسات، وهو ما يمكن اعتباره جلسات نقاشية لطرح بعض الأفكار للحوار المجتمعي، إذا ما رغبت الدولة في ذلك.
وأيضاً اقتراحه الثالث الخاص بمدرسة الكادر السياسي، على أن تكون تابعة للأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب، ولا يشترط أن تطبق الفكرة بهذا الشكل إذ يمكن دمج الفكرة في مواد ومحاضرات الأكاديمية، نظراً لأن الهدف العام من الأكاديمية بالفعل تقديم كوادر مصرية شابة، ليس في الحقل السياسي فحسب ولكن كافة مجالات الحياة.
أيضاً أعجبني حديث محمد عبد العزيز عضو المجلس القومي لحقوق الانسان، عن فكرة أن الأحزاب تطالب في كثير من الأحيان بخطوات سياسية لا تطبقها، متسائلًا عن تداول السلطة بشكل دوري داخل الأحزاب المصرية، او عدد الشباب في المواقع القيادية بها، وأنه لا يوجد معارضة على مستوي العالم تعزف عن المشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية، ثم تقرر المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بدون أي قواعد شعبية أو انتخابية داخل المجالس المحلية والبرلمانية، وحينما تفشل في لملمة التوكيلات الشعبية تصبح الدولة والشعب مدانين!
ولكني صراحة استغربت اللغة التي تحدث بها باقي الحضور على المنصة، عن التمكين الغائب عن الشباب والانسداد السياسي الذى يعاني منه الشباب، والتهميش الذى يعاني منه الشباب، وحتمية فتح المجال السياسي لمواجهة ادعاءات الإعلام حيال الشباب.
الحديث كان متضارباً بحق، فهؤلاء الشباب يتحدثون دون رقيب أو تهديد أمام رئيس الجمهورية على الهواء مباشرة، فأي انسداد ؟ أما الحياة الحزبية فقد حان الوقت لكى يقتنع ساسة بلادنا قبل العامة، أنه لا بابا الرئيس ولا ماما الحكومة مسؤولة عن المعارضة، وأنه لا يوجد في العالم أجمع شيء اسمه الحكومة، ترعى المعارضة أو تفسح لها مجال أو تعطي لها كوتة ما، أو تساعدها في أي شيء، وأنه في اللحظة التي تفعل فيها الدولة مثل تلك الإجراءات، فأنت لست معارضة بل جزء من النظام السياسي الحاكم، وبالتالي تسقط عنك كافة الديباجات السياسية، التي تحاول أن تلحقها بنفسك تحت اسم المعارضة.
وحيال المجال العام، هل الدولة أغلقت المجال أمام الشباب؟ الأكاديمية الرئاسية لتدريب وتأهيل الشباب والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، والمؤتمر الوطني للشباب بشرم الشيخ نوفمبر 2016، ومنتدي شباب العالم نوفمبر 2017، والمؤتمر الوطني الدوري للشباب عبر خمس جولات (مرتين في القاهرة، والثالثة في أسوان والرابعة في الإسماعيلية والخامسة في الأسكندرية)، وأعلى نسبة من الشباب في البرلمان المصري منذ تأسيس التجربة الديمقراطية المصرية الحديثة، وعدداً لا يحصي من المساعدين والنواب الشباب للوزراء، إضافة الى سيطرة الشباب على مناصب المتحدث الرسمي للوزارات، إضافة إلى وجودهم في عدداً من المجالس الاستشارية لرئيس الجمهورية، وصولاً إلى أن أغلب المسيطرين على الساحة الصحفية والإعلامية اليوم من شباب، بل ولم تقدم الصحافة المصرية الحزبية والخاصة تجربة تقديم رئيس تحرير شاب مثلما الحال مع الصحف القومية اليوم.
وكأننا نتحدث عام 1977 أو 2005 ، وكأن الشباب الحالي، وأكرر الجيل الحالي من الشباب لم يأخذ فرصته، ثورة ومرحلة انتقالية اولي وانتخابات رئاسية وبرلمانية ودستورية، فلم يقدم للوطن أي شيء إلا شرعنة 85 سنة إرهاب في صناديق الاقتراع وميادين الثورة، وفجرنا براكين المزايدات مع الشعب بل ومع الشباب الذى نزل الميادين ولم يتفق معهم، وبعد بروتكولات حكماء فيرمونت، واعتبار الإرهاب معارضة سياسية والإرهابي معارض سياسي يأتي ثلة من الشباب عام 2018 يتحدث عن عدم اتاحة الفرصة للشباب؟
لا يزال الشارع يتذكر جيداً عبارات تمكين الشباب وشباب الائتلافات وشباب الثورة، وفى الواقع لدى بضعة أسئلة، لما يسمى المعارضة المصرية عموماً وشبابها خصوصاً:
1 – هل تم فك الارتباط بين المعارضة المصرية والإرهاب بشقيه الإسلامي واليساري؟
2 – هل أصبح من المرفوض أن تتلقى أي جهة معارضة مصرية تمويلاً من جهة أجنبية لا تقوم بتمويل أي طرف محلى إلا حينما يخدم بعمد أو بغير عمد أجندة إخوانية أو أجنبية؟
3 – ما هو موقفكم من الإرهاب الذى يضرب سيناء ؟ هل موقفكم هو الديباجات الإخوانية وأن الدولة تصنع الإرهاب والقمع الحكومي – الذى لا يراه إلا من تعالى على الشعب وخسر اللعبة السياسية – هو سبب إرهاب تمت صناعته في معامل المخابرات الغربية؟
4 – لماذا لم نرى فصيل واحد مما يسمى المعارضة المصرية يدافع عن حق شهيد الوطن في صفوف الجيش والشرطة والنيابة والشعب المصري، ويترحم عليه أو يصدر بياناً يشجب العملية الإرهابية التي أدت لوفاته، بينما نرى من فيالق المعارضة المصرية شجب وتنديد بالتعامل مع الإرهابيين بشكل قضائي سليم؟
5 – ما هي الضمانات التي تقدمها المعارضة المصرية حتى تتوقف عن كونها الظهير السياسي والشعبي والحزبي والشبابي والثوري للمؤامرة والإرهاب؟
6 – ما هي الضمانات التي تقدمها ما يسمى بالمعارضة المصرية لعدم تكرار اخطار المسارات التي ذهبوا اليها بالوطن والبلد والشعب خلال المرحلة الانتقالية الأولي وعام حكم أول جاسوس مدني منتخب؟
7 – هل قام شاب واحد ولا أقول فيلق واحد مما يسمى بالمعارضة المصرية بمراجعة فكرية أو سياسية لأي اختيار ذهب إليه منذ يناير 2011 إلى اليوم؟ أم لا يزال هؤلاء الشباب يظنون أنفسهم الأنبياء والقديسين والشهداء وسط الكافرين بالحرية والجهلة بالديموقراطية وأنهم رسل الحق في وجه الباطل؟ هل درس أو استوعب فرد واحد منهم خطايا مرحلة 2011 – 2013 بل وحتى الكثير جدا مما صدر منهم لاحقاً؟
8 – هل لا زالت المعارضة المصرية على قدر من الجهل حتى ترفع شعارات الحكم العسكري دون فهم؟، وهل الفائز في انتخابات ديموقراطية مدنية هو رئيس مدني وليس عسكري حتى لو كان خريج كلية عسكرية أو ضابط عسكري ؟ هل لا تزال المعارضة المصرية غارقة في جهل أن ما هو موجود في مصر حكم عسكري بينما في الواقع أنه تطبيق مفهوم الحكم العسكري على مصر يجعلها دولة مدنية وليس عسكرية وفقاً للعلوم السياسية؟
وفى تقديري أنه مجرد أن البعض لا يزال يطالب الدولة المصرية بمساحات للمعارضة، فإن هذا يرد على الأسئلة السابقة بالنفي، وأنه لا يزال المعارضة المصرية شيوخ قبل شباب، محترفين قبل نشطاء وهواة، يعيشون في أجواء المراهقة السياسية ولا يدركون أن المعارضة هي من تصنع شعبيتها في الشارع وهى من تصنع مساحات العمل في المجال السياسي، وهى من تصنع المجال السياسي ذاته الذى يعمل في اطاره المعارضة.
لقد كنت جالساً في الصفوف أشاهد الندوة وأتى في خاطري فخ التحول الديمقراطي، الذى نصبته أمريكا للدولة المصرية عام 2005، وهو الذى أخرج مارد الفوضى من القمقم، بداية من حراك القاهرة 2005 وصولًا إلى الربيع العربي، حيث كانت بعض الدوائر داخل الحزب الوطني الديمقراطي تظن أن التحول الديمقراطي سيعطى شرعية لشلة ومشروع التوريث خاصة في ظل رفض المؤسسة المصرية الأم لهذا المشروع.
وكانت النتيجة أن الإدارة المصرية هي التي فككت أوصال تماسك البنية السياسية والحزبية لمصر، ولقد شعرت باطمئنان حينما عقب السيد الرئيس السيسي في ختام الجلسة بأنه لا يرى أن المناخ السياسي خانق على الشباب، وأتمني فعلاً ألا ننزلق في فخ التحول الديمقراطي ثانية، وأنه لو كنا ذاهبون إلى تفعيل الحياة الحزبية او السياسية، فليكن بعقلية عسكرية أمنية في المقام الأول، وألا يترك هذا الملف لعقلية سياسية لا تدرك البعد الأمني لهذا الملف المنفلت دائما.
هذه الأمور تحدث كفرز اجتماعي وكافة محاولات الإدارات السابقة في صنعها برعاية الدولة فشلت، التحول الديمقراطي عام 1977 ثم عام 2005 بل وحتى بعض المحاولات بعد عام 2011.
لمن يفهم سياسة حقاً .. ديموقراطية حقاً .. أحزاب حقاً.. يدرك أن الأحزاب والديمقراطية والمشاريع المعارضة هي من تفرض نفسها حال صحتها، لا يوجد شيء اسمه معارضة حقيقية وخسرت عبر التاريخ، أو معارضة صحيحة وخسرت عبر التاريخ، ولكن محاولات تصعيد بعض الديكور الديمقراطي عادة ما تنقلب على الدولة وينقلب السحر على الساحر.
وما كانت منصة التحرير وغيرها من منصات الميادين الثورية في مصر عامي 2011 و2012 إلا شبابا وعناصر سياسية ظنت الأجهزة المصرية منذ عام 2000 على الأقل انها هي من تسيطر عليهم او تراقبهم فكان ما كان.
ختاماً .. كل التحذير من هؤلاء الذين يتحدثون بلغة ما قبل 25 يناير لاستئناف ما حدث بعد 25 يناير.