حكاية البابا شنودة مع «مدارس الأحد»: قصة تستحق المشاهدة
الإثنين، 21 مايو 2018 04:00 مكتب - عنتر عبد اللطيف
احتفلت الكنيسة القبطية، بمناسبة مرور 100 عام على إنشاء «مدارس الأحد» التى أسسها الأرشيدياكون «رئيس الشمامسة»، حبيب جرجس. وهى المدارس التى كان للمتنيح - الراحل - البابا شنودة الثالث حكاية معها تستحق أن تروى، ووقتها لم يكن قد ترهبن بعد، وكان ما زال محتفظا باسمه قبل الرهبنة وهو «نظير جيد روفائيل».
حكاية البابا شنودة مع مدارس الأحد، رواها هو بنفسه أثناء تسجيله للفيلم الوثائقى «همسة حب» قائلا: «فى سنة رابعة فى كلية الآداب اللى هى سنة 46/47 حدث أمران، الأمر الأول أننى التحقت بالكلية الإكليريكية القسم المسائى وأنا طالب فى كلية الآداب، والأمر الثانى أننى بدأت أدرس فى مدرسة إنجليزية فى سراى القبة جدول بيأخد الوقت كله فى سنة 46/47 كنت فى تلك السنة أدرس فى فروع مدارس الأحد، وأدرس فى مدرسة إنجليزية، وكنت أدرس فى مدرسة ابتدائية، وكنت طالبا فى الكلية الإكليريكية، وكنت طالبا فى كلية الآداب وتخرجت سنة 47، وفى نفس الوقت تخرجت من كلية الضباط الاحتياط وكنت أول دفعتى، فترة الجيش علمتنا أشياء كثيرة، منها النظام والجدية فى الحياة، وخدمة الإنسان لنفسه إلى ما فيها من فوائد صحية أيضا يتميز بها كل ضباط الجيش، وكنت جادا جدا فى عسكريتى وكنت محبوبا من زملائى.
أيضا كنت أدرس فى مدرسة ابتدائية لغة إنجليزية، وكنت أدرس فى مدارس الأحد، وكنت محررا فى مجلة مدارس الأحد وأول عدد صدر منها فى إبريل 1947 كتبت فيه قصيدة هى، فى الحقيقة لم أكتبها، وإنما ألقيتها فى مؤتمر عن الأحوال الشخصية، قصيدة كم قسى الظلم عليك كم سعى الظلم عليك، بالمناسبة دى أقول لكم على حاجة غريبة فى الشعر يمكن ماكنتش قلتها قبل كده خالص، كنت ساعتها فى سنة رابعة ثانوى، اللى هى زى الثقافة، وأحد زملائنا توفى، واختارونى نيابة عن الطلبة أن أقول كلمة فى الجنازة أو قصيدة، وأنا كنت متأثرا، وقلت شعرا مؤثرا، أول بيت والستات بقوا يدمعوا، وتانى بيت وابتدوا يتنهنهوا، وتالت بيت يبكوا بصوت عالى وبعدين جالى القسيس وقال لى كفاية كده يا ابنى فنزلت من على المنبر.
قلت لكم بأننى التحقت بالكلية الإكليريكية، وكعادتى باستمرار الأول فى الكلية وتخرجت أيضا سنة 49 وكنت أول الخريجين بالقسم الليلى الجامعى، وعينت بهيئة التدريس بالكلية، وأصبحت حياتى حياة تكريس تقريبا ما عدا سنتين أو ثلاث قضيتها فى التعليم الثانوى، وما عدا التدريس فى المدرسة الإنجليزية.
منذ ذلك الحين ازداد نشاطى جدا فى مدارس الأحد، حتى كنت أدرس فى العديد من الفصول، وفى كثير من اجتماعات الشباب، وصرت عضوا باللجنة العليا لمدارس الأحد، وصرت رئيسا لتحرير مجلة مدارس الأحد، وصرت مدرسا بمدارس الرهبان بحلوان، وأفتكر لما إخوتنا فى الجيزة أسسوا بيت التربية المسيحية بالجيزة، اللى بقى بيت المغتربين، جعلونى عضو مجلس إدارة فى هذا البيت، وطبعا ما كنا ندعى إطلاقا لحضور جلسات يعنى اسم عبارة عن ديكور، وبعد ثلاث سنوات تقريبا سقط نصف الأعضاء بالقرعة لكى ينتخب بدالهم وأنا كنت من الذين استمرت عضويتهم.
وفى إحدى المرات كنا فى زيارة الأستاذ حبيب جرجس مدير الكلية الأكليريكية ورئيس مدارس الأحد، فقال له أحد أعضاء مدارس أحد الجيزة: يا حبيب بيه، الأستاذ نظير جيد على يعنى عضو عامل معانا فى جماعة التربية، فأنا قلت له: هو عضو عامل وعامل عضو؟ - يضحك - لأنى ما كنت أتدخل فى شئونهم إطلاقا، كنت عَزوفا عن المسائل الإدارية كثيرا، وأفتكر فى مرة فى بيت مدارس الأحد اللى هو بيصدر المجلة، كانت مجموعة الأستاذ إدوارد بنيامين قصاد مجموعة الأستاذ ميخائيل عياد، مجموعتان فى الانتخابات، وكل مجموعة تحب أنصارها هم اللى ينجحوا، وأنا كنت محبوبا من كلتيهما، ومش نجحت وأخدت معظم الأصوات، لا نجحت وأخدت كل الأصوات يعنى مجموع الأصوات كلها، كل الفريقين اختارونى، ولكن كل فريق عايز يكون رئيس مجلس الإدارة يكون منه، ومكسوفين منى إنهم يقولوا لى أنت واخد كل الأصوات وماتبقاش رئيس، فجوم فى أول اجتماع وقالوا إحنا بتوع مدارس أحد، ومش بتوع مدارس أحد، فإحنا نعمل قرعة، طبعا القرعة تيجى لأى واحد منهم وبعدين يتنازل إلى كبيرهم، فقام عملوا القرعة فوقعت علىّ أنا برضه، لكن أسلوبى كان غير أسلوبهم تماما، أنا لى الأسلوب الروحى فى الخدمة وهم ليهم الأسلوب الإدارى فى الخدمة.
يقول المؤرخ عزت أندراوس فى موسوعة تاريخ أقباط مصر: «بدأ نظير جيد خدمته فى مجال مدارس الأحد عام 1939بكنيسة السيدة العذراء بمهمشة، والتى كانت كنيسة الكلية الإكليريكية فى ذلك الوقت، وكانت فى فناء الكلية، وفى عام 1940أنشأ فرعاً لمدارس الأحد فى جمعية الإيمان بشبرا، ولنشاطه الكبير ضمه الإرشيدياكون حبيب جرجس للجنة العليا لمدارس الأحد، أما شهرته فى الخدمة فقد توجت فى مجال الشباب بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، حيث كان متحدثاً لبقاً وممتازاً فتجمع النشء الجديد حول خدمته وجذبهم إلى الروحانيات التى تملأ الكتاب المقدس.
وكان اجتماع الشباب بهذه الكنيسة مساء كل أحد مكتظاً بالشباب والخدام، وشاع نجاح خدمته فلم يكن حضور اجتماع الشباب مقصوراً فقط على شباب الحى الذى تقع فيه الكنيسة، ولكنه اجتذب أيضاً خداماً وشباباً من كنائس وأحياء مختلفة، كانوا يحضرون من أماكن بعيدة، متحملين مشقة السفر ليستمعوا ويستفيدوا من موهبة الروح القدس المعطاة لهذا الشاب، فملأ الخادم نظير جيد كل مكان تطؤه قدماه بالإرشاد والتعليم.
ولم يكن نظير جيد لبقاً فحسب، ولكن ظهرت له موهبة أخرى هى الكتابة وقرض الشعر- وفق عزت أندراوس- فبدأ إنتاجه الغزير بقصيدة رائعة بعنوان «أبواب الجحيم»، وفيها أظهر عظمة الكنيسة القبطية، وبعد سنتين على صدور مجلة مدارس الأحد، حمل مسئولية إدارتها وتحريرها واستطاع من خلال مسئولياته أن يعبر عن آماله وآمال الجيل الجديد من الشباب فى مستقبل الكنيسة القبطية فى القرن العشرين، فبدأ يوجه الفكر القبطى ويؤثر فيه وتبنى الكثيرون آراءه وأفكاره، فكتب فى كل نواحى المجتمع الكنسى القبطى ومشاكله.
وظل نظير جيد يكتب، ويكتب فى مجلة مدارس الأحد، منذ صدورها عشرات المقالات المتنوعة، فكتب عن الحياة الروحية ودراسات فى إصلاح الكنيسة وتاريخ الكنيسة ومشاكل الشباب، وكتب 4 مقالات طويلة للرد على شهود يهوه، كما كتب أيضاً الكثير من القصائد الشعرية التى صارت فيما بعد تراتيل روحية يتغنى بها الشعب القبطى.
أما أكثر مقالاته غرابة وروحانية فى الوقت نفسه، فكانت الموضوعات التى كتبها عن انطلاق الروح، التى كان فى العادة يكتبها عند عودته من خلوته بالدير، فقد كان دائم التردد على دير السريان وكان يقضى فيه فترات كبيرة، أما آخر مقالاته بالتحديد التى كتبها فى مجلة مدارس الأحد فكانت بعنوان «تمنيت لو بقيت هناك».. وأبياتاً أخرى بعنوان «يا سائح»، وبعدها انطلق إلى دير السريان حيث سيم راهباً فى 18 يوليو 1954 باسم الراهب أنطونيوس وكان قد بلغ من العمر 31 عاماً.
يذكر أن مدارس الأحد نشأت سنة 1918 لتعويض النقص الذى يعانيه الطلبة الأقباط فى دراسة مادة الدين فى المدارس الأميرية وبعض المدارس الأهلية.
يعد القديس حبيب جرجس المؤسس الحقيقى للإكليريكية فى عصرها الراهن، فهو الذى اشترى لها الأرض وأسسس لها المبانى فى منطقة «مهمشة»، وأعد القسم الداخلى لمبيت الطلبة.
فيما انشأت الإكليريكية فى 29 نوفمبر 1893 م، والتحق بها، وصار الواعظ الأول ومدرس اللاهوت بالكلية فى الربع الأول من القرن العشرين، وتسلم نِظارتها سنة 1918 إلى نياحته - وفاته - عام 1951 كما أنشأ كذلك القسم الليلى الجامعى سنة 1946 م، وكان أول أستاذ لعلم اللاهوت فى الكلية الإكليريكية.